العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    من صفاقس إلى منوبة: تفاصيل صادمة عن مواد غذائية ملوّثة تم حجزها    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    "اللص النائم".. أغرب ضيف ينتظر سيدة في منزلها    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشارع التونسي :غلاء المعيشة أنهك "الزوالي "..استياء من التجاذبات السياسية.. وتفشي البطالة
الذكرى الثانية للثورة
نشر في الصباح يوم 13 - 01 - 2013

تحيي تونس الذكرى الثانية للثورة المباركة ونكاد نجزم-للأسف- أنّ أغلب المواطنين "قلوبهم مغلغلة" باعتبار أنّ الوضع العام للبلاد شهد تدهورا على جميع المستويات ولم يكن ليعكس تطلعات الشعب التونسي..
فالبطالة تفاقمت وغلاء المعيشة أنهك "الزوالي" ولم نلحظ أية مؤشرات ايجابية تنبئ بمستقبل زاهر من شأنه أن يزيح كل ما يبعث في النفوس من تشاؤم واستياء إزاء تعثرمسار الانتقال الديمقراطي وما يمكن أن ينتجه من تقهقر في شتى المجالات..
وبما أننا نحتفل اليوم بذكرى عظيمة في تاريخ بلادنا واكبت "الصباح" الحدث مواكبة ميدانية وسجلت تفاعل الشارع من خلال تحاورنا مع العديد من المواطنين من فئات مختلفة.
الآراء لم تكن متباينة بقدر ما كانت تلتقي في نقطة رئيسية ألا وهي الجانب السلبي لثورة 14جانفي وانعكاساته، المتسبب في حالة غليان شهدتها أغلب الجهات بتونس ولا تزال..
يرى توفيق البجاوي (تاكسيست) أنّ تونس ما بعد الثورة تراجعت في جميع المستويات وانتهجت طريقا خاطئا لتثبيت المسار الديمقراطي، ذلك أن الثورة طغت عليها ايديولوجيات الأحزاب والمصالح الضيقة فضلا عن تنفيذ "الترويكا" لأجندات غربية وهذا حسب رأيه- "مخطط صهيوني أمريكي يطمح لإعادة مشروع الشرق الأوسط الجديد. "
ولتفادي كل هذه الأمور يرى توفيق أنه "يجب تجنب الضغط الدولي..ثم إن الشعب يجب أن ينتخب أناسا أكفاء لتسيير البلاد..ذقنا الأمرين خلال عامين ما بعد الثورة وأحسب أن الشعب التونسي غير قادر على تحمل المزيد من العناء.."
مواطن تونسي آخر(يمتهن مهنا حرة) لم يرد التصريح باسمه، بيّن لنا أنه غير متفائل إزاء الوضع العام للبلاد وهو "مستاء من غلاء المعيشة وعدم الاستقرار..في المقابل أنا ضد الاعتصامات والعنف بشتى أنواعه لأنه يرجع بالمضرة على "الزوالي"..من جهة أخرى أرى أن الحزب الحاكم يضم العديد من الأشخاص الأكفاء الذين يستطيعون حل العديد من المشاكل ورسم خارطة جديدة لتسيير البلاد لكن وجود العديد من الأحزاب المعارضة حال دون ذلك.."
منصف الغربي (وسيط قمرقي) يقول في ذات السياق "جاءت الثورة لنيل الحقوق بالأساس ولا أظن أنّنا بلغنا أدنى المطالب على غرار تشغيل أصحاب الشهائد العليا والحد من غلاء المعيشة..الشعب التونسي لا يطالب بالمناصب بقدر ما يطالب بالحياة الكريمة..ثم إنّه حسب اعتقادي لو تمتع شخص في كل عائلة بوظيفة لكانت الأمور أحسن بكثير..من جهة أخرى أرى أن "سمعة" ثورتنا في العالم تدنت بشكل كبير لأننا لم نحسن استثمارها..
أما علي بن حمودة (حارس عمارات ضباط الشرطة بالحي الأولمبي) فيرى أن كثرة الأحزاب تمثل عنصر التشويش والتحريض، الأمر الذي حال دون تقديم مشاريع تخدم مصالح البلاد. ليضيف "التونسيون كانوا "يعرفو بورقيبة على شنية يمشي ويجي" لا لشيء إلا لأنه أقصى أغلب الأحزاب المعارضة..ثم إني أرى أن النهضة كانت تستطيع أن تقدم الأفضل لو لا تواتر الأحزاب..
حاتم بن طالب (عامل بإحدى المصانع) باستياء كبير استهل حديثه قائلا "دبروها أصحاب رؤوس الأموال وكلاها الزوالي في عضامو" مشيرا إلى أنّ مسألة التعويض للمساجين السياسيين ليست من بين الأولويات باعتبار أن العديد من التونسيين "ميتين بالشر"..كما أنه من غير المعقول أن يعاني أصحاب الشهائد العليا البطالة إلى حد هذه الساعة شأنه في ذلك شأن "بو العايلة البطال"..
بكل عفوية قال أحمد حليلة (تلميذ) أن الأمن ما بعد الثورة لم يسترجع هيبته المعهودة وهو ما تسبب في عدم الاستقرار..وعن نظرته الاستشرافية أبدى أحمد تفاؤله إزاء مستقبل تونس متمنيا المزيد من الرقي لتونس وأن يكون الحزب الحاكم بعد الانتخابات "دكتاتوريا عادلا"..
وليد عبدلاوي

حصاد الثورة
نخب سياسية نفثت سموم التفرقة..الاستقطاب وانقسام المجتمع.. ومخاطر محدقة
بقدر ما كانت الثورة أداة جمع بقدر ما حولها آداء النخبة السياسية إلى حدث تفرقة.
ربما تكون هذه الصورة أفضل اختزال لحصاد الثورة بعد سنتين. ويجد هذا الحكم امتداده اليوم في واقع التونسيين الذين انقسموا بفضل التطاحن السياسي والإستقطاب الثنائي إلى إسلاميين وعلمانيين.. إلى رجعيين وحداثيين.. إلى مدنيين مسالمين وإلى متطرفين ارهابيين.. إلى ثوريين وتجمعيين.. إلى شرعيين ومجروحين من نتائج الإنتخابات..
ووصل خوف التونسيين اليوم من شبح التفرقة إلى حد الهمس أو التصريح أحيانا بمخاطر الإنزلاق إلى الإقتتال لا قدر الله في ظل الحقائق المفزعة التي لم تعد خافية على أحد حول رواج الأسلحة في تونس وقد لا تكون من البالغة في شي إذا ما قلنا أن هناك من أصبح يقبل على اقتناء السلاح ومن يبيعه. والكل يعلم مدى خطورة هذا المؤشر وتداعياته. ولعل الخوف الأكبر من هذه التفرقة المفتعلة التي زرعها السياسيون والنخبة أن تتحول إلى قناعة وممارسة راسخة لدى التونسيين حتى وإن انتهى تناحر الساسة والأحزاب فيما بينهم وتوصلوا إلى اتفاق أو قسمة ترضيهم والأرجع أنهم في طريقهم إلى مثل هذا السيناريو.
وهذه الفرضية لا يستبعدها المتابعون للشأن السياسي والإجتماعي إذ يشير المختص في علم الإجتماع السياسي طارق بلحاج محمد أنه وفق المنطق السائد في طبيعة الخلاف السياسي القائم اليوم وهو خلاف وهمي وشكلي وأجرائي بين مكونات الطبقة السياسية يتمحور في غالبه حول السلطة وليس حول الثورة والمجتمع وبالتالي فهم قادرون-أي النخب السياسية-على عقد الصفقات والوصول إلى توافقات في أي لحظة لكنهم في المقابل عاجزون عن الزام قواعدهم وشعبهم بهذه التوافقات. ويعتبر محدثنا أن النخب السياسية نجحت للأسف على امتداد سنتين في تقويض حتى أسباب نجاح الثورة وتميزها.
كيف ذلك؟
يوضح طارق بلحاج محمد أن سر نجاح الثورة التونسية كأول ثورة إجتماعية مدنية وسلمية في الألفية الثالثة يتجسد في عنصريين اثنين أولا وحدة الهدف والقضاء على الاستبداد والحفاظ على الوطن وثانيا أن المجتمع التونسي موحد سوسيولوجيا وثقافيا ولهذا حافظ على وحدته وتواصله حتى بعد تعطل كل مظاهر الدولة مباشرة بعد الثورة.
منطق الغنيمة
ويضيف طارق بلحاج أن هذه الوقائع تزعج البعض أو يعجز البعض على التماهي معها ولذلك يستثمر في الفرقة كرأس مال سياسي لاستقطاب مناصرين.
ذلك أنه عندما تغيب الرؤى والخطوات الإصلاحية المنسجمة مع الثورة فمن الطبيعي جدا أن تحل محلها مفردات الإستقطاب والإقصاء والكراهية لسبب جوهري هو أن النخب ليست نخب ثورة"فالثورة التونسية لم تفرز معها نخبها الفكرية والسياسية رغم مشاركة البعض فيها بشكل شخصي.. ولهذا تعاملت النخب القديمة بمنطق الغنيمة أكثر من منطق الثورة.."
ويضيف محدثنا أن آداة هذه النخب القديمة في التعامل كان على أساس صراعات تجاوزت كل الخطوط الحمراء بدء من العنف اللفظي والتشهير والتخوين مرورا بالعنف السياسي وصولا إلى تجارة الفضائح الشخصية" وتغيب في هذا الصراع البرامج لكن تستحضر فيه الغرائز لتجييش الناس والتجارة بآلامهم ومخاوفهم.. والنتيجة كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن".
وساهم الصراع المحموم بين السياسيين في تغذية الإحتقان بين القواعد الشعبية وتنامي العنف السياسي لأنه عندما تخرج هذه النخب على المواطنين بالخطابات المتشنجة فستنعكس تلك الروح العدوانية على سلوك قواعدها الشعبية وعندما تنتفى لغة الحوار بين النخب فمن الطبيعي أن تضعف أيضا بين عامة الناس الذين يكونون إما متحمسين أو جاهلين.
من جهة أخرى يقول طارق بلحاج إنه عندما تصبح الدولة غنيمة وحين يغلب منطق التنازع على عقلية السياسيين تضعف بالضرورة كل مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة الأمنية والعسكرية التي تعيش اليوم ضغوطا غير مسبوقة"وإذا ما أضفنا إلى ذلك تمتع بعض الأطراف العنيفة بالحصانة السياسية والقضائية نظرا لقربها العقائدي والإيديولوجي مع من يحكم يصبح الوضع الأمنى محرجا للمواطنين والأمنيين على حد السواء".
الاستقطاب الثنائي
وفي تأكيده على مخاطر الاستقطاب وتداعياته اليوم على المجتمع التونسي يشير محدثنا إلى أن حالة الاستقطاب وصلت من الحدة إلى درجة أن الناس أصبحت تتنازع حتى على التاريخ الحقيقي للثورة.
من جهة أخرى فتشظى الشرعية الأصلية أي الشرعية الثورية وتعويضها بشرعيات زائفة أو مرحلية كالشرعية الانتخابية والتوافقية والجبهوية والتنازع حول هذه الشرعيات قد يفتح الباب أمام المجهول.
والأخطر في هذا الموضوع وفقا لمحدثنا هو ظهور شرعيات فرعية تأخذ الطابع الجهوي والعشائري والقبلي والفئوي وتهدد تماسك المجتمع والدولة التونسية.
ويضيف طارق بلحاج أن ما نفثه السياسيون والنخبة من روح العدوانية والكره والعداء لا يمكن فسخه من وجدان الناس وقناعتهم بمجرد قرار سياسي تغلب عليه المصلحة أكثر من المبدأ.
وحتى إذا توصل السياسيون إلى توافق فالخشية أن تتحول حالة الإحتقان إلى حالة قارة ويتحول هذا الإستقطاب المفتعل إلى جرح نازف في جسد هذا الوطن "لأنه عندما يخرج المارد من قمقمه يصعب إرجاعه وخاصة على أيدي هذه الطبقة السياسية المرتبكة".
ويخلص محدثنا إلى أنه على المستوى المنظور أي على مدى سنوات يمكن أن تحصل اختراقات أمنية وأحداث وصراعات تأخذ الطابع الجهوي والفئوي وهي مخاطر لا يمكن الغاؤها أو التقليل منها. لكن بمنطق التاريخ فإن المجتمع التونسي الموحد أديولوجيا والذي ينبذ العنف والذي كان قادرا على صهر الغرباء والغزاة في نسيجه المجتمعي الخصوصي على امتداد 3 آلاف سنة قد يكون قادرا على ذلك أيضا مع أبناء الوطن الواحد.
منى اليحياوي

تحليل اخباري
من «جبة» بن علي إلى أتون الثورة.. المؤسسة الأمنية بين الموجود والمنشود (1-2(
إن أي مشروع سياسي ديمقراطي ناشئ لا يمكن له ان يتجسم وينجح دون مشروع اقتصادي ديناميكي يقلص رقعة الفقر والتهميش ويمثل "وعدا" لل"معذبين فوق الارض" بتحسين أوضاعهم المعيشية في مستقبل قريب.
وأي مشروع اقتصادي لا بد له أن يرتكز على مناخ من الامن والاستقرار لكي يكتب له النجاح.
ونحن اليوم بعد عامين من الثورة نبدو بعيدين جدا عن مثل هذا الاستقرار، فالوضع الامني ما فتئ يتأرجح بين استقرار نسبي وبين انفلاتات يصغر حجمها حينا ويعظم أحيانا.
ورجل الامن نفسه أصبح يحس نفسه مهددا ومفتقرا إلى الحماية فكيف يمكن ان نطلب منه والحال هذه حماية المجتمع.
خطر داخلي وخارجي
إثر الثورة شهد الوضع الامني هشاشة كبيرة وتعددت مظاهر الفوضى والانفلات داخليا وتعاظم الخطر الخارجي بفعل مطامع التنظيمات الارهابية الناشطة على مقربة من حدودنا في الجزائر أو حتى تلك البعيدة عنها في مالي والنيجر والمرتبطة بتنظيم القاعدة ايديولوجيا أو تنظيميا وزاد الطين بلة الوضع القائم في ليبيا بفعل كميات السلاح الهائلة التي تسربت من مخازن العقيد القذافي والتي اصبحت محل متاجرة من قبل شبكات اجرامية وارهابية داخل ليبيا وخارجها.
فكيف تعاملت السلطة الجديدة في تونس أي تلك المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر مع هذا الوضع المتفجر والخطير لتقود "المركب" الى بر الامان.
وهل نجحت بعد عام من تسلمها مقاليد السلطة في البلاد في الحد من هذه الاخطار داخليا وخارجيا؟
مخزون الحقد
مثل الجهاز البوليسي الركيزة الاساسية لمنظومة قمع بن علي وكانت يده مطلقة في البلاد دون أي حسيب او رقيب ولذلك فان مخزون الحقد ضده انفجر اثر الثورة خصوصا بعد فرار اكثر من عشرة آلاف سجين من داخل السجون التونسية فشهدت مقراته اكبر نسبة من الاضرار بمؤسسات السيادة قدرها وزير الداخلية السيد علي العريض ب%30 (أي حوالي الثلث من التجهيزات والعتاد والمقرات).
وعادة بعد الثورات فان البوليس السياسي هو الذي يكون مستهدفا من مثل هذه المظاهر الا ان الطبقة السياسية في تونس تميزت بحس حضاري واخلاقي يحسب لها، وما حدث لدينا هو ان الاعتداءات على جهاز الأمن وقف وراءها غالبا المنحرفون وذوو السوابق العدلية، مستغلين مناخ الثورة وهشاشة المنظومة الامنية. فصورة المؤسسة الامنية المشوهة اصلا، تلقت ضربات موجعة اثر ظهور ما سمي ب" قائمات العار" وايضا بتراشق اطاراتها ومسؤوليها بالتهم عبر وسائل الاعلام وبظهور ما خفي من قصص التعذيب الوحشية على السطح وبمحاكمة عدد من "أعوان التنفيذ" في قضايا جرحى وشهداء الثورة وكل هذه الاسباب مجتمعة جرّأت المنحرفين على التطاول على المؤسسة الامنية واربكت عملية تحولها تدريجيا الى مؤسسة جمهورية في خدمة الشعب فتعددت الاعتداءات على مقرات الامن ورجاله اذ وصلت الاعتداءات على الاعوان في العشرة اشهر الاولى من سنة 2012 الى حوالي 1300 اعتداء كما دخلت في هذه اللعبة الخطرة التيارات السلفية منذ مارس الماضي لتزيد الطين بلة.
منحرفون و.. سلفيون
ولتقدير طبيعة هذه الاعتداءات واسبابها يجدر استعراض بعض الوقائع على سبيل الذكر لا الحصر ففي شهر فيفري 2012 شهدت مدينة السرس اعتداء مجموعة منحرفين من بينهم سجين سابق تمتع بالعفو في الذكرى الاولى للثورة على عوني سجون وقبلها في اواخر جانفي 2012 تعمد منحرفون بمدينة القطار اقتحام مركز الشرطة والاعتداء على اعوانه بالسيوف والعصي لاطلاق سراح.. بائعتي هوى !
في ماي سقط عون الأمن "جلول العيساوي" المنتمي الى منطقة الأمن ببوحجلة بالقيروان قتيلا بعد أن دهسه منحرف بسيارته انتقاما إيقافه منذ فترة.
وخلال شهر ماي 2012 عرفت البلاد موجة من الاعتداءات السلفية على مقرات أمنية وسيادية ومحلات تجارية (نزل مساحات كبرى حانات الخ...) في عديد المناطق في (سيدي بوزيد الكاف القيروان سوسة الزهراء حمام الأنف جندوبة سقط فيها عشرات من رجال الأمن بين قتيل وجريح.
وقد تميز شهر نوفمبر الماضي بسلسلة كبيرة من الاعتداءات المادية على رجال الأمن خصوصا في العاصمة وأحوازها.
ففي بداية الشهر وقع الاعتداء بدوار هيشر بمنوبة على الرائد وسام بن سليمان رئيس فرقة الأمن العمومي بآلة حادة في رأسه أثناء التدخل لفض نزاع بين سلفيين وبائعي خمر خلسة وتوجهت أصابع الاتهام نحو السلفيين ويوم 13 نوفمبر من نفس الشهر تعرض رئيس مركز الدندان وعونان الى العنف من قبل مفتش عنهم بحي 3 أوت بالدندان بعد أن تحولوا للقبض عليهم اذ تمت مواجهتهم بالسيوف والهراوات والكلاب ووقع افتكاك سلاح أحد الأعوان وفي نفس اليوم تم دهس مسؤول بشرطة المرور النقيب فريد الحمروني من قبل سائق سيارة محل تفتيش وفي نفس اليوم ايضا تعرض رئيس فرقة التدخل السريع بإقليم تونس ايمن بن ابراهيم الى الاعتداء في وجهه من قبل أحد أصحاب السوابق وبائع خمر وذلك بحي التضامن.
والغريب في الأمر، أن مجموعات "سلفية" لا تتوانى عن التظاهر أمام المحاكم أو عن الاعتداء على مقرات الأمن للضغط لاطلاق سراح مورطين في عمليات ارهابية سالت فيها دماء تونسيين كعمليتي الروحية وسيدي علي بن خليفة.
بين الفردي والجماعي
ان مظاهر الانفلات الامني تبلغ احيانا حدودا لا تطاق ولا يمكن ان يقع التسامح معها في دولة قانون ومؤسسات.
فكل اعلان عن نتائج مناظرة، أو قائمة انتداب الا وتتبعه اعمال عنف وشغب تستهدف مؤسسات السيادة وتتمخض عن قطع طرقات فرعية او رئيسية. ففي أم العرائس تم حرق مركز الحرس اثر الاعلان عن نتائج شركة فسفاط قفصة في أواسط شهر أفريل 2012. وفي منزل بوزيان تم يوم 17 من نفس الشهر حجز قطار المسافرين الرابط بين قفصة وصفاقس.
وبعد "مفاوضات" مع السلط المحلية تم تجميع المسافرين في قاطرتين انطلقتا نحو صفاقس بينما حجزت بقية القاطرات التي استعملت ل...غلق السكة الحديدية. وقد قبلت السلط الجهوية والمحلية بهذا الاتفاق !! ومؤخرا خلال شهر جانفي الحالي قام مواطن بغلق الطريق طوال... 5 ساعات كاملة احتجاجا على قطع الستاغ للكهرباء التي كان يسرقها من عمود ضوء عمومي عن كشكه الذي بناه إثر الثورة دون رخصة في الملك العمومي !
ويوم 13 ديسمبر الماضي حدثت أحداث عنف وشغب بجزيرة قرقنة للاحتجاج على إلقاء القبض على.. منظم رحلة حرقان الى ايطاليا ! وبعدها بقليل خلال شهر جانفي الحالي وقع عزل الجزيرة طوال 3 أيام من قبل مراكب الصيد العشوائي ب"الكيس" للاحتجاج حسب أقوال أصحاب المراكب أنفسهم لوسائل الاعلام على تطبيق القانون بصرامة.
مسؤولية من؟
لا بد من الاعتراف بأن السلطة السياسية الجديدة التي تمخضت عنها الانتخابات والتي تقود قاطرتها حركة "النهضة" تتحمل قسطا لا يستهان به من انخرام الوضع الأمني في البلاد.
إذ أنها أسرفت خلال حملتها الانتخابية في الوعود السخية غير القابلة للتحقيق على المدى القصير، كما ساهمت في تأجيج تيار السخط والمطلبية بمسألة التعويضات لسجناء العهد السابق ومشرديه، ولكن قد يكون أكبر خطإ ارتكبته هو تعاملها بمنتهى اللين و"التراخي" ونحن هنا نستعير تعبير بعض وزراء النهضة مع التمظهرات العنيفة للتيارات السلفية والمارقة على القانون.
إذ واصلت، مدفوعة دون شك لحسابات انتخابية لوقت طويل في الترويج بأن ما يقوم به السلفيون يدخل في نطاق الحرية الجديدة التي منحتها الثورة لجميع الحساسيات والأطياف في الوقت الذي تكررت فيه اعتداءاتهم على الاشخاص والمؤسسات ومثلت تهديدا للمصالح الحيوية للبلاد، كنوايا الاستثمار وقطاع السياحة، بل تمسكت بالترويج بمقولة "المؤامرة" الهادفة لاحداث الوقيعة بينها وبينهم، وبدا واضحا جليا أن الملف الأمني في البلاد لا تتحكم في خيوطه وزارة الداخلية حصريا، بل أيضا الحزب "المهيمن" في البلاد.
فوزير الداخلية هدد منذ مارس 2012 على أعمدة جريدة "لوموند" وكرر تهديداته أمام التأسيسي بالتصدي بمنتهى الحزم للاخلالات بالأمن العام مهما كان مأتاها و"تنبأ" بأن المواجهة مع السلفيين وشيكة. كما جدد الوزير في 31 ماي تهديداته، مؤكدا أن من يخربون مؤسسات الدولة سيتم ضدهم تطبيق القانون عدد 4 لسنة 1969 الذي يسمح باستعمال الرصاص الحي بعد استنفاد الطرق الاخرى. وقال ان ذلك ضروري حتى لا تسقط البلاد في الفوضى، إلا أن تهديداته بقيت حبرا على ورق فوقعت بعدها الاحداث الخطيرة بجندوبة والقيروان وسيدي بوزيد وسوسة والزهراء وغيرها، وسقط خلالها قتلى وجرحى دون أن تفرض أي تغيير في سياسة الدولة ازاءهم الى أن "توجت" هذه الانفلاتات بأحداث السفارة الأمريكية الخطيرة، بل لقد بدت على امتداد السنة الماضية، سياسة المكيالين واضحة وجلية وخصوصا خلال أحداث يوم 9 أفريل بالعاصمة، وقد بلغت الانفلاتات تدريجيا درجة من الخطورة دفعت بلدانا عديدة لتحذير مواطنيها من السفر الى تونس.
- يتبع-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.