لا حديث في مختلف الأوساط والمنابر السياسية إلا عن التحوير الوزاري المرتقب بين لحظة وأخرى، وكأن هذا التحوير سيحمل معه كل الحلول السحرية التي تحتاجها البلاد للخروج من حالة الاحتقان والغموض والاحباط حتى باتت تهدد بدفع الوضع الى ما يصفه البعض بحرب أهلية باردة... والواقع أن هذا التحوير الذي من المرجح أن يظل، وحتى نهاية الاسبوع، موضوعا للتفاوض والمقايضة بين اجتماعات تنسيقية "الترويكا" من جهة، ومجلس الشورى داخل حركة "النهضة" من جهة أخرى، لا يمكن أن يساعد في شيء أو يدفع إلى تغيير وإصلاح المشهد الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم اذا لم يتحلّ أصحاب الشأن في السلطة القائمة بقدر من الجرأة المطلوبة لاتخاذ القرارات الشجاعة والاستعداد للتقييم والمحاسبة والاقرار بالعجز لمن فشل في الإيفاء بمسؤولياته والتخلي بالتالي عن عقلية المحاصصة الحزبية التي هيمنت مع تشكيل أول حكومة بعد انتخابات 23أكتوبر وأنهكت الجميع، وها نحن اليوم نتابع جميعا نتائجها الهزيلة بعد انقضاء سنة من عمرها. ومع أن الكثيرين قد يرون أن التحوير تأخر أكثر مما ينبغي وأنه لن يكون أكثر من حركة لإرضاء بعض الأطراف، فإن المنطق يفترض عدم الإستمرار في التأجيل والمماطلة والتعجيل بإصلاح ما يجب إصلاحه... وبالعودة الى دوافع هذا التحوير الوزاري الذي بات مطلبا ملحا لدى مختلف الفعاليات السياسية في البلاد سواء في "الترويكا" أو حتى في صفوف المعارضة كما لدى النخب من الخبراء والمحللين السياسيين والمجتمع المدني وغيرهم، فإن الأمر ظل مطروحا منذ أشهر وتحديدا منذ مؤتمر النهضة في جويلية الماضي مع ارتفاع وتيرة الانتقادات التي استهدفت تركيبة الحكومة العريضة من الوزراء وكتاب دولة ومستشارين حتى فاقت حكومة الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، كل ذلك في خضم تجاهل مطلق لاحتياجات البلاد وإمكانياتها والصعوبات الاقتصادية والمالية المتراكمة. على أنه من المهم الإشارة إلى أنه، ومع مرور مرحلة الاختبار الاول للحكومة وانقضاء سنة على تشكيلها، أصبح هناك اجماع حول ضرورة التحوير الوزاري، ولكن الاختلاف ظل قائما حول حجم ومستوى التحوير بين حزب الأغلبية في "الترويكا"، وبقية أطراف الائتلاف الحاكم. ولكن الغريب فعلا أن تذهب مكابرة وتعنت بعض المسؤولين في الحكومة إلى حد استباق الأحداث والإصرار على استفزاز الأطراف الأخرى بالتأكيد على أن "النهضة" لن تقبل بالتنازل عن وزارات السيادة أو أن التحوير لن يخرج عن إطار ما يرضي الحركة بكل ما يمكن أن يحمله ذلك من رسائل سلبية ومغالطات بشأن حقيقة وجود إرادة سياسية في إنقاذ البلاد وتغليب المصلحة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة من الانتقال الديموقراطي وتفادي الاسوإ... وفي انتظار التحوير المرتقب بعد تحميل الياس الفخفاخ حقيبة المالية إضافة الى السياحة، وفي انتظار أن تزول الشكوك حول تركيبة الحكومة القادمة وما إذا ستكون حكومة تكنوقراط أو حكومة إنقاذ وطني، يبقى الأكيد أن هناك حاجة لطاقة ودماء جديدة تجمع بين الكفاءة والخبرة والولاء للمصلحة الوطنية أولا وأخيرا بعيدا عن المصالح الذاتية ومبدإ "الأقربون أولى بالمعروف"... رسالة أخيرة نسوقها إلى أصحاب القرار ألا ينسوا أن ذاكرة التونسي حادة وأن ما ستنجزه الحكومة القادمة وحده سيكون الحكم والبوصلة التي سيعتمدها الناخب التونسي في الانتخابات القادمة...