بقلم الأستاذ أبولبابة سالم صراحته قاسية على البعض , صارم في مواقفه, لا يعرف المجاملة , واضح و دقيق في كلامه , ذلك هو المناضل محمّد عبّو الذي عرفته سجون بن علي و آلته القمعية بسبب كل تلك الصفات التي ذكرنا. التصريحات التي أدلى بها على موجات إذاعة موزاييك يوم الخميس الفارط في برنامج " ميدي شو" كانت صادمة لحفنة الإنتهازيين الذين ملؤوا الساحة ضجيجا في الفترة الأخيرة حول موعد 23 أكتوبر , بل و الطريف { و ما أكثر الطرائف في بلدنا في المدّة الأخيرة } أن هدّد البعض بثورة ثانية منذ ذلك التاريخ بدعوى انتهاء الشرعية و فترة التفويض الممنوحة للمجلس الوطني التأسيسي لكتابة الدستور التي قالوا أنّها محدّدة بسنة واحدة . . السيد محمد عبّو سخر من بعض السياسيين و رجال القانون الذين يقومون بتعبئة الناس للتظاهر و إنهاء شرعية السلطة الحالية المنتخبة و قال إنّ 90 بالمائة منهم تجمّعيون أما بعض أساتذة القانون فقد ساهموا في التعديلات الدستورية التي كان يقوم بها بن علي لتأبيد حكمه و اليوم أصبحوا ثوريين , و يقومون بمغالطات كبيرة لطمس الحقائق فتبدو خلفياتهم الإيديولوجية غير خافية على أحد . إنّه من البديهي لمن يدرس في السنة الأولى حقوق أنّ المجلس الوطني التأسيسي هو سيّد نفسه وهو الوحيد الذي بإمكانه تحديد السقف الزمني لعمله وهو أعلى سلطة و أقوى من البرلمان. لكن بعض رجال القانون في بلادنا قد آثروا الدخول في سوق المناورات السياسية و الصدام مع خصم إيديولوجي لأسباب سياسية لا علاقة لها بالقانون . إنّ التصريحات التي أطلقها الأستاذ الصادق بلعيد و الأستاذ عياض بن عاشور ليست بعيدة عن هذا السياق وهي محاولة لتوتير الأجواء المتوتّرة أصلا , فلفائدة من إثارة مثل تلك المواقف المتشنّجة التي لا تليق بمكانتهم و أعمارهم ؟, أليس من الحكمة أن يكونوا أكثر اتّزانا و عقلانية في مواقفهم و يراعوا مصلحة البلاد بعيدا عن التوظيف السياسي ؟. أمّا البعض ممّن فاتتهم الشجاعة قبل 14 جانفي من التجمّعيين السابقين الذين تواروا عن الأنظار لأشهر خوفا من العقاب ثمّ أطلّوا علينا اليوم بكل وقاحة { و تلك مسؤولية الحكومة لأنّها لم تكن صارمة من البداية مع الفلول} ليهدّدوا بثورة ثانية يوم 24 أكتوبر و معهم بعض الثورجيين الذين ليس لهم أي برنامج سوى العنف الثوري و الشعارات{ مع احترامي الشديد للتاريخ النضالي للحزب الديمقراطي التقدمي و أيضا لحزب العمال و زعيمه المناضل حمّة الهمامي} فقد كان ردّ السيد عبّو واضحا فقال " إنّ الذين ينادون بثورة ثانية هم الذين قامت عليهم الثورة من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي " . يعلم الأمين العام للمؤتمر من أجل الجمهورية جيّدا من كان في سنوات الجمر في الصفوف الأولى لمحاربة الدكتاتورية و من اختبؤوا في جحورهم أو اقتاتوا من فتات موائد الإستبداد . تلك الأيام الصعبة كانت الفرز الحقيقي لمعرفة معادن المناضلين الحقيقيين لأنّ الثورة على نظام استبدادي و فضح ممارساته محليا و عالميا مطلوبة و ضرورية لإرباكه و تعريته أمّا الثورة على نظام ديمقراطي و حكومة منتخبة من الشعب فهو انقلاب على الشرعية . ندرك جيّدا أنّ البعض من الموتورين ليس لهم أمل في الصندوق الإنتخابي لذلك يسعون للفوضى بشتى الطرق بل لا يستحي بعض الفاشلين ممّن لفظهم الشعب من جرحى الإنتخابات من دعوة المؤسسة العسكرية للتدخّل لملئ الفراغ , يدعمهم في ذلك إعلام احترف الكذب و النصب السياسي و الدّجل السياسي. إنّ بعض النخب المعزولة و المفلسة لا تتعايش إلا مع الأنظمة الدكتاتورية و الإستبدادية و لكن فاتهم أنّ عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء فقد بدأ زمن الشعوب الحرّة التي تقرّر مصيرها بأيديها أمّا جيشنا الوطني فقد كان بوسعه أن يمسك السلطة يوم 14 جانفي لكنّه رفضها و تعهّد بحماية الشرعية . قسما لن ينجح دعاة الفوضى في تونس بسبب حقدهم المرضي للإسلاميين, ففي بلدنا عقلاء سيجنّبوها مكائد الزوايا المظلمة التي عادت لتشتغل من جديد و سيعبرون بها إلى طريق الخلاص , و أقول لمن يريد أن يهزم النهضة و حلفائها أنّ ذلك ممكن و لكن عبر الصندوق الإنتخابي فقط . و حفظ الله تونس و تبّا للكراسي إذا كان ثمنها دماء تسيل و شعب يقاسي.