من طرائف الثّورة التونسيّة حتى لا نستعمل مصطلحات أخرى على غرار من مآسي الثورة ربّما هي أقرب للواقع لكنها موجعة خاصّة لمن وثق في ثورة بلاده وآمن بانتفاضة شعبه من أجل الحرية والكرامة, من طرائف الثورة التونسية أنّ ما يحذّر منه الكلّ تقريبا وينادي بتجنّب الوقوع فيه هو ما نحن واقعون فيه بالتمام والكمال. الكل تقريبا ومنذ انتصار الثورة الشعبية ينادي بتجنيب المجتمع التونسي التقسيمات والتصنيفات حسب الإنتماء الجهوي والديني والإيديولوجي والسياسي وغيرها من التصنيفات التي تؤدي إلى تقسيم البلاد بين شياطين وملائكة لكن هذه التقسيمات ليست فقط جزء من واقعنا بل تكاد تكون خبزنا اليومي. التونسيّون اليوم هم مقسّمون بين ثورييّن حقيقيين وثوريين مزيفين وبين صناع الثورة الحقيقييّن وبين مستفيدين من الثورة وبين مدافعين عن الثورة ومهدّدين لها وبين علمانيين وإسلامييّن وبين مسلمين أكثر أو أقل إسلاما وبين مؤمنين وملحدين وبين وطنيّين وأقل وطنية فهناك من ينفي اليوم صفة الوطنية على التونسي لأنه من منظوره غير وطني وهناك من يكفرّه لأنّه حسب المواصفات التي لديه حول المسلم فهو ليس مسلما وهناك من يراه غير جدير بالثّورة لأنّه لم يشارك فيها وفق ما لديه من معلومات تصنّف الثوري واللاّثوري إلخ من التّصنيفات التي تكشف في باطنها أحكاما مطلقة ورغبة واضحة في الإقصاء فأنت إن لم تكن مثلي فأنت آليا ضدّي وهي ممارسات على ما نعتقد كان معمولا بها قبل قيام ثورة 14 جانفي.
اليوم وإن اختلفت الظروف فإن الواقع يكاد يكون ذاته. ولا ندري إن كان التّونسيون واعين جيدا بالمنحى الغالب على خطابهم اليومي وفي حواراتهم مع الناس. الجميع تقريبا يتبعون الاستراتيجية التي تقول بأن افضل الطرق للدفاع عن النفس هي المبادرة بالهجوم. كل طرف يشيطن الآخر أمّا هو فالبراءة بعينها وهو ملاك هبط من مملكة السماء إلى أرض البشر. الكلّ يريد أن يلقي بالمسؤولية على الآخر. وتلك على الأرجح من شيم من يريد أن يحوّل عن نفسه الأنظار ومن يريد أن يؤجل مواجهة الحقيقة لأنه يخشى يومها من أن يضطر لتقديم تفسيراته وتبريراته وإجاباته عن أمور كثيرة. لذلك نحن لدينا اليوم ملايين من المتقمّصين لدور القضاة ولدور وكيل الجمهورية. أما النقد الذاتي والوقوف آمام المرآة كعمل أساسي وضروري لكل عملية إعادة البناء فتلك قضية أخرى. في انتظار ذلك فإن التونسيين اليوم مقسّمون بين متّهم ومن بين يوجه الإتهام. لكن السؤال من مصلحة من الدفع نحو مثل هذه الإستقطابات بين الضحية والجلاد وبين الطيّب والشرير والإمعان في ذلك. عوّدتنا سينما الحركة وخاصة على طريقة عاصمة السينما بهوليود أنه كلما اشتد الصراع بين قوى الخير والشر كلما تم التعجيل بانتصار الأخيار دائما وبصورة أوتوماتيكية لكن المشكل أنّنا إذا أردنا الإهتداء بهذه الأفلام في غياب إرادة سياسية تحسم في الملفات العاجلة نصطدم بالواقع. ففي الأفلام الأمريكية يمكن التمييز بسهولة بين قوى الخير وقوى الشر وتكون المواجهة مباشرة لكن الأمور ليست بهذه البساطة في الواقع التونسي الذي تختلط فيه الأمور بشكل مذهل فالكل يتقمص دور الملاك ويخلع على الآخر ثوب الشيطان والحال أن مملكة البشر من الصعب أن تضم الملائكة فما بالك إن كانت هذه المملكة ترزح لعقود تحت الديكتاتورية. وفي انتظار تقشع الضباب لأنه لابد أن يتقشّع الضباب في يوم ما فليس من المعقول أن يتواصل التحصن بالظروف المناخية للهروب من المحاسبة يظل الكل يندّد بالفساد والكل يتهم الآخر بأنه من القوى المضادة للثورة والكل ينادي بالمحاسبة بلا تأخير فلا تعرف من هي الضحية ومن هو الجلاد ذلك أنّ الكلّ يتقمّص دور الضحية ودور المنادي بالحقيقة والمحاسبة. "ليت شعري ما الصحيح"؟ مع احترام حقوق التّأليف للكاتب العبقري أبو العلاء المعرّي. حياة السايب