قال بديع الزمان وهو يحطّ الرحال في تونس: «لقد تغيرت الأحوال في هذه البلاد الخضراء، وأصبحت مسالكها عرجاء، وبات شيوخ عشيرتها يخبطون خبط عشواء.. فلا هم قادرون على أن يكونوا حكماء.. ولا هم مهتمون بشؤون الرعية البؤساء. قلت: ولماذا كل هذه الغوغاء؟ قال «لأنهم ظلوا السبيل وتمسكوا بالقشور.. وبات كل منهم يغني على ليلاه ولا يعبأ بالواقع وما يراه، بل يسعى للوصول إلى الكرسي وسط سباق محموم يغلب عليه التدافع والهجوم قلت: «وما سرّ هذا الذي يجري في بلد الاعتدال؟ قال: « هبوب رياح شرقية.. وركوب البعض من الأيمة على القضية.. والتدخل في شؤون الرعية لطيف لا يملك من الفقه سوى قشور دينية.. والزيغ عن مشاكل البلاد والعباد الحقيقية. قلت: «وما الحل حتى تنار السبل.. ويعود الجميع إلى أفضل حال؟ قال: «يحتاج الأمر إلى حسن التدبير.. وإلى عقلاء يدركون المصير.. ويبجلون المصلحة العامة على القبيلة.. ويدركون أن الحيلة في ترك الحيلة. قلت: «يا بديع الزمان هل مررت بكل الأطياف واطلعت على حال الرعية في القرى والأرياف؟» قال: «كانت لي هناك محطات استراحة اكتشفت فيها من الغبن والخصاصة ما يبعث عن عدم الراحة.. فالناس هناك بائسون محتاجون وبالكاد بلقمة العيش ظافرون.. لكنهم على الرغم من ذلك صابرون وفي غد أفضل يأملون.