- إن أهم ملاحظة يمكن لنا تسجيلها في الأعوام الأخيرة بأن القوميين العرب بصورة عامة بعد انتكاستهم الكبيرة بزوال طغاتهم الكبار بدءا بصدام والقذافي وصولا إلى الحالة السورية الموجودة حاليا، وجدناهم يتحولون صوب تركيا، وهو منعطف كبير ومتناقض في نفس الوقت، فلا يمكن أن تستقيم أفكارهم المبنية على القومية العربية مع أفكارتركيا ذات النزعة القومية هي الأخرى والتي تنظر للعرب على إنهم رعايا وليسوا دولا مجاورة لها، وهذا التفكير يجب أن يكون حاضرا. وهذا يعني أحد أمرين تجليا بوضوح في المشهد العربي بصورة عامة منذ زوال الأنظمة الدكتاتورية، الأمرالأول هوأن شعارات القومية العربية والكفاح والنضال، لم تكن سوى شعارات أريد من خلالها ضرب الآخر المختلف فكريا، وعمود كهرباء نصبت عليه المشانق للقوى الوطنية المخلصة لشعوبها والتي كافحت وناضلت من أجل الحرية ، ولمسنا في العراق أن ( الصعود القومي) في حقبة النظام البائد لم تكن سوى حالة أريد من خلالها إقصاء أطراف وأفكار سياسية أخرى موجودة في الساحة العراقية وعلى سبيل المثال لا الحصرالأحزاب الوطنية العراقية التي وجدت نفسها مطاردة من قبل أزلام النظام البائد ، وبعض قواها ومناضليها دفنوا أحياء في مقابر جماعية تكشف زيف شعارات ( القوميين(. المشهد العربي الآن يجد أن البوصلة للكثير من القوميين العرب تحولت صوب تركيا التي ربما يتصور البعض أنها ستدعمهم، لكن الصحيح أنها ستجعل منهم معبرا لتنفيذ مخططاتها لاسيما محاولة الهيمنة من جديد على المنطقة وإخضاعها للباب العالي بطريقة أوبأخرى عبر مناورات عديدة تمارسها أنقرة بشكل هادئ ومدروس. وتركيا لا يمكن أن تكون مناصرة لقضايا العرب وهي التي قبلت بنشرالباتريوت على أراضيها وقد يتوهم البعض بأن الغاية من هذه الصواريخ هي حماية الشعب السوري من طيران بشار الأسد ، لكن الغاية الحقيقية تكمن في تأمين حماية تامة ومستمرة للكيان الصهيوني الذي تعرض مؤخرا لوابل من صواريخ المقاومة الفلسطينية والتي كشفت هشاشة الوضع الأمني لهذا الكيان الغاصب. وهذا ما يجعلنا نقول إن تركيا التي تحتفظ بعلاقات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وتسليحية مع تل أبيب لا يمكن لها أن تناصر قضايا العرب، ولا يمكن لها أن تكون حليفا للأكراد في العراق أو سوريا لأنها بالأساس تضرب يوميا أكرادها بالطائرات والمدفعية وتحاصرهم داخل تركيا، وهذا يعني أنه على الجميع إعادة حساباتهم ومواقفهم من سلسلة المنزلقات الكبيرة التي وقعوا فيها خاصة بعد موجة" الربيع العربي" التي أدت إلى وجود أنظمة سياسية تدور بطريقة أو بأخرى في فلك أنقرة. وما نريد أن نؤكد عليه هو أن فشل الفكر القومي وانحداره لأسفل اهتمامات المواطن العربي ، تجعل البعض يحول بوصلته مع الموجه ويتجه صوب تركيا في محاولة لاستعادة البريق الذي أفل بسبب وعي الشعوب التي أدركت أن الشعارات القومية لم تجلب سوى الدمار والخراب. كاتب وباحث عراقي