بعد الحليب ألقت مادة البطاطا بظلالها على قفة المستهلك في فترة فجوة الإنتاج الموسمي.وشكلت ندرة تواجدها بالأسواق مرتعا للمضاربين للعبث بالأسعار التي أقلعت عاليا في ظل تأخر تقليعها نتيجة التأخر الحاصل في زرع هذه المادة في بعض مناطق الإنتاج تزامنا مع تراجع المخزون التعديلي وتنامي التهريب. قد تبدو العلاقة السببية وترابط حلقاتها من الحقل إلى البيع بالتفصيل مع ما تفرزه من ارتفاع رهيب في الأسعار بمنطق العرض والطلب مفهومة دون أن تكون نتيجتها بالضرورة مقبولة أو مستساغة من المواطن الذي يعد أبرز ضحايا هذا الوضع المربك. إلا أن اللافت في الأمر تواصل شطحات الأسعار هذه الأيام -وإن بأقل حدة- خارج القطاع المنظم رغم تطور تدفق كميات التزويد. وقد لوحظ أن سعر البيع للعموم المحدد من التجارة ب750مي للكلغ بطاطا لم يحترم إلا داخل الفضاءات التجارية الكبرى فيما يقع تجاهله بمسالك الترويج الموازية وبالأسواق الشعبية ليلامس السعر سقف الدينار الواحد. ومن المفارقات أنه أمام ضغط الإقبال على التزود بهذه المادة من المساحات الكبرى عمد بعضها إلى حصر الكمية المسموح بيعها للشخص الواحد بكلغرامين.وهكذا تلج البطاطا بعد المياه المعدنية والحليب قائمة المنتجات المحدد مسبقا حجم بيعها للفرد الواحد.في إشارة واضحة إلى نقصها الحاد بالأسواق. فهل يلوح انفراج وضع سوق البطاطا قريبا؟ أم سيكون من قبيل الظرفي المستمر خاصة أن موسم الإنتاج آخر فصلي قد انطلق منذ أسابيع وإن بتأخير في آجال نضج المنتوج؟. تبدو المعطيات المستقاة من مصادر الإنتاج مطمئنة نسبيا حول استعادة السوق لتوازنها قريبا سيما أن تقديرات الإنتاج تضاهي حصيلة الموسم الماضي (بين 120و140ألف طن)، لكن الغريب أن المحافظة على نفس نسق الإنتاج لم يقابله وفرة في العرض ولا ارتخاء في الأسعار. على أن ما توفر لنا من معطيات وإن يعكس بعض التحسن المرتقب في وضع السوق بالتقدم في موسم الإنتاج وخاصة إذا ما بادرت الجهات المسؤولة على تفعيل آليات المراقبة والتصدي الحازم للتجاوزات فإن بلوغ الانفراج الكلي والهيكلي لن يكون آنيا بل يتطلب وفق قراءة الجهة المؤتمنة على الإنتاج مراجعة خطة المنظومة في مختلف حلقاتها من توسيع للمساحات المزروعة وتقديم الحوافز اللازمة للفلاحين للانخراط في هذا الجهد.علاوة على مراجعة سياسة التخزين حتى تؤدي وظيفتها التعديلية على الوجه المطلوب. وإعادة النظر في خطط التصدير.. وفي انتظار بلوغ ذلك فإن الظرفية الراهنة تستدعي من مختلف الأطراف المتدخلة في القطاع الحد من أنانيتها وجشعها في استغلال الوضع المتأزم ويتعين على المواطن الذي يسجل نسق استهلاكه تطورا ملحوظا تفادي الوقوع في فخ نار الأسعار عبر ترشيد استهلاكه ورفض أن يكون وقودا لها بالإقبال على الشراء مهما كان الثمن مشطا. كما يتعين على النخب بدل التوظيف السياسي المبتذل لإنهيار الطاقة الشرائية للمواطن المساهمة الفاعلة في اقتراح التصورات الكفيلة بدعم الإنتاج والإنتاجية ومقاومة جشع المحتكرين والمضاربين.وعلى الحكومة أيضا التدخل الناجع لضمان توازن الأسواق وتفعيل القوانين المنظمة لمسالك التوزيع والرادعة للتجاوزات والانتهاكات اليومية لقفة المستهلك. حتى لا تخطف مؤشرات التضخم المرعبة حاليا مبلغ الزيادة في الجرايات وتتبخر قبل أن تلج حافظة نقود الموظف. إن في تضافر هذه الجهود فقط يحق القول بأن الانفراج قادم وإن على مهل.