بقلم : رائف بن حميدة - تطرق الكاتب في نهاية مقاله الى اعتراف اسرائيل بضلوعها في عملية اغتيال خليل الوزير وانتهاك سيادة تونس وفي الجزء الثاني يقول: " إنها طبيعة الإمبريالية الانتهازية.. والشيء من مأتاه لا يُستغرب، فهل ننسى انتهازية الناتو في ليبيا، الذي ما ان استصدرالقرارالدولي" لحماية المدنيين"حتى شرع في تدمير ممنهج تواصل 7 اشهر!..فبينما كان عدد القتلى بضعة مئات، قبل تدخله، وصل بعده الى عشرات من الآلاف ، ناهيك عن الجرحى وعن ربع سكان ليبيا الذي مازال الى الآن هاربا خارجها ..أما التدميرالإقتصادي فقد قُدّره مديرالاستخبارات الفرنسية الأسبق- إيف بوني- لجريدة- الخبر- الجزائرية ب150مليارأورو.. وهو ثمن باهض جدا لا يتناسب مع مزاجية وشطحات القذافي التي ندينها..فللتوضيح : 150مليار أورو تفوق مداخيل تونس من السياحة طيلة قرن كامل !!!... وهذا زهيد مقارنة بما حدث للعراق! ..إنها مبالغ أسطورية يمكن أن تجعل من العرب دولا مصنّعة متقدمة لو أُحسن توظيفها: فمتى يبلغ البنيانُ يوما تمامَه**إنْ كنتَ تبنيه وغيرُك يهدمُ... كل هذا يحدث في بلداننا الضعيفة التي كانت منذ عهود قريبة تستلم المساعدات الانسانية وحتى الغذائية ، فهل ننسى أكياس الدقيق "ليس للبيع ولا للمبادلة" التي كنا جميعا نستلمها بمن فينا دول النفط قبل طفرته.. منذ مدة قريبة كادت الحكومة المصرية تبيع ماء وجهها من أجل قرض ب5مليارات"فقط"..أما نظيرتها التونسية فقد ضفرت منذ أسابيع بقرض قدره0.035 وهوما يدل على ضعف الحال والتردي..فأين هذه الفتن المخرّبة البعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي الذي ينهى عن التبذيرفي أي شيء، حتى في ماء الوضوء..ناهيك عن الدماء.. انّ ما يحدث في سوريا عمل انتحاري واحقاد طائفية وضغائن، كان من الممكن جدا إخمادها بالحوار والتوافق لو وجد حكماء وفضلاء..((إنّما المؤمنون إخوةٌ فأصلِحوا بين أخويْكم))..ولكن لم تجد سوى عملاء رجعيين حاقدين واستعماريين لا علاقة لهم بالحرية والديمقراطية.. أليست من مفارقات آخرزمن أنْ يقوم برعاية " ثورة ديمقراطية" من يختبئ عندهم بن علي وأصهاره، الذين كانوا سببا في أول ثورة!!! ..أليست استبلاها للعقل العربي أن يتبنى "ثورة ديمقراطية" رجعيون قروسطيون أتوقراطيون يصرّح علماؤهم وأتباعهم بأن الديمقراطية "حرام" والنظام الجمهوري"حرام"!..(منذ أيام وصف المفتي السعودي الشيخ عبد العزيز الذين ينقدون"جهرا" ولي الأمر بدعاة الضلال واعتبر نقدهم:..لا يصدرإلا من مريض فاسد الأخلاق والعقيدة..)! ونحن لا ننكر تأييده في ضرورة احترام الحاكم، باعتبار المنطق الحضاري وباعتبار سلوكنا الإسلامي، ولكن الأعجب الذي يحيّرنا هو كيف يسكت هذا العالم عمّا يجري في سوريا..!!! وإننا لا نقول هذا انحيازللنظام السوري الذي، من دون شك، كانت به العديد من النواقص والمساوىء، ولسنا ضد تطلعات شعب في تحسين وضعه..وإنما اعتبارا لخصوصية الوضع السوري المميّز.. فجميع دساتير بلدان العالم تخوّل حكم البلاد بشكل ديكتاتوري إذا تَهددها عدوان خارجي أو حتى داخلي(فما مبرر تمديد حالة الطوارئ بتونس ..الثورة!؟)،وهو وضع قارٌّ ومُزمِنٌ ببلدان الممانعة وخاصة المجاورة لإسرائيل، وعلى رأسها سوريا، آخرمعاقل المقاومة هي وإيران... وهنا قد يقول قائل: لمذا إذن اسرائيل لم تَحِدْ عن "الديمقراطية" رغم الجوارالمعادي لها!؟ والجواب: اسرائيل مدعومة بجميع الوسائل التي لا حدود لها ، بما فيها القتال معها إن دعت الضرورة !..ألم تؤكد الدوائر الإمبريالية أنّ أمن إسرائيل مقدّسً؟ هل فهِم البلهاء والعملاء كلمة مقدّس!!؟..وضد من يعنون بها!؟ و بداهة، لو كان ما يحدث في سوريا ثورة شعبية، فمن المستحيل أن يجد الجيشُ القدرة على مواصلة قتل أهله حتى لمدة شهرواحد! فالنظام السوري يحظى بولاءٍ لا يقل عن ثلثي الشعب...فهل صارلكل أقلية وعصبية الحق في إعلان "ثورة شعبية"، وعندها يدعمه الناتو القريب المجيب!؟( طبعا بشرط أن تكون الدولة من"المارقين" !) !؟..وهذا ما يريده الاستعماريون الذين أفزعهم ماحدث في تونس ومصر من سقوط بيادقهم المدللة، فقرروا التدخل لاحتواء الأحداث! إنّ الثورة الشعبية الحقيقية هي ما حدث في تونس ، حيث سقط العميل بن علي في 4 اسابيع، فقط بالتحرك السلمي دون محاصرة اقتصادية او دبلماسيا او إعلامية..بل حاولوا أمهاله وحتى دعمه أصلا!!.. فكانت جميع تحركاتنا سلمية حضارية راقية في أغلبها وفي مصر تكرر نفس الشيء ، بنفس التحركات السلمية سقط العميل مبارك في 18يوما فقط... ورغم ذلك مازالت أوضاع كلا البلدين متعثرة جدا.. حتى سمعنا مرارا وتكرارا أصواتا تأسف على عهد الفساد المباد..لأنّ المستقبل على الأقل كان غير ضبابي والغيوم غير متلبدة..والفتن نائمة .. فبعكس ما يروج بين "الانتلجنسيا" نحن في الحقيقة في الدرك الأسفل من الوهن والضعف والانحطاط المادي والفكري والسياسي والأخلاقي...أمّا الحركات "الدينية" فلا تقوم إلا بعكس ما قام به الإسلام تماما...وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا...إنّ كلا الطرفين سكارى وما هم بسكارى.. فإذا كان هذا حال تونس، وهي الخالية من الطائفية، فكيف سيكون حال سوريا، ذات التركيبة الفسيفسائية، لو سقط نظامها !!!؟.... الجواب: ستتشضى سوريا الى دويلات ..وحينها تتنفس إسرائيل "المجهرية" من طوق العملاق السوري المجاور الذي ضاقت به ذرعا طيلة عقود، والنتيجة هي فقدان المقاومة الفلسطينية السند الأخير، وهو هدفهم ومربط فرسهم !!..فإسقاط سوريا هو كإسقاط الكرسي تحت أقدام من يُراد شنقه، هي المقاومة الفلسطينية!.. وحينها سيستنبط العملاء فكرة "ذكية" لدفن القضية : توطين الفلسطينيين في مصروالأردن !..وينتهي النزاع وكفى الله العملاء شرالإزعاج والإحراج... فمن دون شك النزاع الفلسطيني أقض مضاجع وأحرج العملاء مع أسيادهم وأولياء أمرهم... وحين تكون اسرائيل على كامل فلسطين ويكون القدس تحت سيادتها ستتكرّمُ على العرب والمسلمين بالسماح لهم بإقامة بناية.. ضخمة.. لجامعتهم "العربية والإسلامية" فوق تراب القدس العربي الإسلامي..تأكيدا ل....عروبته وإسلامه.. وإننا لا نقول هذا من باب الخيال السياسي، وإنما استقراءً لتاريخ الخيانات والدسائس والمؤامرات على الأمة العربية ، والتي كثيرا ما كان حصان طروادتها الرجعيون العملاء(أنظر مقالنا :سوريا بين أقلام الإصلاح الوطني وبنادق الفوضى الخلاقة).. أفلا يكفي ما حدث ومازال يحدث الى الآن بالعراق المجاورمن تفجيرات وأعمال إرهابية متسلسلة لا تنتهي.. ناهيك عن الدستور الطائفي الثلاثي الذي فرضه -بريمر- فرضا..وكذلك ثلاثي الفدرالية في ليبيا!؟؟ ألا يستحي القرضاوي حين يصرح في خطبة الجمعة : (..الصين وروسياوإيران من أعداء المسلمين..ويجب مقاطعتهم.. ويجب على الحجيج الدعاء عليهم في مكة..) والحال أنّ الصين وروسياوإيران هم أكبرمن يقف الآن ضد الإجرام الصهيوني الجاري ضد غزة..بينما تُكرر القوى الإمبريالية ومنها فرنسا وأمريكا نشيدهم المعهود: "من حق إسرائل الدفاع عن نفسها".. ومن ناحية ثانية روسيا والصين وإيران هم أكبر من يدعم رفع تمثيل فلسطين من كيان الى مرتبة دولة في الاممالمتحدة..بينما فرنسا تحذروامريكا ترفض! وهو نفس موقف فرنسا منذ سنة من مجرد عضوية فلسطين في اليونسكو، امّا أمريكا فقد هددت بتوقيف دعمها لمنظمة اليونسكو!.. وليس هذا فحسب ، فهم قد اعتبروا مجرد التقارب بين حماس وفتح تهديدا للسلام!!!..فهل القرضاوي غافل عن كل هذا !!؟ وإذا كان القرضاوي حقا رؤوفا رحيما بالمسلمين، فأين هو من المحرقة الجماعية لمسلمي بورما التي تذكرنا بسورة((البروج)) من القرآن!!؟ إنّها خيانات مناقضة تماما لشرف الوطنية والقومية وشرف الدين الإسلامي الذي من آياته الكريمة ((وتَعاونُوا على البِرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدوانِ((. ختاما، إن الواجب يقتضي عدم الانسياق للعملاء، بل فضحهم ومحاربتهم ، فقد فاقت شرورهم شرور ألد الأعداء، وهي حقيقة ساطعة تؤكدهاجميع الوقائع ، ويكفيهم خيانة أنهم لم يتخذوا عبرالتاريخ إلا المواقف المناوئة والمعادية للوطنيين الأحرار، تقدميين كانوا أوحتى أصوليين مثل"هم"..فهُم الآن تفزعهم قوة ورباط خيل إيران الإسلامية ، وتطمئنهم ترسانة إسرائيل الصهيونية!!!.. وهم لم يمدّوا الفلسطينيين حتى بحجارة، حتى خلال الرصاص المسكوب الذي مازال يسكب والذي سبق وإن أدانه تقريرغولدسون.. (المتغاضَى عنه! ..)بينما يهرّبون الآن مختلف الأسلحة الى سوريا لإنهاكها وتدميرجيشها وشعبها الذي كان دائما سباقا الى جبهات الحروب العربية، والرافض لمستنقع التطبيع...التطبيع الذي هم يتمرغون فيه... ولقد وصل بهم التآمرحد دعوة مجلس الأمن لإصدارقرارفوري لوقف إطلاق النار( النارالتي هم يغذّونها بمختلف الأسلحة !!!) تحت البند السابع تمهيدا لاستقدام الناتو لغزوها !.."..لماذا لا يتزاحم هؤلاء، مثلما رأيناهم في الأسابيع الأخيرة، على تقديم صواريخ ستينغرالمضاد للطائرات الى فصائل المقاومة في القطاع.."هذا ما قاله عبد الباري عطوان(القدس العربي.20نوفمبر)..وكيف سيتزاحم على نصرة المظلوم من أقر لنفسه صفة"النعاج"ونزّه الإسرائيليين من صفة"الذئاب" الذين يستحقون في تقديره ربّما صفة الأسود ! إنّ العرب لم يجنوا من"الربيع" الموهوم سوى التدخل الأجنبي التآمري والتدمير الإقتصادي والبؤس والاقتتال والطائفية والعصبية والتشنجات الحزبية والمناكفة والعناد ، ناهيك عن الفوضى والاستهتار بكل شيء حتى بالفضيلة الإسلامية وثوابتها..وإننا نكرر خطورة التكالب المحموم على "الديمقراطية" دون تبصّر، خاصة في غياب التوافق والانسجام بين النخب والقيادات الحزبية، وأيضا التهميش والفوضى في القاعدة الاجتماعية حتى صارت أخبار الكرة تحضى بالمتابعة على حساب السياسة والثقافة والفكر، فقلما تحظى مقالات النخب بالاهتمام والإطلاع( وهنا نجدد دعمنا المطلق لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل)..إنه يستحيل قيادة بلاد بشكل ديمقراطي كلا بنيتيها التحتية والفوقية مهترئة.. وضع خطير مأساوي يهدد المدنية في أساسها ويتطلب وقفة تأمل ومراجعة حازمة لكل شيء((إنّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفُسِهِم((.