صادق مجلس الوزراء المنعقد نهاية هذا الاسبوع على قوانين جديدة متعلقة بإعادة تنظيم عدد من المؤسسات والهياكل ومنها الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولقد جاءت هذه المصادقة ترجمة لقرار رئيس الجمهورية بدعم صلاحيات الهيئة واثراء تركيبتها ومنحها مجالات أكبر للتحرّك والنشاط في سياق التعهّد الذاتي بقضايا ذات ارتباط بحقوق الإنسان والحريات العامة بالإضافة الى تمكين الهيئة من صفتها المستقلة اداريا وماليا بما سيضفي على حضورها ضمن المنظومة الحقوقية التونسية مزيدا من المصداقية والنجاعة. والحقيقة فإن هذا القرار يرتقي الى مستوى اعلان ولادة ثانية للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية جاء ليجسّد النهج الإصلاحي التدريجي الذي ما فتئت تنتهجه تونس انسجاما مع رؤية الرئيس بن علي الخاصة بالتمسّك الثابت بدعم منظومة حقوق الإنسان في تونس وفق تدرّج هادىء ورصين يضمن الثبات والنجاعة والوقاية من الانتكاس او الارتداد الى دوائر مثبطة ومعطّلة يتقاطع فيها الحماس لقضايا حقوق الإنسان بانحرافات مخلّة تصطدم مع مفاهيم مثل السيادة الوطنية والخلط بين الحقوقي والسياسي او تحوّل قضايا حقوق الإنسان الى أسهم للمضاربة او الابتزاز. لا أعتقد أن هذا التطوير في عمل الهيئة وصلاحياتها جاء لتعويض عمل رابطة حقوق الإنسان واختصاصها بالرغم من ان التدافع في مجال خدمة قضايا حقوق الإنسان في بلادنا مسألة ايجابية توفر أكثر من باب واحد مفتوح امام طلاّب الحقوق والعاملين في مجال الدفاع عنها وبالتالي تدعم كما هو مطلوب الضمانات الواقعيّة لحماية حقوق من تعرّض للتجاوز او الانتهاك. لا يمكن للهيئة أن تعوّض رابطة حقوق الإنسان رغم ان ازمة هذه الأخيرة قد طالت دون موجب مقنع بالنظر للمقترحات البنّاءة التي تم تقديمها للهيئة المديرة للرابطة وعودة قنوات التواصل في أجواء من التفاعل الإيجابي الذي يخدم مصلحة الجميع ويسدّ الأبواب أمام كل من لا يملك مصلحة في غلق ملف ازمة الرابطة وهؤلاء إما يوجدون كتيارات سياسية متواجدة ضمن الهيئة المديرة والفروع او كأشخاص محدودي الأفق يدّعون الدفاع عن رؤية السلطة بينما هم يضعون قدراتهم (التي لاتتجاوز الجرأة على البذاءة والشتيمة والوشاية) في صف الاستماتة في الدفاع عن مكاسب الوطن المختزلة في حدود المغنم الشخصي الهزيل جالبين لأنفسهم حالة اجماع نادر كموضوع للاستهزاء والنفور والاحتقار وهم والحمد لله حالة جمع نفسية مختزلة في صيغة فرد لايمكن ان تشوه أبدا تجربة تجمعيين ودستوريين محترمين او مستقلين قريبين من السلطة او رابطيين مختلفين مع الهيئة المديرة الحالية يطالب جميعهم بالحق في أن تكون الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان رابطة الجميع دون اقصاء او استثناء. لقد اجتهد رئيس الهيئة العليا الاستاذ منصر الرويسي لتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء الرابطيين بما يؤكد التوجّه الايجابي الذي لايزال ينتظر تفاعلا ايجابيا من طرف الهيئة المديرة للرابطة حتى يتم تجاوز هذا الملف الذي يكاد يحوّله البعض الى نفس درجة استعصاء المأزق السياسي في لبنان!!! أود أن أخص رئيس الهيئة العليا أستاذي منصر الرويسي بالتهنئة على المرحلة الجديدة التي فتح أبوابها القرار الرئاسي لفائدة الهيئة وهو الذي شكل تعيينه من قبل سيادة الرئيس على رأس الهيئة مرحلة تحوّل نوعي في نشاطها ونسق عملها وليكن ذلك رميا مباشرا للورود أدرك جيدا انه لابد سيحرج شخصا مثل السيد منصر الرويسي بروحه المتواضعة وقناعاته الديمقراطية وولائه لنهج وقيادة الرئيس بن علي ولكن لا بأس أحيانا أن نقول كلمة طيبة في حق أشخاص يستحقونها. قبل ان اختم ومادام الموضوع حقوقيا لابد لي ان ألفت الانتباه الى وضعية بعض الطلبة الذين تم ايقافهم منذ مدة على خلفية بعض الأحداث التي وقعت بمطعم جامعي بمدينة سوسة وتم الإحتفاظ ببعضهم للمحاكمة بتهم تتعلق بدعوى تقدم بها ضدهم ديوان الخدمات الجامعية بالوسط بعد ان قاموا بتوزيع الأكلة مجانا طيلة ايام على زملائهم لألتمس إطلاق سراحهم بغض النظر عن الأخطاء المرتكبة في مثل اجواء الاندفاع الطلابي الذي عايشته اجيال عديدة منها من يتحمّل الآن مواقع المسؤولية بحيث لا نجعل زلة قدم تقضي على مستقبل طالب اندفع في لحظة احلام شباب ثائر يتوهم اعادة انتاج كومونة باريس داخل مطعم جامعي!! الذين يتلفون تجهيزات الملاعب يجدون من يدافع عنهم ويلتمس لهم العفو فكيف بنخبة مستقبل البلد.. طلبتها.. حتى لو ذهبت بهم احلامهم الثورية بعيدا.. أرجو من ديوان الخدمات الجامعية للوسط سحب دعواه في حق طلبة سوسة وليسجّل خسارته ايام الأكلة المجانية المتمرّدة في المطعم الجامعي على حساب الفرحة بفوز النجم الساحلي بكأس افريقيا!! ما أجمل ان نكون أقوياء.. ونبلاء أيضا!!