في كتاب صدر بباريس سنة2010، قال إن الوضع في تونس ينتظر شرارة لاندلاع الثورة وسقوط النظام، وفي كتاب صدر بتونس قبل انتخابات المجلس التأسيسي حذر من التحديات الخطيرة التي تحدق بتونس والتي نعيشها اليوم، كما كان أول من دعا قبل 8 أشهر، إلى تكوين لجنة حكماء للخروج من الأزمة الراهنة. محدثنا السيد صلاح الدين الوسلاتي، الدكتور في الإتصال السياسي من جامعة باريس 2 ودكتور في الإقتصاد والتنمية الدولية من جامعة السربون، بات يحذر اليوم من انفجار الوضع قبل أو عند إعلان نتائج الإنتخابات المزمع تنظيمها في سبتمبر المقبل، حتى أنه "يغرد خارج السرب" ويعارض تنظيمها ويقترح تصورا آخر غير حكومة "تكنوقراط" التي دعا لتشكيلها رئيس الحكومة حمادي الجبالي. التقته "الصباح" للاستدلال على رأيه في الوضع السياسي الراهن فكان الحوار التالي: -هل تعتقد أن مبادرة رئيس الحكومة حمادي الجبالي تشكل حلا للأزمة السياسية الراهنة؟ لا أعتقد البتة أن حكومة "التكنوقراط"، ستحل الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ أسابيع طويلة أو حتى أشهر. حالة الإنتظار هذه، عفنت الوضع السياسي والإجتماعي ثم الإقتصادي الذي بات يهدده الإفلاس. والأخطر أن انعكس ذلك على أمن البلاد. يوم الاغتيال الفظيع الذي تعرض له الشهيد شكري بلعيد، أراد رئيس الحكومة بصفة افرادية ودون استشارة حزبه، الإعلان عن تكوين حكومة تكنوقراط، استجابة لطلب المعارضة الملح في ذلك. كان يخشى على تونس وعلى حركة النهضة من انفجار الوضع، وفي كلتا الحالتين هو محق ومنطقي أن أعلن هذا القرار من زاوية ضيقة فقط، وحتى متسرعة.علينا أن نسأل سؤالا واحدا فقط، هل فعلا ستنفرج الأزمات سابقة الذكر بإعلان هذه الحكومة ؟ لا أعتقد ذلك البتة: أولا/ إن تنصيب وزراء لمدة 8 أشهر هي مدة غير كافية لفهم شؤون الوزارة واستنباط مشاريع واتخاذ قرارات من شأنها أن تحقق انتظارات شعب مل وكلّ الوعود. ثانيا/ سوف لن تكون لدى الوزير ميزانية كافية في ضوء محدودية الإمكانيات المالية الحالية وتعطل الآلة الإقتصادية عن الإنتاج. إذن هم وزراء شبه صوريين على رأس وزارات تضم جيوشا من الموظفين في حالة انتظار وتغيب مستفحل دون انتاجية تذكر. سوف لن يتمكن الوزير حتى من فرض الحضور والعمل على ضوء الفوضى الوطنية المسيطرة على البلاد حاليا. والأخطر من ذلك أنه زيادة على تعفين الوضعين الإجتماعي والإقتصادي بعدم التمكن من تلبية الرغبات الملحة للمنتظرين، فإنه سيدفع الأحزاب السياسية إلى التفرغ التام إلى النشاط السياسي التعبوي في العاصمة وداخل الجهات على حساب المنافسين باجترار المواقف وأسباب الأزمات والقاء المسؤوليات وتبادل الإتهامات والفشل. والنتيجة أن تزيد النقمة في صفوف منخرطي هذه الأحزاب، لكن في النهاية على أوساط الشعب، ثم هذا الإحتقان سيفجر حالات من العنف لا محالة، قد يبلغ الحرق والنهب، خلال الحملات الإنتخابية في غياب قوانين تنضم التمويل السياسي واستعمال وسائل الإعلام السمعية -البصرية، ثم يشتد العنف والفوضى (إن أمكن فعلا تنظيم انتخابات) يوم الإقتراع بتبادل الاتهامات بخصوص عمليات تدليس وتجاوزات و قد ينفجر يوم الإعلان عن النتائج. - هل تكون هذه الإنتخابات حلا للأزمة؟ ليس ذلك رأيي اطلاقا. "النخبة" السياسية والشعب ليسوا جاهزين الآن للانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. أي قبول نجاح المنافس أو "العدو" وقبول الهزيمة الذاتية. لا أعتقد ذلك البتة. رأينا ردود فعل الأحزاب التي لم تنجح في انتخابات 23 اكتوبر من الأيام الأولى، كيف كانت شديدة الإنتقاد حتى وان كانت محقة في ذلك أحيانا، لكن كان على حساب المصلحة الوطنية. لقد انقسمت البلاد اليوم، وللأسف، إلى تونس دينية وتونس "لادينية" حتى لا نقول "ملحدة"، وكل طرف يعلن عداءه للطرف الآخر. نرى ذلك في الجهات والأحياء والمؤسسات التربوية والإدارية وحتى داخل العائلات. لم أنتظر أن تبلغ تونس كل هذه الكراهية بين أفراد مجتمعها الواحد. وهذا الإنقسام قد يقع التعبير عنه بكل تلقائية ونقمة عند إعلان النتائج. وهل الوضع الأمني مستقر للسيطرة على التجاوزات؟ لا أعتقد ذلك مهما كان حجمه ووطنيته. وقد رأينا ذلك في مرات عديدة، كيف غمره اندفاع العنف وشل حركته. ولا ننسى معطى آخر خطيرا، بل الأخطر، وهو وجود، وربما انتشار، السلاح في بلادنا. إنه الآن مخفي ينتظر فرصة استعماله لما تعم الفوضى. ويكفي أن تحدث جريمة حتى يقع الرد عليها وتنطلق حينها آلة الإنتقام المتبادل، ومختلف الحروب الأهلية في العالم انطلقت من أحداث فردية! ثم ان التونسي أصبح بمقدوره صنع السلاح ووسائل التفجير. فهل ننتظر انفجار السيارات المفخخة في الأسواق والأماكن العامة... حتى نعي خطورة الوضع الحالي وإلزامية تجنبه؟! يا أبناء تونس عوا خطورة المرحلة وإلا.. لماذا نريد الوصول بتونس إلى هذه الحالة المأساوية لنا ولأبنائنا في حين لنا امكانية انقاذ سهلة وناجعة تزيد في انبهار العالم بنا. ألا وهي تجميع الفرقاء للنقاش البناء ثم الخروج بحكومة من بين جميع الأحزاب التي لها وزن (على الأقل الآن).. لي تصور متكامل منقذ للبلاد. إن مشاركة الحزب في الحكومة ستجعله معنيا بعملها وبنجاحها وبالتالي سيحصن الوزير، وبالتالي الحكومة، وسينعكس ذلك على العمل الجماعي ثم على الشعبي وعلى الإقتصادي بالتأكيد. فيعود الأمن وينطلق عمل بناء المؤسسات الدستورية التي ننتظرها لتكون فوق الأحزاب، وللجميع. - من سيكون المسؤول إذا ما وصلت تونس إلى هذا الوضع ؟ إنها الأحزاب التي ترفض هذا التوجه لأنها في حالة استعجال قصوى للوصول للحكم. هي معنية ببلوغ الكراسي أكثر من انقاذ البلاد او تعتقد أنها هي القادرة وحدها على انقاذها، وهو أمر مستحيل بعد ثورة جزأت المشهد السياسي في البلاد. وما لم تفهمه هو أنها بهذا التوجه سوف لن تبلغ الكراسي ولن تحقق حتى الأمن لها. إنها هي نفسها سيتكون مستهدفة بالعنف، لم أفهم قط قصر بعد نظر هؤلاء من السياسيين وأشباه السياسيين كيف أنهم مستعدون للتضحية بتونس وبوطنيتهم لبلوغ كرسي الوزارة والسلطة! إن لم يفهموا هذه الخطورة فإن الشعب الصامت والمجتمع المدني عليه بالتدخل والتعبير والدفاع عن حرمة البلاد قبل فوات الأوان. ماذا ننتظر ؟! لجنة حكماء -كنت أول من دعا إلى تكوين لجنة حكماء للخروج من الأزمة منذ أشهر عديدة، كيف تفاعلت مع قرار تكوينها؟ شكرا على الذاكرة لأني ألاحظ أن التونسي وحتى السياسي لهما ذاكرة قصيرة على حد السواء، لقد دعيت إعلاميا إلى هذه اللجنة لإخراج البلاد من المأزق من جوان الفارط لكن ليست بالشكل المقترح من قبل السيد حمادي الجبالي . ألححت أولا على انتقاء أعضائها وأن يكونوا محل اجماع قبل بداية عملها، ثم ضرورة ان يكون عملها مستقلا وذا مصداقية عند تقديم مقترحاتها، كما إني ركزت على أن تتصل بمختلف "الإخوة الفرقاء" للاستماع إلى آرائهم (الإتفاق والإختلاف بين بعضهم) وفي النهاية تقدم مشروعها للخروج بالبلاد من الأزمة الخطيرة ومن ذلك تشكيل حكومة ائتلافية، وبهذه الطريقة لها مسؤولية وطنية وتاريخية أمام الشعب بأسره على كل حال أتمنى لها التوفيق في أعمالها لأن المرحلة تفرض مشاركة الجميع في مجهود الإنقاذ. -كيف ترى المرحلة المقبلة؟ إني أخشى أن يذهب في اعتقاد النهضة من أنها وصلت للحكم عن طريق صناديق الإقتراع، أي الديمقراطية، أي رغبة الشعب. ورأت، اعتمادا على تجربتها، أنها "منبوذة" من قبل جزء من السياسيين ومن الشعب الذي اندفع في مقاومتها والنتيجة أن ولدت لديها رغبة جديدة (أو قديمة)، في التشبث بالحكم مهما كان الثمن، للمزيد التغلغل والدفاع عن سلطتها ولو بالعنف. في المقابل أخشى كذلك، أن يذهب في ذهن الأحزاب السياسية ذات القاعدة غير الدينية من أن النهضة أعطت الدليل لأنها فشلت في ممارسة السلطة، وأنها تعبر باستمرار عن رغبتها في التغول والسيطرة بكل الطرق عن الحياة السياسية في اتجاه نمطي قريب من الأنموذج السلفي وبعيد عن النمط المدني الوسطي التونسي. لذلك وعلى ضوء هذا الضعف الواضح بعد اغتيال المناضل شكري بلعيد، إنها الفرصة التاريخية لعزلها (حسب رأيها) من السلطة بالانتخابات ثم بفرض النتائج. وفي ضوء هذين التوجهين المتناقضين والمتصادمين، لا يريد أي طرف التعامل سياسيا مع الطرف الآخر. كل واحد في "منطقه" وغير مستعد للتنازل ويرى الوصول إلى مبتغاه بكل ثقة، حسب رأيه، وهذا ما نلاحظه اليوم. وجوابي على هذا الشعور البطين أنه سيدفع بتونس إلى المجهول،إلى العنف.. لأن الشعب في حالة هيجان يحركه في ذلك الفقر والبطالة وفقدان الأمل في المستقبل، ويفتش عن "متهم رمز" (coupable Symbolique) لينهال عليه، لذلك فإن المرحلة خطيرة جدا إن لم يتدخل العقلاء. وكمراقب إني ألاحظ كثيرا من المراهقة السياسية على مستوى الخطاب والفعل السياسي من جانب النخبة السياسية في البلاد، فهناك خلط كبير بين أن تكون رجل سياسية ومعارض سياسي، سواء في عهد بورقيبة أو بن علي أو ما بعد الثورة. هناك بعض الأفراد لا يشعرون بالمتعة والتوازن النفسي إلا بمجرد المعارضة، بل ذلك يبرر وجودهم أصلا.