" الشعب جاع".. هكذا لخص أحد المواطنين أزمة التونسيين، خلال زيارة حمادي الجبالي رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس الأول لسوق الجملة.. قال الرجل هذه الكلمات من أعماقه ثم صمت، لأنه لا أحد استمع إلى كلامه وسط صراخ المهللين بحياة الجبالي والداعين إلى تأبيد سلطة النهضة.. لكن تعبيرة "الشعب جاع"، هي جوهر الموضوع الذي يجب أن تنكب عليه الحكومة المرتقبة، وتعمل على حله، ويجدر بالإعلام والمجتمع المدني والنخبة الانتباه إليه.. فالثورة التي أريقت فيها دماء المسحوقين والمهمّشين والمعطّلين، كان من المفروض أن يجني هؤلاء، قبل غيرهم، ثمارها.. وكان من المفروض أيضا بعد مرور سنتين كاملتين من هروب مصّاصي دماء الشعب، ومصادرة ممتلكات الفاسدين، أن تكون القدرات الشرائية للمواطن قد تحسّنت، وأن تكون فرص وصوله إلى خيرات بلاده قد زادت، لكنّ الواقع غير ذلك.. فقد أصبح الفقراء أكثر فقرا.. ومن انتفعوا بحصاد الثّورة هم النخّب السياسية والاعلامية والفكرية.. فالسّاسة وصلوا إلى الكراسي الوثيرة والقصور الفاخرة والنزل والسّيارات والطائرات.. والاعلاميين تخلّصوا من الألجام وأصبحوا بقدرة قادر ناطقين، أما المثقفين فقد وجدوا مناخا خصبا ومغريا للتنظير.. بقي "الزّوالي" ينتظر، وطال انتظاره، وملّ هذا المسكين وكلّ، وسئم من طلعات السّاسة عليه في كلّ حين من الشاشة والمذياع والصحف الورقية والالكترونية. وهو يقول لهم وقد أدمى الوجع قلبه على هذا البلد: "لا تهمّني صراعاتكم يا أيها اللاهثون وراء الكراسي والراغبون في التأبيد في السلطة في أي شيء.. ولا يعنيني من منكم في الحكم ومن منكم في المعارضة.. ومن منكم بين البينين.. ولا أهتم بمشاحناتكم، وخصوماتكم، ولا أبالي بمن هو متديّن منكم ومن هو علماني ومن هو حداثي ومن هو لائكي ومن هو "متفرنس"، ولا من هو "متخونج"، ولا حاجة لي بأن أعرف من هو وفيّ لحزبه وقائمته الانتخابية وكتلته وقائده ومن هو خائن، بل أريد "خبيزة" و"شكيشيكة".. لقد جاع الشعب وأصبحت الأمعاء خاوية.. لكن "جماعة الشرعية" بحكومتهم ونوابهم منشغلون عنه بصراعاتهم الحزبية، سباب وشتائم.. تكفير.. وتخوين على الهوى.. هذا يصيح وذاك يصيح ولا أحد من الذين يتضوّرون جوعا يعلم من هو الصحيح.. جاع الشعب ونخبه السياسية تتجادل منذ سنة وثلاثة أشهر في المجلس الشرعي، ولم ترسي على قرار.. جاع الشعب ونوّابه الذين وصلوا إلى تلك القبة بفضل "حبره الانتخابي"، لا يبالون بالأسعار التي حلّقت في السماء عاليا، ولا يهتمون لمن يفترش الأرض وينام على قارعة الطريق وفي المحطة الواقعة على قاب أمتار قليلة من تلك القبة الشرعية، ولا لآلام المرضى الذين لا يجدون مالا لاقتناء الدواء ويموتون بأوجاعهم. لقد جاع الشّعب والإعلام، المجوّع، مازال كعادته يلهث وراء السّاسة ليسلّط عليهم الأضواء ويزيدهم شهرة على شهرة ويصنع منهم نجوما، وأبطالا ليمهّد لهم الطريق ويعبدها لسياراتهم الفاخرة في اتجاه القصور الرئاسية والحكومية والبرلمانية. متناسيا أهمّ أدواره وهو أن يكون صوتا للمحرومين والفقراء. جاع الشعب، ونخبه الفكرية تترنّح من شدّة الصّدمات السياسية التي تتلقاها الواحدة بعد الأخرى.. ومن كثرة السّهر والسمر على "الفيس بوك"، ومن شدة التعب من التنظير.. لكل هؤلاء يقول الفقراء: "كفوا عن الكلام.. وهاتوا الحلول لقفّتي اليومية، فأنا لا أستطيع أن أستوعب ما تقولون والبطن خاو من الجوع".