عبد العزيز الدريدي يدعو إلى رحلة غرائبية في عالم الفن التشكيلي يقدم هذه الايام الفنان التشكيلي عبد العزيز الدريدي تجربة جديدة ومثيرة في عالم الفن التشكيلي التونسي بقاعة علي القرماسي بالعاصمة واختار ان يطلق عليها من الاسماء"رحلة غرائبية"... "الصباح"تحولت الى هذا المعرض حيث خصنا الفنان برحلة مصغرة فكانت هذه خلاصتها... في هذا المعرض تتنوع تفاصيل اللوحات الستين المعروضة بين رموز وشخوص بتكوينات غرائبية أقرب لرسوم الأطفال معتمدة بشكل أساسي على الأسلوب التعبيري الواقعي الذي يحمل فطرة فنية وعفوية في تناول اللون الصريح وفنية خاصة باستعمال الحبر الصيني بما يتماشى وطبيعة "الخرافات" ما يدل على رسوخ معالم البيئة التي عاش وترعرع فيها ومازالت في مخيلته... وفي حديثنا مع التشكيلي عبد العزيز الدريدي قال: "إن تناولي للغرائبية جاء نتيجة بحث فني طويل عن علاقة الإنسان بتفاصيل المكان الذي يعيش فيه حيث بدأت بحثي بمجموعة لوحات عن المدينة العتيقة وما تزخر به ازقتها من خرافات لها علاقة بالشعوذة والخرافة و"ضربان الخفيف"وتأثيرها على الإنسان الوافد إليها... واليوم أقدم جزءا من مشروعي عن خفايا المدينة وتفاصيلها البسيطة ونقائها الروحي واتساع أفقها البصري، والعلاقة الحميمة بين الإنسان وبيئته تفرض أجواء تشكيلية خاصة ورموزاً من الحياة البسيطة وألواناً مفعمة بعفوية المكان وزركشات الأزياء الخاصة بتلك البيئة التي تأثرت بها جداً في طفولتي والتي شكلت لدي مخزوناً بصرياً هائلاً ألجأ إليه دائما..". ولوحات الفنان عبد العزيز الدريدي تلخص الأشياء بإطارها الواقعي مع كثافة مزج استعمال الحبر الصيني بمادة الرصاص إلى جانب الشخوص الحاضرين بهالتهم التعبيرية في مساحة اللوحة في تعبير عن الخيالات وتفاصيلها الغريبة، والمشاهد للوهلة الأولى يشعر بوجود تكرار بصري في اللوحات من ناحية التكوينات ولكن عبد العزيز أرجع ذلك لوحدة الموضوع وطريقة تناوله من وجهة نظر فنية مليئة بتفاصيل البيئة والرموز التي تتشابه وتتكامل... إن أسلوب عبد العزيز الدريدي الفني يتسم بالفطرية والبعد عن المدارس الفنية الأكاديمية باعتباره لم يدرس الفن ويتناول تفاصيل غريبة مثيرة للمدينة العتيقة بجرأة اللونين الأسود والأبيض وهي جرأة فيها عفوية ظاهرة، واستعماله نماذج في اللوحات أغنى العمل الفني، كما أن علاقة الإنسان مع أدواته عولجت بأسلوب جميل والحبر الصيني الصريح المباشر يذكرنا ب"ضربان الخفيف" وما يحويه هذا العالم من تناغم لوني بسيط... ومثلما قال غوغان "الفن تجريد استخلصه من الطبيعة بالتأمل فيها وأمعن التفكير جيداً بالخلق الناجم عن ذلك"،. وهكذا الفن لدى عبد العزيز الدريدي استخلاص من الإنسان بالتأمل فيه وفي اغواره. ثم يمعن أن يكون الناتج برحمة الجميل، بعد التغلغل بروحه كثيراً. أما كيف فهمنا مقولة غوغان هذه، فإنه من خلال تأملنا في خفايا وزوايا المدينة وإلى أغوار ما فيها، إلى أعمق من رؤية سطوح الأشياء، فأخذ عبد العزيز من تلك الغرائبية كنهها، ثم عاد ففكر بما أبدع تفكيرا عميقاً، ليكتشف ما مازج هذا الكنه من تلك الطبيعة حينما اتحد بعينيه من أثر في قلبه، والأثر قد يكون عن فعل الرسم أو الطبيعة فيه وفي الرسم، هكذا يأتي تفسير المعنى بالنسبة إلينا... لكن ومن خلال هذا المعرض نجد ان عبد العزيز الدريدي يتجاوز هذا، فهو يتأمل في هذه الغرائبية والعجائبية المثيرة والتي تبعث على الحيرة كثيراً وكل ما يصادفه فيها ويقع في قلبه أو كان واقعاً به يغدو طبيعة أكثر مع محبته من خلال التعلق فيه، كل هذا بمفرده يكون طبيعة ويُحول إلى فعل تأمل وله خلق إبداعي ناتج عنه يدفع إلى التأمل من جديد، بالنسبة للآخر فهذه الكلمات صدى لهذا التأمل الذي وجدنا أنفسنا في رحابته، ونحن نتحدث عن تأمل ينبثق من المادي، ليغل بما هو أعمق من هذا، ليس كتجريد للأشياء عن الطبيعة، بل تحريك الخيال بهذه الأشياء في فضاء اللوحة، لتقود إلى فعل التأمل والجمال بعد هذا، وإن كنا تحدثنا عن إيقاعات مادية الأشياء المتحركة في فضاء من جاذبية ولا جاذبية الوعي، إلا أننا لم ندخل بعد في عتاقتها وتمازجاتها الحسية والانفعالية النفسية والإرثية والتاريخية العمقية إضافة لهذا البعد المادي المقشور السطح إلى دواخل العمق والرحابة، وحتى هنا فلا زلنا في الجانب المادي من العمل بكل خصوصياته لكن الأمر يختلف لو دخلنا إلى الأبعاد المجردة فعلاً عندها سنكون بمواجهة إشراقات التأمل وجهاً لوجه أو روحاً لروح، هنا نفضل الصمت، هذا الصمت السكوني أمام تجليات خاصة جدا ومثيرة جدا جدا.. في رحلة على غاية من الطرافة والاثارة والابداع..