تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    المانيا.. إصابة 8 أشخاص في عملية دهس    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرحى الثورة وعائلات الشهداء :نطالب برد الاعتبار ومحاسبة كل من أطلق الرصاص
ملفات - "الصباح" - غدا الذكرى الثانية لاندلاع شرارة الثورة
نشر في الصباح يوم 16 - 12 - 2012

رغم مرور أمد طويل عن انطلاق شرارة ثورة الحرية والكرامة في تونس، فإن جراح عائلات الشهداء، لم تندمل بعد، وأنين جرحاها لم يخفت أبدا، ومازالت في حناجرهم صرخات الألم، وفي عيونهم دموع الحزن..
رابط بعضهم طويلا أمام وزارة حقوق الإنسان رغبة في الإنصاف لكنهم أهينوا وضربوا وأطردوا.. وخيم آخرون أسابيع طويلة أمام بوابة المجلس الوطني التأسيسي، استجاروا بنواب الشعب ونادوهم من وراء الأسوار العالية طالبين الرحمة، لكن السواد الأعظم من النواب لم يكلفوا أنفسهم حتى الخروج من الباب لملاقاتهم.. بل غيروا باب الدخول تجنبا للاحتكاك..
أخاطوا أفواههم، فهبت وسائل الإعلام لتصويرهم، وتعاطف معهم المجتمع المدني من كل حدب وصوب.. ثم خفتت الأضواء المسلطة عليهم رويدا رويدا فاضطروا للمغادرة بخفي حنين.. هكذا كان جزاء العديد من جرحى الثورة وأهالي شهدائها، وفي حديث مع بعضهم قالوا إنهم لن يتنازلوا عن مطلب محاسبة من أطلق عليهم الرصاص، وأكدوا أن مرادهم الوحيد الآن هو رد الاعتبار لهم.
وفي هذا السياق يؤكد شادي العبيدي جريح الثورة وخرّيج الجامعة التونسية في اختصاص علوم الاعلامية أنه بعد أن خبر الجحود الذي يعامل به جرحى الثورة وأهالي شهدائها طيلة السنتين الماضيتين من قبل حكومة حمادي الجبالي وحكومة الباجي قائد السبسي، فإنه بات يشعر باليأس.. ويحز في نفسه أن لا يجد المال الكافي لكي يقتني الدواء، خاصة وأنه مكلف للغاية وغير متوفر بصيدليات المستشفيات العمومية المسوح له بالتعامل معها.
صعوبات العلاج
قال شادي إنه تنقل من سيدي بوزيد رفقة عدد من الجرحى إلى العاصمة وزاروا وزارة الصحة العمومية عديد المرات وكان أملهم في مقابلة الوزير لاطلاعه عما يعانون منه لكن في كل مرة يخبرونهم بتعذر مقابلته. وأضاف أن المنحة التي صرفت لهم سابقا لم تكفي حتى للعلاج كما أن الأولوية التي منحها لهم المجلس التأسيسي في التشغيل في الوظيفة العمومية لم تؤتي أكلها، وأكد أنه لا يطلب شيئا غير رد الاعتبار.
وفي نفس السياق بين الشاب حلمي العربي أن كل ما يقال في المنابر السياسية عن مكافأة جرحى الثورة وأهالي شهدائها غير صحيح، فهم يعانون جدا من الفقر نظرا لأن من خرجوا في المظاهرات للثورة ضد نظام الاستبداد هم من المعطلين عن العمل والمعوزين وليس من الأثرياء المرفهين، وبين أنه لا يجد ما يسد الرمق وأنه سئم من استعطاف عائلته ويشعر بكثير من الحرج ويتمنى أن يعثر على مورد رزق قار ينتشله مما هو عليه.
وأضاف حلمي أنه يحس بالألم حينما يلاحظ وجود تمييز جهوي بين جرحى الثورة وأهالي الشهداء ويرغب في أن يعامل الجميع على قدم المساواة.
أما شادية والدة الشهيدة منال بوعلاق فتؤكد أن مال الدنيا كله لا يعوض ابنتها.. وأن مطلبها الوحيد هو محاكمة قاتل ابنتها وقتلة جميع الشهداء وهو نفس المطلب الذي استماتت الأستاذة لمياء فرحاني رئيسة جمعية عائلات شهداء وجرحى الثورة في الدفاع عنه وهي شقيقة لأحد الشهداء، وكشفت لمياء أن قائمة الجرحى والشهداء لم تجهز بعد رغم مرور سنتين عن اندلاع الثورة وأنه لم يقع اعلامهم بأي شيء عن هذه القائمة.
اهتمام
وللتذكير فإن المكلف بمأمورية بديوان وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية شكيب درويش أفاد منذ أيام خلال اللقاء الاعلامي الدوري أن اللجنة التي تم احداثها مؤخرا والتي تتركب تشكيلتها من كافة الوزارات المعنية بملف مصابي الثورة وعائلات الشهداء أوكلت اليها مهمة مزيد التقصي في الملفات المعروضة عليها والعمل على تسريع تطبيق الاجراءات المتخذة لتمكين الجرحى والشهداء من التعويض، كما نفى انهاء مدة صلاحية بطاقات التنقل المجاني المسندة لجرحى الثورة وعائلات الشهداء وأكد سعي الحكومة الجاد في توفير مواطن شغل لجرحى الثورة أو لفرد من أفراد عائلات الشهداء وتكونت لجنة تعمل على فحص الملفات الواردة عليها.
سعيدة بوهلال

قضية شهداء وجرحى الرقاب وبوزيان :مدير الأمن العمومي يكشف عن عنوان جديد للمتهم الفار
شعارات تمس بالمؤسسة العسكرية.. قلق واحتقان لدى عائلات الشهداء والمتهمين
"لا نملك يدا سحرية" هذا ما صرّحت به النيابة العسكرية بصفاقس خلال جلسة قضية شهداء وجرحى الرقاب التي تأجّلت إلى جلسة يوم 20 ديسمبر الجاري، استجابة إلى لسان الدفاع والمكلّف العام بنزاعات الدولة وللإطلاع على التقرير الطبي ولإصدار بطاقة جلب في حق المتهم الفار على ضوء العنوان المضمّن في مكتوب المدير العام للأمن العمومي ومكاتبة والي سيدي بوزيد بخصوص مد المحكمة بالمبالغ والتسبيقات المالية التي تسلّمتها عائلات شهداء وجرحى الرقاب بموجب مرسوم التعويضات المالية لسنة2011.
وقال ممثّل النيابة العسكرية العقيد أحمد جبال أنّهم " لا يملكون عصا سحرية وإنّما لديهم آليات قانونية متمثّلة في إرسال بطاقات الجلب للجهات المعنية في ظل تحصّن المتهم في هذه القضية بحالة الفرار".
مضيفا بأنّ مكتوب مدير الأمن العمومي أعطى عنوانا جديدا للمتهم الفار وأنه بإمكان المحكمة أن ترسل بطاقة جلب في حقه إلى العنوان الجديد الذي ورد في المكتوب.
من جهة أخرى بين المتهم مراد الجويني لهيئة المحكمة بأنّه لا يرجع بالنظر إلى المدير العام للأمن العمومي.
يذكر أن مدينة الرقاب كانت قد شهدت مسيرات منادية بإسقاط حكم الرئيس المخلوع والتي سقط خلالها خمسة من الشباب هم: محمد الجابلي ومنال بوعلاقي ومعاذ الخليفي وعبد الرؤوف بوكدوس ونزار السليمي إضافة إلى سبعة من الجرحى. وهم: بسام وسيف الله السليمي وشادي الزاهي ونبيل القادري وزياد فاراوي وعمر السايحي ونسيم العيساوي.
مطالبة بكشف الحقيقة..
بعد تأجيل النظر في قضية شهداء الثورة بمنزل بوزيان من ولاية سيدي بوزيد إلى جلسة11 فيفري 2013 باعتبار أن لها علاقة بقضية منشورة لدى قلم التحقيق بنفس المحكمة، وقرار رفض مطالب الإفراج عن الموقوفين، يتواصل الإحتقان ليس فقط لدى أهالي الشهداء الذين يطالبون بالإسراع في المحاكمة بل كذلك لدى عائلات المتهمين الذين باتوا يشتكون من طول أجل فترة الإيقاف.
وانعكس توتّر وقلق عائلات الشهداء والمتهمين الحاضرين بداخل قاعة الجلسة بالمحكمة العسكرية الإبتدائية بصفاقس خلال جلستها الأخيرة وبالتحديد في هذه القضية التي اتسمت بتبادل الشعارات من كلا الطرفين، ليتجاوز ذلك إلى رفع شعارات رأت فيها هيئة المحكمة مسّا من هيبة المؤسسة العسكرية على غرار ما حدث في جلسة 10ديسمبر بتطوّر الخلاف بين عائلات الشهداء والمتهمين استوجب تدخّل وحدات من الجيش الوطني ليتم ايقاف اثنين من عائلات الشهداء نتيجة مساسهم بالمؤسسة العسكرية حسب ما تمّ توثيقه بالفيديو العسكري المصوّر وفق تصريحات مصدر عسكري.
ورغم ما تؤكّد عليه النيابة العسكرية في كل مرة من سعي القضاء العسكري إلى "عدم ادخار أي جهد في سبيل الإسراع في البت في ملف قضايا الشهداء كأمانة موكولة على عاتقهم أمام الله قبل كل شيء" فإنّ مسار الأبحاث في القضية بات في كل مرة يكشف عن حقائق من شأنها أن تنير سبيل العدالة للحسم في قضية أوّل شهيدين سقطا في الثورة وهما محمد العماري وشوقي النصري في أول مظاهرة خرجت في منزل بوزيان مساء 24 ديسمبر2012.
صابرعمري

مؤرخان ل"الصباح":
الملفات الحارقة والرزنامة الإنتخابية.. أهم من الجدل حول التأريخ للثورة
غدا 17 ديسمبر تمرّ سنتان على اندلاع شعلة الثورة التونسية اثر حرق محمد البوعزيزي نفسه أمام مقر الولاية، والتي انتهت بفرار الرئيس السابق يوم 14 جانفي 2011، تحت ضغط شعبي. وهنا مربط الفرس حيث أثير الكثير من الجدل ما يزال مستمرا: أي التاريخين يمكن اعتماده كتاريخ رسمي لانطلاق ثورة الحرية والكرامة يوم17 أم يوم 14.؟ هناك مؤيد للتاريخ الأول، ومؤيد للتاريخ الثاني، ولكل قرائنه، يبقى مدى أهمية النظر في هذا الجدل والفصل فيه محور نقاش في حد ذاته. فكيف يتم التأريخ لمراحل مفصلية في تاريخ الدول وعلى أي أسس؟ وهل مثل هذه المسائل ينظر فيها في مرحلة بناء وتأسيس؟ أم تؤجل إلى أن تتوضح الرؤية في جميع المجالات وتكشف الحقيقة في إطار تفعيل مسار العدالة الانتقالية ومنها حفظ الذاكرة؟
منعرج حاسم
في هذا السياق أكد المؤرخ خالد عبيد أن المسألة في نظره"أعقد من أن نؤرّخ بداية من يوم17 ديسمبر2010 تاريخ إقدام البوعزيزي على إحراق نفسه أو بداية من يوم14 جانفي2011 تاريخ سقوط النظام، فهذا التأريخ أصبح محلّ تجاذب من كلّ طرف يعتبر نفسه هو المؤهّل للتكلّم بما سمّي "ثورة"، بينما الحدثان يمثلان منعرجا حاسما لا يمكن أن نتغافل عنهما أو نغمط حق أحدهما" مضيفا "في نظري لا يمكن الحسم بصفة باتة في هذه المسألة بالنظر إلى أنّ الوضع لم يتوضّح بعد". متسائلا :"ما الفائدة من الاحتفال بهكذا تاريخ سيّان إن كان17 ديسمبر أو14 جانفي والتجادل حولهما، بينما البلاد قد تسير نحو استبداد أشدّ وأقوى ممّا كان؟ وفي هذه الحالة، يصبح الاحتفال بهذين اليومين أمرا غير مجد بالمرّة لأنّه سيذكّر التونسيين بيوم ملّوا الاحتفال به طيلة العهد السابق فهل من متّعظ؟ خاصّة وأنّ الدعوات بدأت تتعالى لاعتبار يوم23أكتوبر يوم الفرحة والعيد فهل أنّ قدرنا هو استنساخ ذات التجربة ومراكمتها حتى تكون أشدّ مضاء من سابقتها؟ فالعبرة ليست في الاحتفال بهذا اليوم أو ذاك قدر الاتعاظ من الماضي حتى لا يكرّر الخطأ".
ملفات حارقة
بدوره قال عادل بن يوسف مؤرخ وأستاذ تاريخ معاصر أنه "تاريخيا يتم التأريخ عند سقوط النظام القائم وتسلم الثوار مقاليد السلطة، فالبنسبة لتونس يعد تاريخ17 ديسمبر منطلق الشرارة الأولى، فالعبرة بالنتيجة دائما عديد الثورات تم إخمادها وتطويقها جغرافيا".
وقال:"في إطار تحقيق العدالة الإنتقالية وتجسيدها على أرض الواقع يصبح الجدل حول التأريخ لهذه الثورة أمرا أقل أهمية مقارنة بالملفات الحارقة التي تقف عقبة أمام التقدم نحو المستقبل من ذلك الرزنامة الإنتخابية، فتح ملفات الفساد ومحاسبة المجرمين، تسوية ملف الشهداء والقناصة إلى جانب اتمام كتابة الدستور والتصويت عليه وغيرها من الملفات العاجلة التي من شأنها أن تحد من حالة الإحتقان بمختلف الجهات واستجابة لتطلعات الشعب بتمرير رسائل طمأنة للشارع التونسي والمصالحة معه.." واضاف:" فما هو واضح هو ذالك الحاجز بين المواطن والحكومة في تمرير المعلومة فهناك حلقة ناقصة في عملية التواصل، وبالتالي فإن الدرس المستخلص إعطاء الأولية للملفات العاجلة التي ستحدد مصير البلاد على مدى عقود قادمة".
إيمان عبد اللطيف

تونس.. الديمقراطية في التكوين
مر عامان بالضبط منذ أن ضحّى محمد البوعزيزي بنفسه في صرخة يائسة تردّد صداها إلى مدى أبعد بكثير من مسقط رأسه، معلنة شرارة مسيرة لا رجعة فيها، مسيرة عفوية وشعبية نحو الديمقراطية والكرامة الإنسانية. لقد ساهمت الإطاحة بالنظام الديكتاتوري للرئيس بن علي في تغيير مجرى التاريخ في المغرب والمشرق.
ومنذ ذلك الحين، تسير تونس في هذا الطريق الطويل والوعر بهدف ترسيخ دولة القانون، والديمقراطية وتحقيق الازدهار. لقد بدا الاقتصاد التونسي صلبا على الرغم من الأزمة العالمية التي هزت أوروبا والدول المجاورة لها بعنف. كما أصبحت وسائل الإعلام والصحافة التونسية ترصد كل يوم صدى المجتمع المدني التونسي المشحون والمتيقظ، الغني بالآراء التعدّدية. لقد سقط جدار الخوف. فبملاحقة الدكتاتور بصورة سلمية، استعاد التونسيون السيطرة على مصيرهم السياسي ومستقبلهم الديمقراطي. لقد باتوا يعرفون الآن أنهم يستطيعون مساندة الحكومة أو معاقبتها.
بيد أن التوترات الاجتماعية الأخيرة تذكرنا بأن عملية الانتقال الديمقراطي لا تزال هشة وتحاصرها الكثير من الشكوك. لذا، يعتبر الاستقرار السّياسي والنمو الاقتصادي والازدهار المشترك أفضل الضمانات لترسيخ الديمقراطية بشكل دائم في حياة المواطنين. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم يعرف الألمان، شركائي في الوطن، نظاما ديمقراطيا حقيقيا. ذلك أنهم لم ينخرطوا في الديمقراطية إلا بعد أن تحسّنت الظروف المعيشية، وتوفرت فرص العمل للشباب وتحقق الازدهار المشترك والتكافل، وأخيرا تمت استعادة دولة القانون بشكل مضمون ومطمئن.
نعلم تماما أن تونس وجيرانها الأوروبيين ليسوا أسياداً للدورات الاقتصادية العالمية، ولكننا نعتمد على بعضنا البعض بشكل وثيق ودورات النمو الخاصة باقتصادنا تغذي بعضها البعض. ولكن، بعيدا عن التبادل التجاري والاقتصادي، يجب علينا أن لا نغفل أن مواطنينا، من جهة وغيرهم من مواطني حوض البحر الأبيض المتوسّط من جهة أخرى ، سوف يشكلون دائما جزءا من نفس المصير المشترك. فالماضي يذكرنا به والحاضر يفرضه علينا والمستقبل يطالبنا به. وتقع هذه المسؤولية السياسية على عاتق المنتخبين والممثلين الشرعيين للشعوب، وذلك حتى تتذكر كل حكوماتنا هذه الحقيقة التاريخية، سواء في شمال أو جنوب البحر الأبيض المتوسط.
وهكذا، ومن خلال مشاعر الاحترام العميقة التي أكنها لهذا الشعب التونسي سأسمح لنفسي بأن أشارككم ثلاثة أفكار حول المستقبل السياسي للبلاد، والتي توصّلت إليها من واقع خبرتي كسياسي أوروبي وكذلك لارتباطي بالبحر الأبيض المتوسط
أولاً، من بين أشكال التقدم التي أحرزتها تونس لضمان استقرارها ورفاهيتها المستقبلية، كان الدور المركزي الذي تم إسناده إلى الجمعية التأسيسية هو أكثرها نفعا إلى حد بعيد. وقد يبدو ذلك واضحاً بالنسبة لي كرئيس للبرلمان الأوروبي، حيث أهتمّ بالمجالس النيابية بشكل كبير جداً، فهذه الهيئات التشريعية هي فقط التي تستطيع التعبير بشكل كلي عن التنوّع والتعدّد في الرؤى السياسية التي تنعش المجتمع. وعلى الرغم من أنه قد يكون من المغري الاعتماد على رجال مدعومين بالعناية الإلهية من أجل حل مشاكلنا، إلا أن تاريخ كل بلد ، بما في ذلك تونس، يُخبرنا بعكس ذلك تماما. إذ يظل البرلمان القوي أفضل وسيلة لمواجهة عودة الحكام المستبدين. ومهما كان شكل النظام الذي اختاره التونسيون، ينبغي على البرلمان أن يستمرّ في لعب دور مركزي وفيدرالي في الحياة السياسية التونسية.
ثانياً، يعدّ النقاش المحتدم حول فصل السياسة عن الدين نقاشاً عسيرا بالنسبة للكثير من الشعوب وليس فقط في العالم العربي. وتؤثر نتائج هذا النقاش الذي لا ينتهي أبداً، بكل تأكيد، على العادات والأعراف العامة التي يعمل المجتمع من خلالها. ولا يحق لي ولا لأي من الأوروبيين التدخل في هذا النقاش الدائر في تونس. ويكمن اقتراحي فقط في أن يكون هذا النقاش شاملاً قدر الإمكان ويأخذ بعين الاعتبار حداثة المجتمع التونسي وانفتاحه على العالم منذ عصور.
ثالثاً، يجب على التونسيين أن يكونوا بمثابة المحرّك لعملية الاندماج المغاربي. حيث يدهش ضعف التبادل التجاري بين البلدان المغاربية الأوروبي المقتنع بفوائد الأقلمة مثلي!
تكتسي التوقعات الاجتماعية والاقتصادية في البلدان المغاربية بصبغة هامة، كما تتوفر بها إمكانات كبيرة للتنمية على نفس القدر من الأهمية. فعلى الصعيد الإقليمي، نجد أن غياب التكامل يكلف ما يعادل 2٪ من النمو على الأقل خلال العام الواحد، وفقا للبنك الدولي. ليس هناك شك في أن المغرب العربي المتكامل سيصبح سوقا كبيرا أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والإقليميين، غير أن أشكال وأساليب عملية التكامل هذه لا يمكن استيرادها من الخارج، لكن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتقاسم خبرته معها.
ومن المتوقع أن يكون عام 2013 عاما أساسيا في ازدهار البلاد. فكلما اقتربت الانتخابات، سيكون إغراء الابتعاد عن التوافق الوطني قويًا. وقد يتحدى منطق المواجهة روح التعاون. ومع ذلك، يجب أن يظل المجتمع التونسي والمسؤولين السياسيين أوفياء لأهداف الثورة، ولا يجب أن تطغى اختلافاتهم على الهدف المراد تحقيقه: وهو توفير مستقبل أفضل وأكثر رخاء لجميع التونسيين. وبفضل الوحدة في الحوار، ستظل تونس مضطلعة دائما بدور طلائعي في العالم العربي فيما سيواصل الاتحاد الأوروبي دعمه الدائم لشراكته معها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.