- أكّد سعيد المشيشي كاتب الدولة لدى وزير الداخلية في حوار ل"الصباح" على هامش المجلس الوطني لحزب التكتّل الذي انعقد الأحد المنقضي بصفاقس على أنّ تحدّيات أمنية كبيرة يعيشها اليوم رجل الأمن في ظل الاحداث التي تعيشها بلادنا وبروز مشهد جديد تمثل في بعث نقابات الأمن وما تتطلبه المؤسسة الأمنية من جهد كبير للإصلاح في إطار مقاربة تشاركية لا تقتصر على الأمنيين فقط بل تستوجب جهد المجتمع المدني والسياسي والحقوقي والنقابي والمواطن العادي. وفي ما يلي نص الحوار: * هل تقدّم البحث بخصوص حادثة اغتيال المناضل شكري بلعيد؟ بعد وفاة الشهيد شكري بلعيد كنّا ننتظر يوم الجنازة يوما صعبا جدّا واستطعنا أن نسيطر ونحمي البلاد من مخاطر ذلك اليوم المشهود، وهذه الوفاة حدث جلل تزامن مع الإضراب العام ولا يمكن مقارنة الأضرار التي حصلت يومها بما شهدته بلادنا من أحداث يوم الإضراب العام ل26 جانفي 1978 وهو ما يؤكّد وجود عمل كبير على مستوى التخطيط والانتشار والقيام بالمهام بحرفية والأداء الأمني يتحسّن رغم أنّه لا يوجد إقناع تامّ للشعب وزرع الطمأنينة على الوجه الأكمل ونحن نسعى إلى أن تعالج الامور في اغتيال شكري بلعيد على المستوى القضائي البحت. وزير الداخلية علي العريض أذن بتشكيل لجنة في كلّ الاختصاصات لمعالجة هذا الملف والبحث فيه بدقة وسرعة ونجاعة في إطار متابعة يومية مع تجاوز كل ما هو بيروقراطي وتذليل للصعوبات مع وضع كل الإمكانيات على ذمة هذا الملف الذي تقدّم أشواطا وسيتمّ الإعلان عمّا وصلت إليه الامور في الايام القادمة لأنّنا كوزارة الداخلية مطالبين بإنارة الرأي العام كلما تسنّى ذلك. * فيم تتمثل الرسالة الأمنية لرجل الأمن؟ العقيدة الأمنية في مفهومها هي مجموعة القيم والمبادئ الجديدة التي يلتزم بها رجل الأمن عند أدائه مهامه وهي مسألة تشترط دسترة المؤسسة الأمنية باعتبارها مؤسسة لم تكن منصوصا عليها في الدستور بصفة واضحة ولم تكن منصوصا عليها في أهم مبادئها. والخطوة الأولى اليوم في التأكيد على أنّ المؤسسة الأمنية تتمثل في أمن جمهوري محايد هي مسألة هامة جدّا لأنه لا يمكن بعد التنصيص على هذا المبدإ أن نعود إلى ما كان يمارس من قبل ألا وهو توظيف المؤسسة الأمنية لفائدة حزب أو شخص أو عائلة أو ما إلى ذلك بمعنى أن يكون الأمن في قيمة الوطن والمواطن. * ما هي أهمّ الثوابت التي سيعتمدها الأمن الجمهوري المحايد؟ المسألة هي على غاية من الوضوح بالنسبة إلينا اليوم وهي أنّ رجل الأمن سيطبّق القانون مع الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة لأنه لا يمكن أن نتحدّث عن مؤسّسة خارج إطار القانون وهذه المنظومة القانونية هي في واقع الأمر موجودة لكن لا بدّ من العمل على تحويرها وإعادة النظر فيها، ومفهوم قمع الحرية وضرب الحقوق هو مربّع لا يجب أن نعود إليه. * ألا ترون بأنّ خطوات الإصلاح بطيئة نوعا ما؟ الإصلاح هو مسار وليس خطوة أو بعض إجراءات سيتمّ إنجازها وينتهي الأمر في سنة أو سنتين والإصلاح ينطلق من دسترة المؤسّسة الأمنية، وما سيقع تثبيته بخصوص المسألة الأمنية من مبادئ في مستوى الدستور يعتبر خطوة أساسية وتاريخية للأمن ومكسبا للبلاد ذلك بأننا سنجد في الدستور أهمّ المبادئ الواجب الالتزام بها ومراعاتها في أيّ نص وأيّ قانون، وأي قرار يُتخذ يجب أن يكون متماشيا مع أحكام الدستور. * تحدّيات عديدة تواجه المؤسسة الأمنية في ظل محدودية الموارد وما يقتضيه عمل رجل الأمن بخصوص ضبط النفس والتدرّج في استعمال القوة على الميدان فكيف تفسّرون ذلك؟ المرحلة الانتقالية لا يمكن أن تكون خارج إطار ومقتضيات الراهن بمعنى أن هناك مسائل مستعجلة علينا النظر فيها والعمل على معالجتها وعلى رأس هذه المسائل تعبئة ودعم قدرات المؤسسة الأمنية هذه المؤسسة التي أصبح مطروحا عليها اليوم الكثير في ظل الاحتجاجات والرقم القياسي للتحرّكات والأنشطة والمظاهرات وهذا الأمر كثيرا ما تحصل فيه انفلاتات. مطلوب من المؤسسة الأمنية أن تعالج هذا الأمر وفي غياب القدرات لا يمكن التعامل مع هذه الأوضاع الصعبة هذا إلى جانب التحديات التي نعيشها على مستوى الحدود والجميع يعرف الوضع الصعب الذي تعرفه البلاد إلى جانب الحرب في مالي والأوضاع في ليبيا ومسألة الهجرة السرية وما تقتضيه هذه المسائل من معالجات إلى جانب وجود الجريمة المنظمة التي يجب أن ننتبه إليها والعمل عليها. ذلك كله ملقى على عاتق رجل الأمن الذي بات مطلوبا على أكثر من واجهة وهي وضعية صعبة ودقيقة تقتضي جاهزية كبيرة للأمنيين ولو لم يكن هناك عمل كبير على هذا المستوى لكانت الأوضاع صعبة جدّا وكانت أسوأ وأعمق وأنها تضرّ بمصالح بلادنا وشعبنا في هذه المرحلة.. كما يتم توفير ميزانية ضخمة وعتاد وتجهيزات كبيرة في هذا الإطار. ضبط النفس والتدرّج في استعمال القوة لم يكن موجودا لدى رجل الأمن مثلما هو موجود الآن، بقي أنّ التحدّي كبير جدّا والوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفكري والإيديولوجي كله متداخل ويؤثر على الأداء الأمني ولا سيّما حين يكون الوضع محتقنا في ظل غضب الناس على الأداء الحكومي. في ما يتعلق بمسألة التشغيل والإنجازات على مستوى البنى التحتية التي لم تتحقق، سيؤثر ذلك على عمل المؤسسة الأمنية التي ليست وحدها المسؤولة عن فرض الأمن بل هناك دور السياسي والحقوقي والنقابي والمواطن العادي وكلما اختلت الأمور على هذه المستويات إلا وأثر ذلك على العمل الأمني. * ما الجديد بخصوص مسألة التكوين والتدريب والجانب الاجتماعي على مستوى المؤسسة الأمنية؟ الرأي العام لا ينتبه كثيرا إلى مسألة التدريب والتكوين وهناك مواد تخص حقوق الإنسان والانتخابات والتواصل مع المواطن ومحاولة إيجاد مواد جديدة لم تكن تدرّس في المدارس الأمنية. نحن بصدد العمل عليها بانتظام مع المنظمات الدولية والخبراء والأخصائيين في المجال وهو أمر يقتضي متابعة وتقييما. هذا إلى جانب الإحاطة بما هو اجتماعي ومهني وحقوق عون الأمن لأننا لا نستطيع أن نتقدّم في هذه المرحلة إذا كان عون الأمن لا يتمتع بأجر محترم ورعاية اجتماعية وهناك تقدّم في هذا المستوى من الوضع المهني لعون الأمن الذي يعتبر ما يتمتع به قليلا بالنظر إلى المجهودات التي يقدّمها، والعمل يتقدّم في هذا المجال على الرغم من الإكراهات المالية ورغم ما حصل من زيادات في سنة2011 و2012 ونحن نفكّر في زيادة أخرى. * مشهد جديد عرفته المؤسسة الأمنية يتمثل في بروز نقابات الأمن. كيف تتعاملون مع هذا الوضع الجديد؟ هناك إرادة سياسية واضحة في تشريك النقابات الأمنية اليوم في نهج الإصلاح وتطوير المنظومة الأمنية والوضع الاجتماعي للأمنيين. لكن مثلما يعرف الجميع فإنّ العمل النقابي له خصوصياته في هذه المؤسسة التي لا يجوز الإضراب فيها وذلك في مختلف أنحاء العالم وكتجربة جديدة نحن نسعى إلى تطويرها في ظل مقاربة تشاركية وضروري أن تشمل المجتمع المدني والنقابات الأمنية بحكم أنه لأوّل مرة في تاريخ تونس تواجه المنظومة الأمنية مثل هذه الظروف في ظل القدرات المحدودة. لولا الإرادة الكبيرة التي يتمتع بها رجال الأمن المشرفين على القطاع والتضحيات الجسيمة ما كان يمكن لنسيطر على الوضع مع ما نشهده من وجود جماعات محسوبة على التطرّف تهدّد أمن البلاد أو على مستوى الحدود. وهنا لا بدّ ان نثمّن دور الجيش الوطني الذي نقوم معه بعمل مشترك نقدّر فيه جميع الجهود التي يقدّمها وتقوم بها المؤسسة العسكرية، وهذا الحراك يجب أن نتعامل معه وفق ما يقتضيه القانون وقواعد حقوق الإنسان رغم الانتقادات الموجّهة للأمنيين. حاوره: صابرعمري