هناك توافق حول النظام السياسي للدولة بين الرئاسي المعدل أو البرلماني المعدل في تقارب مع النموذج البرتغالي - نفت رئيسة لجنة التشريع العام النائبة كلثوم بدر الدين ما تردد إعلاميا وجماهيريا من بطء في أعمال سن وصياغة دستور الجمهورية الثانية معللة ذلك بتعدد المهام التشريعية والتأسيسية للمجلس المنتخب تجنبا لكل فراغ تشريعي أو دستوري خلال المرحلة الانتقالية التأسيسية. وأقرّت بدر الدين في حديث خصت به "الصباح" على هامش مشاركتها في جلسة حوار حول مشروع الدستور ببعض المآخذ والتعاليق الفنية والأكاديمية بل وحتى الشعبية التي طالت مسودة الدستور المعروضة على الاستشارة، مثمنة المكاسب الدستورية المضمنة في المشروع الدستوري الجديد. + يعيب الشارع السياسي على نواب التأسيسي "تباطؤهم" في انجاز مهمتهم الرئيسية التي انتخبهم الشعب من أجلها وهي سن دستور جديد وديمقراطي وثوري وذلك لحسابات سياسية بل وربما حتى انتخابية ! - لا أعتقد البتة أنه ثمة تراخ أو بطء مدبر بل هناك ظروف أقل ما يقال عنها أنها موضوعية فالنسق الكرونولوجي الذي انخرط فيه المجلس ولجانه ككل أقل ما يقال فيه إنه ماراطوني ومضن، فبالعودة إلى وقائع أعمال المجلس ومجريات أشغاله بعد انتخابه في 24 أكتوبر2011 شرعنا في نوفمبر في صياغة النظام الداخلي للمجلس وتشكيل اللجان وانتخاب رئاسة المجلس ومساعديها ، ثم قمنا بسن الدستور الصغير المعبر عنه بالنظام المؤقت للسلط العمومية والذي تم في ضوئه انتخاب أول حكومة شرعية وأول رئيس شرعي ، على أن اللجان لم تنطلق عمليا في أشغالها من تداول ونقاش على المشاريع الدستورية المقترحة سوى خلال فيفري 2012. لذلك في اعتقادي أنه خلال فترة 6 أشهر فحسب أي بين فيفري و2 أوت استطعنا أن نعرض على شعبنا مشروع مسودة أولى لدستور للاستشارة فهذا انجاز لم يتسن تحقيقه حتى مع تجربة المجلس القومي التأسيسي سنة 1956 والذي حقق منجزه الدستوري خلال 3 سنوات أي في غرة جوان 1959 رغم الظروف غير المتشابهة وعموما أثبتت التقييمات الدولية الأولية للتأسيس الدستوري التونسي في المرحلة الحالية على ما أطلق عليه "التجربة التشاركية الدستورية التونسية "مقارنة بتجارب حديثة أخرى، بفعل الحرص على التوافق بدل الحسم عبر التصويت الأغلبي. +لكن إذا استطعتم تحقيق هذا الإنجاز الأولي فلم كل هذه المدة التي دامت فعليا أكثر من سنة وهي فيما يبدو قابلة للتمطيط والتمديد غير المبرر في نظر الملاحظين والخبراء والشعب الذي حرقته انتظارية المرحلة التأسيسية حلما بعودة الدولة مفهوما و تطبيقا؟ - بعيدا عن كل مزايدة أؤكد أن اللجان بذلت ما في وسعها وأكثر بعيدا عن الأضواء أو الترويج الإعلامي لأن المقام لا يتسع لذلك أمام نبل المهمة فخلال مدة ال6 أشهر التي تحققت فيها هذه الوثيقة المسودة ، تم الإصغاء إلى قطاعات المجتمع المدني والخبراء واستعراض التجارب الدستورية المقارنة وأيضا مقترح الاتحاد العام التونسي للشغل عبر مشروع دستور هيئة الخبراء ومشروع "دستورنا" والدستور "المجلس المدني" وغيرها من التجارب، وبالتالي كانت الصياغة الأولى المطروحة اليوم نتاج عمل تشاركي فعلي وفعّال بين المجلس وشتى القوى والمبادرات، هذا فضلا عن أشغال اللجان ومداولاتها التي استنارت أيضا بتجارب خارجية شتى. وعموما فإن فترة 6 أشهر تعد قياسية وثورية بالمقارنة مع مختلف تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم ذلك أن أقصر مدة صياغة مسودة أولية لدستور استغرقت 18 شهرا والفرق بين وصريح ، على أن المهم ليس التسرع مع لحظة تاريخية ينتظرها الشعب ويراقبها العالم وأعلم أن كافة زملائي بالمجلس من مختلف القوى السياسية يعون جيدا حدود مسؤوليتهم أمام الله والشعب والتاريخ . زد على ذلك أن المجلس لم يكن متفرغا للعمل التأسيسي الصرف فقد كانت لنا أيضا وهذا من صميم مسؤولياتنا مهام تشريعية وأخرى رقابية للحكومة ومحاسبتها فضلا عن الاتصال بالجهات. + أفرزت الاستشارة التشاركية للجهات وقوى المجتمع المدني توجيه انتقادات جمة للدستور أهمها أنه لم يكن سوى نص إنشائي وسردي متطاول وهو ما يتعارض مع وصف القاعدة الدستورية خصوصا والقانونية عموما بالتجريد والعموم والإطلاق والإحكام ! - نعم أقر أنه من بين الانتقادات الموجهة للمشروع المبدئي أنه جاء مطولا ولا سيما توطئته التي غلبت عليها فعلا الصيغة الإنشائية وذلك لجملة من الأسباب أهمها أننا انطلقنا في الصياغة والكتابة من "ورقة بيضاء" أي من فراغ نصي ولم نذهب مذهب تجارب أخرى انطلقت من نص سابق ومن ثمة الاتجاه إلى التعديل والتنقيح والاختصار والحذف والإضافة على غرار التجربة المصرية مثلا ، فمشروعنا جاء امتدادا واستجابة لمطلب شعبي ثوري من معتصمي القصبة لتعليق دستور 1959 منذ 3مارس 2011 ودعت إلى مجلس وطني تأسيسي. المبرر الثاني يعزى للمنحى التوافقي والتشاركي في تجربة ما بعدثورية بين مختلف الأطراف المدنية والسياسية التونسية المتسمة بالحراك والتجاذب والاستقطاب بين مفرزات ثورة 14 جانفي، وهذا ما لم يسجل مع تجربة الجبهة القومية التي وسمت مجلس 1956 وفواعل بناء الدولة الوطنية في حين أن الحقبة الحالية ضمنت تمثيل كل الفئات والشرائح والمطالب والانتظارات. أما ثالث هذه الأسباب فيتمثل في دافع الرهبة والرغبة، أعني الرهبة من عودة الديكتاتورية والاستبداد من أي الأبواب و السعي الى تحرير دستور ديمقراطي أما الرغبة فتتلخص في إدراج كل الحقوق وتضمين كافة الحريات بل وشتى المطالب خشية التنكر لها والانقلاب عليها تحت أي مسوغ تنفيذي أو متغير اجتماعي أو غير ذلك.. فطفقت المطالب تتالى على إدراج أبسط الحقوق التفصيلية وهذا مع مشروعيته يتعارض مع مقتضيات النص الدستوري. +ماهي ضمانات المراجعة والتصحيح والإصلاح لمشروع هذه الوثيقة الدستورية الأولية وفق مقتضيات مقاربتكم التشاركية المفترضة والمعلنة ؟ - هذا مشروعنا الأولي وهو بالتالي مشروع كل التونسيين وهو مطروح للنقاش ومنفتح على كل الملاحظات والمؤاخذات في إطار التوافق والتشارك والاستشارة والاستئناس حيث تم عرضه على أطياف المجتمع التونسي وحساسياته ولأول مرة على الطلبة داخل أسوار الجامعة التونسية في أجزاء جامعية بحضور التمثيليات الطلابية كما أن المجلس التأسيسسي عرض هذه المسودة على موقعه الشبكي الرسمي على الجمهور العريض وطنيا ودوليا، والمجلس وبالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بصدد تنظيم لقاءات إصغاء وتقييم جهوية وإقليمية على غرار ما سجل في صفاقس والعاصمة من أجل مزيد النقاش والتطوير والتي لم تشهد التغطية الإعلامية المتوقعة ولاسيما من الصحافة المكتوبة حيث انفردت يومية "الصباح" فحسب بتغطية جلسة صفاقس على أهميتها، كل هذه الخطوات سوف تسبق الجلسة العامة فضلا عن امكانية عرضه من جديد على هيئة خبراء قبل الصياغة النهائية كم جاء على لسان المقرر العام للدستور الحبيب خذر. + مع وضوح هذه الخطوات هل بوسع مجلسكم التقيد بروزنامة مضبوطة لسن دستور جمهوري وثوري ما قد يخفف من الانتظارية الحالية التي تعزز الاحتقان والخوف من المجهول ؟ - شخصيا من موقعي كرئيسة لجنة ليس بوسعي ولا من صلاحياتي تقدير الفترة الزمنية التي قد يصدر خلالها الدستور المرتقب، باعتبار ذلك من صلاحيات رئاسة المجلس الوطني التأسيسي ومكتب رئاسة المجلس ، على أن تكهنات المقررالعام الحبيب خضر تحدثت عن موفى شهر أفريل المقبل والعهدة على القائل . على أنني لا أستطيع الجزم بأن انطلاق النقاش العام تحت قبة المجلس سوف يكون في مفتتح فيفري أي بعد استكمال جلسات الإصغاء والنقاش بالجهات وكذلك الجلسات المخصصة للجالية والمهاجرين بالخارج خلال النصف الثاني من جانفي الجاري. تثميني للطبيعة الحوارية والتوافقية والتشاركية للمرحلة التأسيسية الجارية التي سوف تثمر مبادئ وأفكار لم تتناولها الفترة التأسيسية بعد الاستقلال لاعتبار المعطيات والاستحقاقات الثورية للمرحلة. + في ضوء هذا الاتجاه التفاؤلي ماهي أهم المكاسب الحقوقية والمنجزات الثورية للدستور المرتقب؟ أزعم وبفخر أن الدستور الجاري إعداده سيحرص وبعد مناقشته طبعا على تضمين مكاسب المرأة وحقوقها وحريتها فضلا عن إقرار المساواة بين المواطنين والمواطنات والحرية والكرامة هذا في باب الحقوق والحريات. ومن المكاسب الأخرى التي لم يتضمنها الدستور السابق إحداث هيئات دستورية جديدة من ذلك في باب السلطة القضائية المجلس الأعلى للسلطة القضائية وخاصة المحكمة الدستورية وهو ما يمثل في حد ذاته حدثا يقدم كامل ضمانات حماية الدستور من كل الاختراقات من خلال الرقابة القبلية والبعدية فضلا عن تفعيل رقابة الدفع . أما في باب الهيئات الدستورية فالدستور الجديد سوف يكفل ولأول مرة هيئة للإعلام وهيئة لحقوق الإنسان وهيئة للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة فضلا عن دسترة الهيئة المستقلة للانتخابات . كما أن الدستور الجديد سيكفل مبدأ اللامركزية في إطار وحدة الدولة وذلك في باب السلطة المحلية تحقيقا لضمانات التوازن الجهوي والعدالة بين الجهات. وعلى صعيد السلطة التنفيذية ضمن مشروع الدستور المقبل توافقا حول النظام السياسي للدولة بين الرئاسي المعدل أو البرلماني المعدل في تقارب مع النموذج البرتغالي رغم وجود نقاط خلافية حول صلاحيات الرئيس والمهام الموكولة إليه والتي مصدرها التخوفات من الصلاحيات الواسعة للرأس الواحد في السلطة التنفيذية والتي كرست في الحقبتين السابقتين نهجا فرديا واستبدادا دستوريا وتغولا لطرف ما داخل الدولة.