إن كان ل"فضيحة التأسيسي" المتمثلة في اقتراح نظام تقاعد خاص بالنواب من فضل فهو أنها بينت بطريقة لا لبس فيها أن آليات اللعبة الديمقراطية قد بدأت "تشتغل" في مجتمعنا وأننا بدأنا نجني ثمارها رغم ضبابية الأوضاع السياسية والاجتماعية ورغم المصاعب والأزمات التي نعيشها بصفة يومية. فالتراجع عن "المقترح" المذكور ما كان له أن يتم بمثل هذه السرعة، بل ما كان له أن يتم أصلا في مجتمع دكتاتوري تعتبر فيه البلاد ومقدراتها وخيراتها بمثابة الملك الخاص للماسكين بالسلطة ولمن يدورون في فلكها. وقد لعبت الصحافة التي تحررت إثر الثورة دورا لا يستهان به في هذا الموضوع ففضحت ثم استنكرت ونددت وألبت الرأي العام وهو ما يقيم الدليل مرة أخرى إن كانت هناك حاجة إلى دليل على دورها الأساسي والمحوري في بناء الديمقراطية وفي لعب دور المعدل والكابح للجشع الذي لا يمكن أن يسلم منه أي صاحب سلطة مهما كانت مرتكزاته الايديولوجية ومرجعياته الفكرية، خصوصا في المجتمعات ونحن منها التي لم تعرف طوال تاريخها سوى نظام حكم قائم على التسلط والتعسف المقترن غالبا بالفساد المالي والنهب المقنن والممنهج لمقدرات البلاد. كما بينت «الفضيحة» المذكورة أن منظومة الدكتاتورية وبالأخص إفسادها لسلم القيم والأخلاق في المجتمع يصعب اقتلاعها بين عشية وضحاها من العقول والأذهان، فعملية التحطيم سهلة أما عملية إعادة البناء فهي صعبة وطويلة النفس، فقسم ممن انتخبهم الشعب ووضع فيهم ثقته لبناء تونسالجديدة، تصرفوا تماما وفق المنظومة الفكرية وسلم القيم المقلوب الذي قامت ضده الثورة. وفي انتظار أن تصبح لنا في يوم ما «صحافة استقصاء» حقيقية وصحافة جهوية فاعلة وجدية تنيران الناخب حول ما خفي عنه من ماضي المترشحين لنيل صوته وتسلطان الأضواء الكاشفة على عثراته والبقع الداكنة في مسيرته المهنية والسياسية وحتى الخاصة، فإن «الهفوات» العديدة من قبل نواب الشعب أو من الأحزاب التي وضع فيها الناخب ثقته في انتخابات 23 أكتوبر 2011 من شأنها أن تمثل دروسا ورسائل واضحة للناخبين لكي يحسنوا اختيارهم خلال المواعيد الانتخابية القادمة وألا يغتروا بالوعود البراقة الرنانة وألا ينخدعوا بالشعارات الكاذبة كالصحة والنقل المجانيين وتعميم منحة البطالة إلخ...» لبعض الأحزاب والحركات الشعبوية التي تستبلههم للوصول إلى سدة الحكم وأن يتيقنوا أن من يعد أكثر هو من يكذب عليهم ويخدعهم أكثر.. فعلى حسن الاختيار يتوقف نجاح ثورتنا ونجاحنا في بناء مجتمع الحرية والكرامة المنشود.