الأعمار بيد الله!..، هذا ما يمكن ان نقوله في البداية اذا ما اردنا أن نأخذ الموضوع بشيء من المرح في زمن بلغ فيه التوتر الحزبي أشده. يتعلق الامر بمعرفة ان كان المجلس التأسيسي هو الذي يحدد بنفسه عند الاقتضاء مدة عمله ام ان هذه المدة مضبوطة بارادة غيره. لو طرح هذا السؤال على طالب يتابع درس القانون الدستوري في سنته الاولى لاعتبر ان الاجابة بديهية وهي ان السلطة التأسيسية سيدة نفسها، فهي سلطة اولية وعليا لا تعلو ارادتها سوى ارادة الشعب الذي بامكانه، في سياق ثوري، ان يمر من منظومة قانونية الى اخرى. والمسألة محل اجماع بين جمهور الفقهاء، ففي ظل المنظومة القانونية القائمة، توجد السلطة التأسيسية في اعلى هرم السلط المنشئة للقواعد القانونية ولا يمكن اطلاقا الزامها بارادة غيرها. وفي خصوص مدة عمل المجلس التأسيسي، قال هذا المجلس كلمته وذلك عندما اقر في الفصل الاول من القانون التأسيسي المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية ما مفاده ان المؤسسات المحدثة تبقى قائمة الى ان يتم تعويضها بالمؤسسات التي ستنبثق عن الدستور الجديد. والجميع يعلم ان فكرة تحديد فترة عمل المجلس بأكثر دقة وذلك بالتنصيص على مدة زمنية مضبوطة وقع رفضها من طرف السلطة التأسيسية لاسباب راجعة لتقديرها. وبذلك، لا جدال في ان المسألة محسومة من الناحية القانونية في اتجاه عدم تقييد المجلس باجل محدد لوضع الدستور ولانشاء المؤسسات الجديدة. لكن، بالرغم من هذا الوضوح، رأى البعض انه تم تحديد عمر المجلس التأسيسي قبل ان يتم انتخابه وذلك بمقتضى امر 3 اوت 2011 المتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء المجلس الوطني التأسيسي. فقد نص الفصل 6 من هذا الامر على ان المجلس "يتولى اعداد دستور للبلاد في اجل اقصاه سنة من تاريخ انتخابه". اول ما يمكن ملاحظته هنا هو ان هذا الفصل يتحدث عن اجل اعداد الدستور ولا عن مدة عمل المجلس التأسيسي، ففي كل الاحوال يتواصل عمل المجلس بعد المصادقة على الدستور، وذلك الى ان يتم انشاء المؤسسات المنبثقة عنه. ثم وهو الاهم لا يجوز للامر ان يتطاول على سلطة اعلى منه فيقوم بتحديد مدة عملها، وذلك عملا بمبدإ تدرج القواعد القانونية المنبثق عن تدرج السلط المصدرة للقواعد القانونية. والقول بخلاف هذا يدفع بنا نحو متاهات تجعلنا ندخل عالم الخيال القانوني من بابه الواسع فنقول بما انه امكن للامر المذكور ان يحدد مدة كتابة الدستور بسنة، كان بامكانه ان يكون اكثر تفاؤلا فيحدد تلك المدة بثلاثة اشهر او ان يكون اكثر تفهما فيحددها بخمس سنوات. كما كان بامكانه، ولم لا بما ان الامر متاح، ان يحدد طبيعة النظام السياسي الذي يتعين على المجلس التأسيسي اقراره. وبعد ذلك نقول ان المجلس تحصل على تفويض في حدود مضبوطة بامر وجب عليه احترامها.. في الحقيقة، امر 3 اوت 2011 لا يمكن ان يكون الا اجرائيا، أي ينظم مسألة دعوة الناخبين لا غير. وهو في هذا يشبه السائق الذي يتعين عليه ان يوصل رئيسه الى المكان المقصود دون التدخل في مدة الزيارة او في موضوعها. واذا فعل ذلك، فكلامه هراء وعاقبته وخيمة. نفس الشيء في خصوص الامر المذكور، ما زاد فيه عن مسألة دعوة الناخبين يعتبر في حكم العدم، لا عمل به ولا استناد اليه. وبالتحديد، يعتبر هذا الامر معدوما في خصوص ما قام به من ضبط لمدة وضع الدستور، فعيب الاختصاص الذي شابه بلغ درجة قصوى بما ان السلطة الادارية اعتدت على اختصاص السلطة التأسيسية، وبذلك تجاوز الامر المتحدث عنه العيب القانوني الى العيب الاخلاقي. وتبعا لذلك، لم يكن المجلس التأسيسي مطالبا بالالتفات الى ذلك الامر وبان يكلف نفسه عناء الغائه بصفة صريحة. وبالرغم من ان المسألة تبدو من البديهيات فان البعض من الحقوقيين لم يتورع عن التعبير عن اراء مفادها ان المجلس مقيد بما أقره الامر، وهذا الكلام يذكرنا بما جاء على لسان الفيلسوف والاديب Jean-paul-sartre الذي قال ما مفاده انه اذا قيل في شأن احدهم ان له اراء معادية للسامية، فان كلمة اراء هذه تدعو للتفكير.. وبذلك لا جدوى هنا من الحديث عن وجود اشكال قانوني والحال ان المسألة هي سياسية ويجب ان تعالج بصفتها تلك. ولا جدال في انه يمكن للحقوقيين كما يمكن لغيرهم التحمس لهذا الموقف او ذاك، لكن دون محاولة تغطية الموقف السياسي بغلاف قانوني مصطنع اذ في ذلك تجن على القانون والسياسة معا. فالحجة السياسية متى كانت قوية لا تحتاج الى سند قانوني وهمي. واذا تم العمل بخلاف هذا لا يسع المرء سوى ان يقول لهفي على بلد لا يرى فيه الحقوقيون حرجا في ان يقع القانون في قبضة السياسة.