هل ما تشهده بعض القطاعات اليوم من تشنج وتوتر وتجاذبات مرده تأخر في عملية الإصلاح التي يفترض أن تطال قطاعات حيوية وحساسة على غرار القضاء والإعلام والأمن؟ سؤال يطرح بشدة في ظل حالة الاحتقان الاجتماعي التي تعيشها البلاد من جهة وبعض القطاعات الحساسة من جهة أخرى: فبعد تعرض فتاة إلى عملية اغتصاب من قبل 3 من أعوان الأمن وبعد التلويح بإضراب عام في قطاع الإعلام حدد تاريخه ب17 أكتوبر من الشهر الجاري ومع تواصل التجاذبات التي يعيشها الهيكل القضائي على غرار الاعتصام الذي نفذه عدد من ممثلي جمعية القضاة اجمع بعض المهتمين بالشأن العام أن كل هذه الاضطرابات مردها تأخر عملية الإصلاح، والتي كانت قادرة على امتصاص حالة الاحتقان وتجاوز الإشكاليات التي تمر بها البلاد حاليا. يشير هشام السنوسي عضو هيئة إصلاح الإعلام والاتصال المنحلة أن ألازمة انطلقت أساسا منذ أن توقفت عملية الإصلاح وبعد أن قررت الحكومة عدم تفعيل المرسومين 115 و116 فضلا عن عدم تفاعلها مع التقرير العام الذي أصدرته الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال اذ تبين أن "هنالك إرادة لتكريس الفراغ التشريعي وتراجع عن المسار الإصلاحي الذي ساهمت فيه الهيئة مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة العامة للثقافة والإعلام ومختلف أطياف المجتمع المدني المهتمة بالقطاع". التوتر بدل الوفاق وأضاف السنوسي انه على ضوء ذلك "ازداد الإحباط وانقطع التواصل وحل التوتر بدل التوافق علما انه في الأثناء حاولت الحكومة أن تفرض سياسة الآمر الواقع فتمادت في التفرد بالقرارات والتعيينات على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية فوجدت النقابة الوطنية للصحافيين نفسها مظطرة إلى العودة إلى المطلبية بعد أن كان عملها في المرحلة الانتقالية الأولى منصّب على تأسيس منظومة تشريعية تضمن حق وحرية التعبير". وفي محاولته لتشخيص الوضع الراهن الذي يمر به قطاع الإعلام ذكر السنوسي ان المنظمات الدولية عادت إلى إصدار "البيانات المنددة بأعمال الحكومة وعدم التزامها بمسألة الحريات". أما على مستوى المنظمات الوطنية فهنالك جملة من المشاريع والتنسيقيات التي أخذت في تجهيز نفسها للدفاع عن الحريات وكأننا في سياق النظام السابق. من جهة اخرى تطرق السنوسي إلى التحركات التي يقوم بها عدد من الصحفيين على غرار الاحتجاجات التي قام بها كل من أبناء "دار الصباح" والتلفزة الوطنية آخرها أمس الوقفة الاحتجاجية التي نفذها صحفيو الإذاعة الوطنية، زد على ذلك الإضراب العام المقرر الشهر الجاري. واعتبر السنوسي أن هذا دليل على أن الحكومة "لم تحسن إدارة هذا الملف وان الأوان لإعادة تكليف أشخاص جدد لهم من ثقافة التوافق ما يسمح بالعودة إلى إحياء المسار الإصلاحي". غياب الإصلاح تعطل مسار الإصلاح أو بالأحرى تململ الهياكل المعنية في إرساءه لم يشمل ملف الإعلام فحسب بل طال أيضا الهيكل القضائي الذي يعيش تجاذبات سياسية رغم الدعوات الملحة لتطهيره. وهو ما يؤكده فتحي الجربي نائب رئيس "حركة وفاء" مشيرا إلى أن قطاعات عديدة تستوجب التطهير اليوم على غرار الإعلام والأمن والقضاء ومع ذلك فانه لا شيء تغير بعد ال 14 من جانفي لأنه لا توجد أساسا عملية إصلاح. وفسر في هذا الصدد انه على مستوى وزارة العدل مثلا تفتقر الهياكل المعنية إلى "رؤية سياسية قوية قادرة على القيام بعملية الإصلاح". وقال:"هنالك أطراف مورطة لا تناسبها عملية المحاسبة أو التطهير لا سيما أن الهيكل يضم أطرافا مورطة خلال العهد البائد فضلا عن ضمه لعدد من التجمعيين الذين يمثلون عقلية كاملة". على حد تعبيره. وللخروج من عنق الزجاجة، يرى نائب رئيس "حركة وفاء" أن المجلس التأسيسي السلطة الأصلية في البلاد والمخول لها إنهاء الدستور ومراقبة سير أعمال الحكومة، من صلاحياتها أن "تبادر بتنظيم البلاد عبر سن مؤسسات من ذلك إرساء بنك مركزي مستقل وبعث مجلس أعلى للقضاء وغيرها من المؤسسات". أما فيما يتعلق بالجانب الأمني فقد تتفق بعض الأطراف أن الحادثة الأخيرة (اغتصاب فتاة من قبل أعوان الأمن) كان بالإمكان تفاديها لو نفذ إصلاح جذري للمنظومة الأمنية. ردا عن هذا الطرح بين منتصر الماطري الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي "أولا أن الاتحاد الوطني ينند بمثل هذا الاعتداء الذي يعتبره اعتداء منافيا للقانون وللشرع والشريعة لا سيما أن عون الأمن عهد إليه السهر على امن المواطن. ولكن قد يطرأ مثل هذا الحادث في ظل منظومة أمنية تم إصلاحها استنادا إلى أن البشر قد يخطئ ويصيب". لا تجاوب أما فيما يتعلق بالإصلاح الذي يفترض انه شرع في تطبيقه ذكر المتحدث أن الاتحاد الوطني لنقابات الأمن قدّم إصلاحات تهم الجانب التشريعي والتكويني فضلا عن تقديم مقترحات تتعلق بالجانب اللوجستي مشيرا في السياق ذاته إلى أن الاتحاد الوطني "بادر بالإسراع وفتح باب التواصل مع سلطة الإشراف حتى يكون شريكا مع السلطة في ضبط مقاييس الإصلاح ورسم المعالم الأساسية لمؤسسة أمنية تتطلع لبناء الديمقراطية في تونس. ولكن لا وجود لتجاوب من قبل سلطة الإشراف لا سيما ان قنوات التواصل ليست موصولة بالقدر الكافي بين الاتحاد الوطني لنقابات الأمن ووزارة الداخلية" على حد تعبيره..