من مقتضيات إصلاح النّظام التّربويّ أن تعمل مصالح وزارة التّربية، مثل إدارة الامتحانات والتّفقديّة ومراكز تكوين المكوّنين... عملا مسؤولا وفق النّصوص القانونيّة، وأن يضطلع المشرفون على تلك المصالح بتطبيق القانون والمحافظة على قيم العلم والتربية. وهذا ما لم يتحقّق في مناظرة انتداب متفقدين في الفلسفة (دورة 2012) لم تقّدم إدارة الامتحانات المهنيّة أعضاء اللّجنة وشهاداتهم العلميّة العليا للإشراف على المناظرة بحسب المقاييس العلميّة ورتبهم البيداغوجية. فالاختبارالكتابيّ هو اختبار علميّ بالأساس، وهو ما يوجب على إدارة المناظرة أن يكون رئيس اللّجنة متفقّدا عامّا للتّربية، وكان من الممكن أن تعتمد وزارة التّربية على إطار جامعيّ مباشر في تدريس الفلسفة لضمان تقويم علميّ موضوعيّ. وهذا الإجراء التّنظيميّ يُعمل به في مناظرة التفقد لمادة الفلسفة في السابق. وكان على وزارة التّربية تكليف متفقدين حائزين شهادات علميّة عليا في فرز المشاركات في المناظرة وتقويمها. ولكنّها لم تلتزم بهذه الشّروط العلميّة والبيداغوجيّة، ومن ثمّة، أخلّت بأحد أسس المناظرة. زد على ذلك، أنّ وزارة التربية لم تأخذ بعين الاعتبار شرطا قانونيّا هو وجوب أن يكون أعضاء لجنة الإصلاح والتّقويم حائزين على رتبة متفقد أول. فما الدّاعي لتكليف المتفقدين وإقصاء المتفقّدين الأول؟ وهذه التجاوزات المخلّة بالنّصوص القانونيّة والأغراض المعرفيّة-الفلسفيّة تتحمّلها مصالح وزارة التّربية وهياكلها الّتي تفتقد حقّا إلى الإحكام في تسيير المناظرات وفق الشّروط القانونيّة والمعرفيّة. وهذا ما يكشف عن منظومة الفساد في وزارة التربية. والمشكل هذا ليس له انعكاسات آنيّة فحسب، وإنّما انعكاساتها مستقبلية أيضا، وتخصّ قيمة سلك التّفقّد. فإن كانت لجنة المناظرة مطعون فيها، فإن نتائج المناظرة هي أيضا مطعون فيها. ولما كان ذلك كذلك، فهل ننتظرمن لجنة المناظرة الحاليّة أن تكون طرفا فاعلا في عمليّة الإصلاح، أم يحتاج مشرفو الإصلاح إلى إصلاح؟ لم تدرك مصالح وزارة التّربية أنّ اقتلاع مظاهر الوهن يبدأ من فوق، ومن أعلى هرم الوزارة، ومن مراجعة أصحاب النّفوذ داخل مصالح الوزارة وسلطة الإشراف على العمل التّربويّ، لأنها صاحبة الاختيار والقرار والتّنفيذ، وإجبار الهياكل الصّغرى، مثل المديرين وغيرهم ببرامج معيّنة. ويجري الأمر كذلك في مؤسّسة التّفقّد الّتي تنفرد بالبرمجة وإعداد الامتحانات..، وتلزم المربّين بحسن تطبيق الاختيارات المعرفيّة والبيداغوجيّة. ولئن كانت هذه الأطر، سواء أكانت في سلك التّفقّد أو التّسيير في الوزارة قد أصابها الوهن، فإن المجال التّربويّ بأكمله مصيره الوهن. وهذا ما يبرّرالقول إنّ الإصلاح الحقيقيّ للشّأن التّربويّ ينبغي أن يبدأ من فوق إلى تحت. وإنّنا نتصوّر أنّ مناظرة مشبوهة مثل مناظرة التّفقّد في مادّة الفلسفة (دورة 2012) هي عيّنة أخرى من عيّنات وهن المنظومة التّربوية. فهل يمكن الإسهام في الانتقال الدّيمقراطيّ بأسلوب عمل تربويّ فاسد؟