حل بتونس وفد رسمي عن وزارة الداخلية لحكومة غزة يمثله مدير العلاقات الدولية بوزارة الداخلية أدهم أبو سلمية والمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية إسلام شهوان في إطار دعوة من هيئات أهلية وجمعيات مدنية تونسية. "الصباح" تحدثت إلى المسؤولين عن إطار الزيارة والوضع في غزة بعد العدوان الاسرائيلي الأخير وما أعقبه من تطورات في الملف الفلسطيني، داخليا في سياق ملف التوحيد والمصالحة، ودوليا بفعل التأثيرات الميدانية على المعطى التفاوضي والتحريري. * ماهو السياق الذي تندرج فيه زيارتكم إلى تونس في ظل المتغيرات الوطنية تونسيا وفلسطينيا فضلا عن المستجد الدولي. - تأتي الزيارة في إطار حرص الحكومة في غزة -المعبر عنها إعلاميا "بالمقالة"- على فتح آفاق التعاون والتقارب مع الحكومات المختلفة وخاصة على دعم التعاون في أبعاده العربية والإسلامية لاسيما بعد حركة الربيع العربي وتمتين العلاقات الأخوية مع تونس ذات السبق والعراقة في احتضان القضية والمقاومة الفلسطينية والمناضلين الفلسطينيين وهو بالتأكيد موقف ثابت، وذلك في إطار دعوة تلقيناها من جهات مجتمعية وقوى أهلية وشعبية كريمة بهدف إطلاع الشعب التونسي على آثار العدوان الهمجي على غزة الصامدة ونجاحات المقاومة الفلسطينية في تحقيق مكاسب نوعية ميدانيا وسياسيا واستراتيجيا، فضلا عن استجلاء آفاق التعاون المشترك ودعم القطاع بالخبرات والمدد في مجال الحماية المدنية والخدمات الإسعافية والطبية.. * ماذا عن توقيت الزيارة ونتائجها؟ - هذه الزيارة تتزامن مع احتفالات شعبنا العربي في تونس بالذكرى السنوية لثورته التي باركنا كشعب مقاوم للظلم اندلاعها ونستطلع إلى تحقيق أهدافها لمجد الشعب التونسي وكرامته وتحرره فضلا عن تشوقنا لنجاحها الدولي باعتبارها صانعة هذا الحراك التحرري عربيا . على أن هذه الزيارة كشفت بجلاء عمق الانتماء العربي الإسلامي للشعب التونسي وحماسته على القضية الوطنية والإسلامية الأم وحبه الكبير لفلسطين والفلسطينيين وهو ما لمسناه قطعا من خلال التفاعل الرسمي والشعبي حيثما حللنا في هذا البلد الطيب كلما تحدثنا عن العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين ورموزهما باب المغاربة وحي المغاربة المقدسيين.كما أننا لمسنا تحمسا حكوميا تونسيا لدعم الجهود العربية على منوال دور القاهرة وذلك لإتمام المصالحة الفلسطينية ورأب الصدع بين الإخوة الفرقاء وإنهاء حالة الانقسام. * ماهي أهم نتائج المفاوضات التوحيدية وآفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية بين غزةورام الله؟ - الحكومة في غزة وحركة "حماس" تعتبران المصالحة خيارا استراتيجيا لا مناص منه وبالتالي لا يمكن تفويت أية فرصة للتقارب والعبور إلى الوحدة بوصفه مطلبا حيويا، والحالة الطارئة اليوم إنما هي استثناء ارتبط بظروف محددة لا ينبغي أن تدوم أو تستدام. لكن لا نذيع سرا إذا أكدنا أن أبو مازن يقف اليوم معطلا لكل المبادرات الصلحية والتوفيقية التي وفرتها المقاومة ميدانيا بعد فشل العدوان. فقد ربط عباس أي تقدم في مسار المصالحة بالارتهان إلى الموقف الأمريكي والإسرائيلي. ورغم أن العدوان على غزة شكل أرضية تقارب قوية ومتينة في اتجاه المصالحة والتوحيد إلا أن أبو مازن فاجأنا من جديد وخارج الوفاق الفلسطيني بطلب تأجيل المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية بتعلة تلقيه تطمينات أمريكية وأوروبية باستئناف مسلسل المفاوضات... وكان هذا مخيبا للآمال ولكنه متوقعا من القوى الفلسطينية والفصائل الأخرى. * هل بوسعكم أن تكشفوا لقراء "الصباح" عن مقتضيات هذه الاتفاقية التي تتهمون عباس بإجهاضها؟ - تلزم اتفاقية القاهرة الأطراف الفلسطينية المتعاقدة ب6 مبادرات تمهدية في مسار المصالحة هي: 1-إعادة بناء منظمة التحرير ، من خلال إدماج "حماس" و"الجهاد" كحركتين سياسيتين وفي إطار قيادي مؤقت وموحد بزعامة عباس ومن ثم إعادة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني باعتبار إدماج الكل الفلسطيني. 2-المصالحة المجتمعية حيث تم تشكيل لجنة تؤمن إجراءات المصالحة وتنهي كل مظاهر الانقسام والاحتقان داخل المجتمع الفلسطيني. 3-إعادة فتح مقرات لجنة الانتخابات المركزية في غزة والضفة قصد البدء في عمليات تسجيل الناخبين تمهيدا للانتخابات. 4-إنهاء عمليات الاعتقال السياسي والملاحقات الأمنية بين أبناء الشعب الواحد والتي ما زالت تمارس إلى حد اللحظة. 5-تشكيل حكومة وحدة وطنية بين غزةورام الله (حكومة توافقية) بزعامة عباس. 6-إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني بعد 6 أشهر من تطبيق النقاط الخمس سابقة الذكر. لكن هذه الاتفاقات لم تر النور على صعيد الحالة الفلسطينية نتيجة تصرفات حكومة رام الله إذ تواصل مسلسل اعتقال مناضلي "حماس" و"الجهاد" في الضفة وغلق المؤسسات الأهلية والخيرية الإسعافية المقربة من المنظمتين، فضلا عن اجراء انتخابات محلية من جانب واحد بالضفة. * كيف غيرت معركة "حجارة من سجيل" وصمود المقاومة خلال العدوان الأخير المعطيات الميدانية والتفاوضية والموقف الدولي عموما تجاه قضية غزة؟ - رغم استمرار حالة الانقسام الداخلي وغياب أي مبادرة جدية تحلحل الوضع في اتجاه الوحدة والمصالحة الواقعية والوفاقية فإن المقاومة الباسلة والصمود التاريخي للفصائل في غزة أعادا مد جسور التواصل بين رام الله ة وغزة ونقل رسائل ثقة بين الفرقاء، فتمت إعادة فتح مقرات "فتح" بغزة ومن ثم النشاط السياسي لهذا الفصيل، كما أن المقاومة الفلسطينية الموحدة توصلت إلى إبرام اتفاق تهدئة مشرف وغير مهين وتحقق بالتالي تحرير 25 كلم من القطاع فضلا عن فتح معبر رفح بصورة دائمة. * أي دور إيجابي لعبته الثورات العربية في التمكين للقضية الفلسطينية؟ - على الصعيد الخارجي استطعنا الاستفادة من موجة تحرر الربيع العربي التي استطاعت مبدئيا إعادة تشكيل الواقع العربي وإسقاط الأنظمة العميلة الموالية للسياسات الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة، ثم إن سقوط الزعامات الانبطاحية العربية وصعود القوى الإسلامية إلى مربع السلطة والمشاركة في الحكم في تونس ومصر واليمن وليبيا مع وجود قوى وطنية أخرى وأطراف دولية داعمة للصف الفلسطيني مثل قطر، علاوة على الخط المقاوم الجدي الجديد، هي أقطاب نوعية أفرزت معادلات جديدة تسعى إلى الخروج بالقضية الفلسطينية من تحت العباءة أو المظلة الأمريكية الغالبة إلى تشكيل وعي جديد ورؤية مغايرة للواقع والقضايا العربية ككل . * تعيش تونس في راهن ثورتها اليوم حالة من التجاذب والاستقطاب والتدافع بين القوى السياسية لا تقل خطورة في نظر الملاحظين عن حالة الانقسام الفلسطيني مع مراعاة الفوارق طبعا، فما هي رسالتكم لمحركي اللعبة السياسية التونسية وصانعي القرار الجديد؟ - تونس تمر بوصفها قاطرة الربيع التحرري العربي بحالة انتقال تحرري وانفراج ديمقراطي وانفتاح سياسي، وما على الكل التونسي سوى أن يعي أهمية هذه المرحلة وخصائصها وأن ينهض كل من موقعه - أعني حكومة ومعارضة - إلى العمل الوفاقي المسؤول لحماية المكاسب، مع اليقين أن كل انقسام إنما هو إضعاف للدولة، كل هذا في اتجاه أن تستعيد تونس مكانتها المحورية الريادية عربيا ودوليا.. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء كل مظاهر الأزمة بمسؤولية وطنية تقبل الاحتكام إلى الخيار الديمقراطي التعددي والذي أوصل حزبا أو تكتلا إلى سدة الحكم.