هبت علينا بقوة كأنّ هناك من يدفعها لغايات، قد تكون لزعزعة الهدوء أو تجميد مسيرة البلاد وتغيير سماحة هذا الشعب وتجميد الإسلام الحقيقي أو تشويهه، الثقافة الدخيلة على تونس وعلى دار الإسلام غزتنا منذ وصول أذناب الغرب إلى قيادة البلاد، ماذا يجري بتونس ؟ هل هناك طارئ جديد وما هو جنسيته ؟ لعلنا أردنا أن نعلو بأنفسنا فنتباهى بأننا ثوار أو صانعي ثورة ونترك لهذه الحرية غير الخلاّقة تسودنا، ثورتنا تأخرت عن كثيرمن الثورات ولم نستفد ممن سبقنا فلم نكن على مستوى ثورة فنزويلا تشافيزأو ثورة الإمام الخميني إيران أو العزة والصمود لحسن نصرالله لبنان ،كل واحد منهم برع فيما جاء من اجله .هم غيّروا ونحن لم نغيّر شيئا ، كان يمكن لنا أن نسيرنحوالأحسن لكن مازالت العقلية هي نفس العقلية؛ عقلية من حكمونا بفكرالمتغربين ، لقد سمحنا بكل شيء حتى بالفوضى المميتة وكأنها باتت مقصودة في ذاتها. نريد أن نتميزفي كل شيء حتّى فهمنا للدين الحنيف وللسنة الحميدة كان بسيطا ومحرّفا ! والحرّية قرأناها على عَجَل ! وتلك التأويلات للقران المتيبّسة الصحراوية العطشى التي توقّفنا عند أول شارحيه ولم نضف شيئا ، إن سياسة غطاء المظهر وفساد الجوهرهي الثقافة التي أرادوها أن تعمّ بلادنا ولم يعلموا أنها ثقافة دخيلة يهودية متوارثة من سفرالتكوين الذي ذبح الكباروالصغار؟ هناك من يحترف صناعة جديدة هي صناعة إسلام مخطوف وذلك حسب هوى الغرب.. هذه الثقافة نرى أثرها في الحياة الاجتماعية وفي الحياة السياسة وفي الاقتصاد وفي الفهم الخاطئ للمرأة نحو ذاتها، المرأة التي تهزّالمهد بيمينها دون كلل و تبعث الحياة من صدرها بدون مقابل ، فهل هي ذاتها التي تخرج عارية الصدرلاهثة الآن ؟ تجوب الشوارع بلا هدى؟ هل هذا من ثقافتنا ؟ وهل نحن من قطع يديها عن الحركة ؟ فذهبت إلى صدرها فعرّته للتظاهر! نحن قطعنا تقدمنا وبتنا نلهث وراء الحلول المستوردة والمستهجنة. لو أنصف هذا المسلم عقيدته لأسلم كل من في الغرب، كما أسلمت إفريقيا وآسيا لمّا كان فيه رجال هم الإسلام يمشي على الأرض. هذا واقع الدول العربية والإسلامية في اللّحظة الحالية وبما أن المستعمرالأجنبي نجح في تحقيق أهدافه، بمسخ الهوية العربية والإسلامية للدول المستعمَرة فكريًا والتي صارت تسيرفي ركب التغريب والعلمنة ونبذ الدين والهوية العربية والإسلامية، فلا شكّ أن التعليم كان خطّ الهجوم الأوّل للمستعمرالذي نفذ من خلاله إلى ضمير أفراد المجتمع وضربه في الصميم. وقد أوجد هذا التعليم المدني ازدواجية في الثقافة والفكرفي تونس وتركيا والجزائرولبنان ومصر، خاصة أن بورقيبة ومحمّد علي وأتاتورك اختصّوا خريجي المدارس الحديثة بالوظائف الحكومية والمناصب الرفيعة - نراهم في هذه اللحظة التاريخية عابثين بمصيربلدانهم- في حين غاب دورالمشايخ العلماء واقتصردورخريجي الزيتونة واسطنبول والأزهرعلى الوظائف التعليمية التي صارينظرإليها نظرة دونية، ولا تكفل لصاحبها ما تكفله الوظائف الحكومية من دخل وطموح وكان هدفهم تمييع المجتمع المسلم وشيوخ جامع الزيتونة العظيم. وللقارئ أن يتخيل كلّ هذا الاهتمام الذي أولاه بورقيبة وأتاتورك ومحمد علي للتعليم المدني الذي كان أغلب المدرسين به من الأجانب الفرنسيين والمتفرنسين ثقافيا، وقد ركزت المناهج في المرحلة الاستقلالية على الوطنية والإقليمية، وامتدادها السابق على الإسلام وبقى جوهرالخطة التعليمية كما هووظلت هذه المناهج توحي بشبهات وأخطاء واضحة من هذه الأخطاء : - القول بأن الإسلام دين عبادة لا صلة له بالمجتمع ولا بالدولة. - القول بأن مخططات الاستعماروالتبشيرالأولى في أفريقيا هي كشوف علمية. - التاريخ الإسلامي لا يزيد عن أن يكون خلافات بين الحكام: وصراعاً على الملك، بين الأمويين -والعباسيين والعلويين. - تغليب مفاهيم الفلسفة الغربية المادية بما فيها من شكوك ومادية ومفاهيم متعارضة مع الفكر الإسلامي بما يؤجّج في النفس الشبهات والتمزّق وبوادر الإلحاد. - نسبة كل مناهج العلوم إلى الغرب وإنكار دور المسلمين الواضح فيها بما يصور للطالب المسلم أن المسلمين عالة على الأمم وأنه لم يكن لهم دور في بناء هذه العلوم. - سيطرة نظريات المدرسة الاجتماعية والتحليل النفسي والوجودية على علوم النفس والأخلاق والتربية؟، وكلها تقوم على الفكرالمادي. - دراسة العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية دورها بيان وجهة نظرالإسلام فيها. هذه بعض مناقض ومحاذيرالمناهج التعليمية القائمة في المدارس والجامعات في مختلف بلاد العالم الإسلامي والتي لم تتغيرمطلقاً. - دراسة أهم المواد المقررة بلغة أجنبية. في الوقت الذي كان فيه التعليم بوابة النجاة للعالم ومنارة تضئ حسب أصول مدروسة ممنهجة، على عكس من ذلك تمّ في البلاد العربية إهمال جامع الزيتونة والأزهرأي إفساد الهوية الوطنية، بل عمد بورقيبة وأبناؤه السياسيين من بعده إلى التقيّيد والتهميش والإلغاء المتعمَّد لادوارالمؤسسات الإسلامية كجامع الزيتونة عن الحياة التعليمية والسياسية إلى أقصى حدّ؛ وذلك النهج تلخّصه خطب بورقيبة الساخرة من شيوخ الزيتونة وأوّل شيء شاءه بورقيبة هو طلبه أن يكون التهميش سائدًا في المساجد والتقدم بعيدًا عنها، فلا يمكن أن يشتغل علماؤه بالدين ولا بالسياسة فبورقيبة وأتاتورك كان همّهما استتباب الأمن حولهما للبقاء في الحكم أكثرما يمكن حتى يموت الدين في الصدور وتتعرّى النساء في الشوارع عاريات الصدورلكن هيهات. نتيجته الآن انعدام الأخلاق وتهور وفقدان الشخصية الأصلية للبلاد وخاصة ما تعيشه المرأة التونسية والسمعة السيئة للبعض منهن في الداخل والخارج والتشويه ليس بالضرورة يمس الجسد وحده فقد يمسّ الفكروالعقل.