- قصّة نجاح سنغفورة" وأمثالها كانت نقطة الانطلاق والمثل الأعلى الذي استأنس به السيد جلول عياد الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق في حكومة الباجي قائد السبسي مستعرضا أمس بمركز دراسة الإسلام والديمقراطية التحديات الاقتصادية التي يمكن أن تتجاوزها تونس شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية وتغيير الأدوار الموكولة للدولة باعتبارها أدوارا تجاوزتها الأحداث ومقتضيات الواقع المعيش للبلاد. وتساءل عياد: "كيف يمكن لدولة سنغفورة محدودة الإمكانيات من حيث المساحة والموارد البشرية مقارنة بتونس، أن تصبح من أغنى الدول ويتحول اقتصادها إلى أعظم الاقتصاديات في العالم".. فكانت الإجابة تكمن في كلمة "سرّ واحدة" أنه كان لهذه الدولة "زعيم حكيم، حلم حلما، فوضع رؤية، ثم خطة عمل قام بتنفيذها بمعية خبراء وكفاءات". وحلم عياد أن تسير تونس على خطى سنغفورة التي فهمت أن سرّ نجاح أي اقتصاد لا يقوم على الاستثمار العمومي غير المنتج وغير المربح، بل على الاستثمار الخاص القائم بدوره على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، فكانت قيادة سنغفورة تشجع وتنتج الكفاءات في الهندسة والرياضيات وتزرع روح المواطنة لتضع من ثمة آليات وقوانين وأدوات تسهر على تدعيم تلك الرؤية، "فمواطنو سنغفورة كانوا يهاجرون من أجل العلم وجمع المال ليعودوا إلى وطنهم لاستثماره وبعث المشاريع الصغرى والمتوسطة إلى جانب المشاريع الكبرى"، وفق تعبيره. وبالتالي فإن المرور من الاستثمار العمومي إلى الاستثمار الخاص يُعدّ "الوصفة السحرية" لنظام اقتصادي ناجح، وخلق مواطن الشغل في هذا السياق يُعدّ بدوره استثمارا في حدّ ذاته ذلك أنه -وعلى حد قول عياد- خلق مزيد من مواطن الشغل في الوظيفة العمومية يُعتبر من الحلول القاتلة للإنتاج والإنتاجية خاصة في منظومة إدارية تحتاج هي الأخرى إلى ثورة وإعادة هيكلة وإعادة صياغة لأدوارها للقضاء على البيروقراطية الإدارية التي غيبت سيادة الوزارات واستقلاليتها في أخذ القرارات وتفعيلها عوضا عن تضييعها بين أروقة المصالح الإدارية الخاضعة كل الخضوع إلى السلم الإداري. ونجاح بعث المشاريع الصغرى والمتوسطة ليس رهين القروض بقدر ماهو رهين التمويل الذاتي الذي يفتقر إليه أغلب الباعثين الشبان وهو بمثابة حجر عثرة أمام تحقيق الحلم وبالتالي فإن إحداث هيكل عمومي أو صندوق للتمكين من التمويل الذاتي يعدّ من الحلول الجذرية التي يجب التفكير في بعثها. يبقى للسائل أن يتساءل هل تتماشى "عقلية" السيد جلول عياد مع "عقلية" الشباب التونسي الذي يرى استقراره ومستقبله في الوظيفة العمومية خاصة وأنه استشهد بسبر للآراء جاء فيه أن 8 من ضمن 10 عاطلين عن العمل يحلمون بعمل حكومي. هذا التساؤل وجد ضالته لدى السيد جلول عياد، فالمسألة ليست بالبسيطة والهينة حسب قوله فلن يكون التغيير بين ليلة وضحاها باعتبار أن كل المنظومات في تونس تحتاج إلى إعادة هيكلة بدءا بالمنظومة التربوية والتعليمية وصولا إلى المنظومة الثقافية، ولا يراد بمصطلح الثقافة الفن والأدب والموسيقى فحسب، وإنما يسحب بساطه أيضا على العقليات والتغيير في هذا المستوى يعود النظر فيه إلى المنظومة التربوية والمحتوى الدراسي أما المحتوى العلمي فإنه يحتاج إلى ثورة ليصبح متماشيا ومقتضيات السوق واحتياجاته، فمن المعضلات والتحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي هي أن عديد مؤسسات التعليم العالي بصدد إنتاج "البطالة". إيمان عبد اللطيف