"شارلي هبدو" هي صحيفة فرنسية ساخرة لا تعترف بحدود للحرية لا يسلم من سياطها لا سياسي ولا رجل دين ولا رجل أعمال إلخ... شعارها لا للإذعان لأية سلطة والصحيفة والعاملين بها من صحفيين ومختصّين في الكاريكاتور -وهي تعول كثيرا على الكاريكاتور سواء في النصوص أو في الرسومات عهدنا بهم أنهم من أصحاب الكفاءات. وهم وإن كانوا لا يؤمنون بالمقدسات فإن حرية التعبير بالنسبة لهم ترتقي لمستوى المقدس. كانت الصحيفة من قبل لا تدخل التراب التونسي وإن سبق وتصفحها أحدهم في تونس زمن بن علي الذي كان أحد أهدافها المفضلة ومرمى سهامها وكانت لا تسميه إلا بالجنرال بن علي وهو في عز سلطته وفي أوج طغيانه فإن ذلك يكون خفية عن الأعين الفضولية تماما مثلما كانت تقرأ المناشير الممنوعة والمحرمة وكنا نستاء لمنع الجريدة من الدخول إلى بلادنا مثلها مثل عديد الصحف والمجلات الأجنبية التي لا تتردد في انتقاد النظام السابق والتي كنا نغبطها على تمتعها بالحرية في حين كانت في تونس شبه محرمة لكن اليوم لدينا عدة أسباب تجعلنا لا نتضامن مع الجريدة رغم أننا لسنا أقل منهم دفاعا عن حرية التعبير ولسنا أقل منهم تمسكا بهذا المبدأ. فقد أعلنت الصحيفة عن نشرها صورا كاريكاتورية فيها مساس من الرسول الأكرم بتعلة الحق في التعبير بكل حرية والحقيقة أن الصحيفة وهي تقوم بذلك في توقيت جد صعب رغم رفعها لشعار حرية التعبير لا يمكن للملاحظ مهما كانت درجة حياديته أن يرى في ذلك رغبة في ممارسة حرية التعبير بقدر ما يراها انتهازية واضحة ورغبة في استثمار اللحظة لتحقيق مكاسب مادية. ربما تعاني شارلي هبدو من صعوبات مالية في هذه الفترة ورأت ان الفرصة ذهبية لربح معركة السوق وربما حققت بالفعل ما ارادت لكنها ارتكبت بذلك خطأ كبيرا. فالعالم الإسلامي يكاد يشتعل بسبب الفيلم الذي نشر على الإنترنيت وأساء للرسول الأكرم وللمسلمين وهو لم يعد بالضرر على المسلمين فحسب وإنما على العلاقات الدولية وعلى علاقة الشعوب الغربية بالمسلمين التي هي في الأصل معقدة. لا نتصوّر أن الصّحيفة لا تدرك خطر ما أقدمت عليه بل نراها تحاول الإستفادة من الوضع على حساب المسلمين وحتى على حساب فرنسا التي قامت بدورها بتعزيزات أمنية أمام السفارة الأمريكية بباريس كما تم غلق عدد من المدارس الفرنسية ببعض البلدان العربية كما أن الفرنسيين متخوفون من ردة فعل الجاليات الإسلامية على أرضهم وهي تعد بالملايين. مع العلم أن السلطات الفرنسية سارعت بإدانة العملية وعبر رئيس الوزراء الفرنسي مثلا عن امتعاضه من الأمر. إن صحيفة شارلي هبدو وهي تعمد مجددا إلى إيذاء مشاعر المسلمين من خلال إيذاء رسولهم وقد سبق لها أن نشرت الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول الأكرم التي ظهرت في صحيفة دانماركية والتي انجرت عنها ردود أفعال قوية وخلفت قتلى وجرحى في عدد من البلدان الإسلامية تتخذ بذلك موقفا معاديا ومجانيّا وهي بمثابة من يصب الزيت على النار. لا ليست القضية قضية حرية التعبير وتعوزنا حقيقة الحجج التي يمكن من خلالها أن نرى أن الأمر مجرد محاولة للتمسك بالحق في ممارسة حرية التعبير ولا يمكن أن نرى في عملية نشر صور مسيئة للرسول حتى وإن كنا نعتقد أنه لا يمكن لأي كان أن يمس من قيمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولا من مكانته في قلوب المسلمين فمكانته محفوظة وهي عالية وليست صورا بذيئة أو فيلما رديئا بقادرة على التقليل من رفعة شأن محمد، لا يمكن أن نرى فيها إلا عمليّة تجارية رخيصة وانتهازية واضحة ومفضوحة وتجاهل للقيم والأخلاق هذا إن لم نقل أن المسألة اجرامية لأنها تهدد حياة الكثيرين وتهدد بمزيد تأجيج حالة الإحتقان التي تشهدها عدة بلدان اسلامية بسبب الفيلم المسيء للرسول الذي كشفت عدّة مواقع وصحف جدية في الغرب أنّه قبطي يعيش بلوس انجلس بأمريكا وهو متورّط في قضايا فساد بنكي (هذا ما أكّدته صحيفة لوموند الفرنسية في تحقيقها حول الموضوع ). إن حرية التعبير تهمنا عن قرب ولا يخف على المتابع أننا نخوض في مؤسّستنا معركة من أجل إثبات هذا الحق ومن أجل استقلالية الإعلام في تونس لكن لا تبدو قضية شارلي هبدو قضية حرية تعبير وإنما كما سبق وذكرنا هي انتهازية واقتناص اللحظة من أجل كسب مادي حتى وإن كان ذلك ضد مبدأ حرية التعبير في حد ذاته. كيف نفسر للمتلقي الذي يرى أنه قد تم المساس به وتم إيذاءه من خلال الإساءة لمعتقداته والإساءة لرموزه الدينية باسم حرية التعبير أن العملية لا تخرج من نطاق الرغبة في ممارسة هذا الحق. مع العلم وأن حريّة التعبير بالنسبة لشارلي هبدو ليست طريقا معبدة جيدا دائما ذلك أن الصحيفة اضطرت في عهد غير بعيد إلى التخلّي عن أحد محرّريها بسبب مقال حول نجل الرئيس الفرنسي الأسبق اشتم منه رائحة الإساءة لليهود. وكانت الصحيفة بلعت الطعم وتم الإستغناء بسهولة عن المحرر صاحب النص المذكور. لا إن القضية ليست قضية حرية تعبير وإنما كل ما في الأمر أنها متاجرة بمعتقدات الناس وإساءة مجانية لشعوب بأسرها. كل أملنا في رصانة شعوبنا وفي قدرتهم على التمييز بين موقف معاد فعلا للإسلام وبين محاولات رخيصة نابعة عن نفوس مريضة تمارس هلوساتها وعقدها في صيغة أفلام وصور وأشياء أخرى. حياة السايب