يبدو أن «رهان» الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة أو المتدخلة في الأزمة السورية أصبح مقتصرا فقط على فرض واحد من خيارين لا ثالث لهما... إما الإطاحة بنظام بشار الأسد من خلال الحسم العسكري وجعل «الجيش الحر «يقتحم العاصمة دمشق وقد بات بالفعل على مشارفها... وأما إيجاد صيغة «سياسية» تؤدي إلى تغيير النظام دون المقامرة بوحدة الشعب السوري وبالاستقرار في المنطقة... ذلك أن سقوط الرئيس بشار الأسد ونظامه أضحى على ما يبدو بمثابة الضرورة حتى بالنسبة لحلفائه الإقليميين والدوليين. فها هو الرئيس فلاديمير بوتين مثلا يعلن أمس في مؤتمر صحفي»أن موسكو ليست قلقة على نظام الرئيس السوري بقدر قلقها على مستقبل سوريا».. وذلك قبل ان يضيف «نحن ندعو إلى البحث عن خيار لتسوية الأزمة ولمنع استمرار الحرب الأهلية وانهيار الدولة». اما عن التصريحات «المهللة» للحسم العسكري والمبشرة ضمنيا بدنوّ «ساعة» النظام السوري فهي بدورها عديدة وقد تناقلتها وسائل الإعلام الدولية عن أكثر من مسؤول غربي.. وزير الخارجي الفرنسي مثلا صرّح منذ أيام بان سقوط نظام بشار الأسد أصبح «مسألة وقت»... وها هو وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو يؤكد ذلك ويعلن أمس الأول من هلسنكي من خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفنلندي بان نهاية نظام الأسد باتت وشيكة وأنها «مسألة وقت ليس إلا» داعيا المجتمع الدولي إلى العمل على ان يتم الانتقال إلى نظام حكم جديد في سوريا بأسرع ما يمكن.. على أن المقترح العملي بخصوص حل الأزمة السورية سياسيا و»استبدال» نظام الرئيس بشار الأسد نجده قد صدر عن إيران تحديدا من خلال مبادرتها التي أعلن عنها مطلع الأسبوع الجاري وزير الخارجية عليّ اكبر صالحي الذي قدم لوسائل الإعلام الإيرانية تفاصيل ما اسماه «خطة للخروج» من الأزمة في سوريا... الخطة تتكون من ستة بنود وتنص من بين ما تنص على وقف فوري لجميع أعمال العنف والأعمال المسلحة باشراف من الأممالمتحدة ثم ايصال المساعدات الانسانية للشعب السوري ورفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا وتنظيم حوار وطني تتمخض عنه حكومة انتقالية مهمتها إجراء انتخابات لبرلمان وطني ومجلس تأسيسي لكتابة دستور جديد ثم إجراء انتخابات رئاسية.. والواقع فإنه وبالنظر لفظاعة «المشهد السوري» ولكمّ الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوري حيث وصلت حصيلة القتلى من أبنائه إلى أكثر من 43 ألف قتيل منذ مارس 2011 تاريخ انطلاق انتفاضته الشجاعة على نظام بشار الأسد الديكتاتوري الدموي... فإنه قد يصبح مطلوبا التعاطي بشيء من الواقعية والتجرد السياسي مع المبادرة الإيرانية المطروحة وذلك لا فقط لمنع حصول المزيد من الكوارث ولدرء ما أمكن من أخطار قد تتهدد الشعب السوري وما بقي من وحدة نسيجه الاجتماعي وحرمة وسلامة ترابه الوطني.. وإنما اعتبارا أيضا لمجموع الرسائل السياسية التي ما انفك يبعث بها النظام السوري هذه الأيام والتي مفادها انه قد جنح للسلم. نائب الرئيس السوري فاروق الشرع مثلا كان قد دعا منذ أيام من خلال حديث صحفي إلى ما أسماه «تسوية تاريخية» بين النظام والمعارضة ملمحا الى القبول بتقديم «تنازلات تاريخية» والعبارة له ربما يكون فاروق الشرع يمهد من خلال حديثه هذا لطرح المبادرة الإيرانية التي أعلن عنها لاحقا الطرف الإيراني والتي حتى وان لم تكن «خيرا كلها» فإن فيها بالتأكيد ما هو جدير بالنظر على الأقل