شهدت بطاقات الائتمان (Cartes de crédits) بتونس رواجا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة خاصة في ظل ازدهار التجارة الالكترونية. وأمام انفتاح السوق التونسية على بقية الأسواق العالمية خاصة في زمن العولمة، يبقى التونسي محروما من القيام بعمليات شراء الكترونية من السوق الأجنبية لسبب بسيط يتمثل في عدم امتلاكه لبطاقة ائتمان بالعملة Carte de crédit en devises) فبطاقات الائتمان بالعملة الصعبة حكر على المهنيّين فقط على غرار رجال الأعمال وأصحاب المؤسّسات إلا أنه لا يمكن للمواطن العادي الراغب في اقتناء كتاب من إحدى الدّول أو في القيام باشتراك بأحد المجلات الأجنبية أن يتمتع بتلك الخدمة. وحول هذا الموضوع، قال الخبير الاقتصادي فيصل دربال ل«الصباح الأسبوعي»: «لقد حان الوقت لتوفير بطاقات الائتمان بالعملة الصعبة، فمن غير المعقول أن ينتظر المواطن التونسي شهرين أو أكثر للحصول على كتاب متوفر بإحدى الدول الأجنبية بسبب عدم امتلاكه بطاقة ائتمان بالعملة». وأمام التخوّف من إضعاف بطاقات الائتمان بالعملة لاحتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة، قال دربال: «إنّ الأمر بسيط للغاية، فمن حق كل تونسي أن يتمتع سنويا بمنحة سياحية تقدّر ب 6آلاف دينار وهو ما يخوّل للبنك المركزي السماح للمواطن بالتمتع بحقه من تلك المنحة والقيام بعمليات شراء بالعملة الصعبة عن طريق المواقع الالكترونية أو كذلك تحديد سقف أعلى لثمن الشراءات وأن لا يتجاوز قيمة المنحة السياحية». «لايمكن للتونسي أن يعيش معزولا» ودعا محدّثنا في هذا الصدد إلى التفكير فعليا في هذا الموضوع مؤكّدا على وجوب ضبط قائمة الشراءات بالعملة الصعبة، «فليس من المعقول أن تكون الملابس والأحذية ضمن قائمة الشراءات، فنحن حريصون على هذه الخدمة لتشجيع البحث العلمي والنهوض بالواقع الثقافي، فهناك نخب تحرص على اقتناء آخر الكتب والإصدارات والاشتراك كذلك بالصحف والمجلات الأجنبية»، على حدّ قول محدّثنا. وشاطره الرأي في ذلك فتحي الشامخي الخبير الاقتصادي و والناطق باسم «تجمع من أجل بديل عالمي للتنمية»، حيث قال ل»الصباح الأسبوعي»: «نحن اليوم في زمن العولمة ولا يمكن للتونسي أن يعيش معزولا، صحيح أن احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة محدود ولكن ذلك لا يمنعه من السّماح للتونسيين بالحق في قيمة معينة من العملة الصعبة». ويبدو أنّ نقطة توفير بطاقات الائتمان بالعملة الصعبة تمثل قاسما مشتركا بين العديد، لكن هل طرح هذا الموضوع صلب البنك المركزي سابقا أو لا؟ وما الذي يحول دون تجسيده فعليا اليوم ؟ في اتصالنا بخالد زرق لعيون المدير المركزي ل»نقديات تونس»، أفادنا أنّ توفير بطاقات الائتمان بالعملة الصعبة طرح منذ عهد النظام البائد، لكنّه تعطل بسبب عدّة إجراءات قانونية. ويرى السيد زرق لعيون أنّ المضيّ في تفعيل هذا المقترح لا يتماشى حاليا والوضع الاقتصادي للبلاد ، قائلا: «لو كان الظرف الاقتصادي اليوم مثلما هو عليه منذ 3 أو 4 سنوات لطالبنا بذلك خاصة في ظل انفتاحنا على السوق الخارجية، ولكن الأمر مختلف اليوم.. فالدولة وصلت إلى مرحلة التخفيض من وارداتها من الخارج حتى توفّر الاحتياطي من العملة الصعبة». إنّ حديثنا عن بطاقات الائتمان بالعملة الصعبة دفعنا إلى التطرقّ إلى مسألة تحرير الدينار التونسي الذي يتيح تحويله إلى أيّ عملة أجنبية بأيّ كمية كانت دونما الخضوع إلى أيّ إجراءات معيّنة. إضعاف للسيادة الاقتصادية، إذا.. وردت نقطة تحرير الدينار التونسي في برنامج صندوق النقد الدولي الذي حرص شديد الحرص على تجسيد تلك النقطة. وكان بن علي طرح في نوفمبر 2010 مسألة تحرير الدينار على مراحل على أساس أن يتم ذلك بصفة نهائية في 2014، وقد اتخذ ذلك القرار على إثر جملة من الضغوط الممارسة عليه من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما صرّح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة خلال زيارة له بالدوحة أنّ تونس ستعمل على تحرير الدينار التونسي. وأمام تزايد التخوّفات من خضوع الحكومة الحالية لتوصيات صندوق النقد الدولي والتي من شأنها إثقال كاهل المواطن على غرار الترفيع في أسعار المحروقات، اعتبر الناطق باسم «تجمع من أجل بديل عالمي للتنمية»، أنّ «تحرير الدينار التونسي في هذا الظرف الاقتصادي يؤدي حتما إلى إضعاف السيادة الاقتصادية وإضعاف القرار الوطني السيادي باعتبار أنّ الدينار هو شبيه بالعلم الاقتصادي (Drapeau «، économique). وذكر الشامخي أنّ تونس لا تتحكم في الدولار أو الأورو، وهو ما من شأنه التأثير سلبا في حجم القروض في صورة ارتفاع قيمة العملتين الصعبتين أو انخفاضهما. كما يرى الخبير الاقتصادي أنّ من شأن تحرير الدينار التونسي أن يثقل كاهل احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة وأن يؤدّي تدريجيا إلى التخلص من الدينار وإحلال الأورو محلّه. لكن، في صورة المضي قدما نحو تحرير الدينار التونسي، ما فائدة المواطن التونسي ؟ ردا على هذا السؤال، قال الشامخي: «من المؤكدّ أن المواطن سيكون المتضرر الأول، فمن الطبيعي جدا أن تضعف مقدرته الشرائية خاصة في ظل هذا الوضع الاقتصادي المتذبذب». صحيح أن من شأن تحرير الدينار التونسي أن يرفّع في القدرة التنافسية للمؤسسة ومن قدرتها التصديرية والإعداد لانتصابها بالخارج وتعزيز استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أن تحريره وتوفير بطاقات ائتمان بالعملة الصعبة يتطلبان دراسة شاملة للموضوع ووجوب تفعيلهما على مراحل.