مازالت الطريق للمرحلة القادمة بكل استحقاقاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير واضحة لأن الرسائل التي وجهت للرأي العام وكافة الأطراف السياسية والاجتماعية كانت غير كافية لبعث الطمأنة في نفوس الجميع. هذه الرسائل التي جاءت في كلمات الرؤساء الثلاثة التي تقدموا بها أول أمس في المجلس التأسيسي والتي كانت كل الأطراف تعول على عمقها ووضوحها ودقتها في ما يخص كافة الاستحقاقات المرتبطة بالمرحلة القادمة كان لا بد أن تزيل الضبابية التي عمت البلاد في الآونة الأخيرة، وفجرت خوفا كان عميقا خاصة بعد الإرباك جراء الاضطرابات الحاصلة في عديد الجهات وبلوغ العنف السياسي ولأول مرة حد القتل. الكثير من المراقبين للوضع العام في البلاد علقوا على كلمات الرؤساء بالقول إن تلك الكلمات كانت مجرد دعاية سياسية ونوعا من الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، وتذكيرا ببعض الانجازات التي قامت بها الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي في المرحلة الماضية، وهي في هذه الحال تبقى غير كافية بالمرة ولا تجيب عن تساؤلات الجميع وطمأنة الرأي العام وإذابة الجليد الذي تراكم خلال الأشهر الأخيرة في الجهات الداخلية التي مازالت تنتظر بصيص أمل يخرج المواطنين من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تردوا فيه منذ شهور وما زالوا ينتظرون تلك الوعود والحلول ولو الجزئية والأولية. فهل يكفي أن يطلق سراح المقوفين من الشباب بسيدي بوزيد؟ وهل عجزت الحكومة عن التعامل مع ما يجري في منطقة غنوش بولاية قابس؟ وهل من الصعب على الحكومة أن تتعامل مع قطاع الصحة بتلك العقلية التي لا تعير انتباها عما يجري في ولايتي جندوبة وصفاقس؟ هذه الإشكاليات التي تسببت في اضطرابات عمت أنحاء البلاد كأن لا بد من التركيز عليها وحلها بالسرعة المطلوبة وذلك علاوة على توجيه خطاب واضح لمجمل القضايا العالقة بخصوص التمشي المستقبلي لتأمين الرحلة القادمة وخاصة منها ما تعلق بالوفاق بين كافة الأطراف الفاعلة في الشأن السياسي سواء في ما جاء عبر مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل أو الترويكا. إن الحاجة تدعو أكثر من أي وقت مضى إلى جرعات سريعة يمكنها أن تمثل بلسما يقي الجميع من مظاهر التوتر الحاصل في الجهات ويوضح الطريق أمام مسار عام للبلاد لكن هذا لم يحصل بعد ولم تتجرأ الحكومة بعد على فعله ولا حالة التردد القائمة هي التي حالت دون ذلك وجعلت الانتظار يتواصل لدى الجميع.