يبدو أن الوضع السياسي والشأن العام للبلاد سيرزح أكثر تحت وطأة التجاذبات السياسية بالنظر إلى ما صاحب سير أعمال المجلس الوطني التأسيسي بالأمس من تجاذبات جراء المنحة النيابية. هذه التجاذبات تتزامن مع مبادرة الحوار التي أطلقتها رئاسة الجمهورية منذ أيام. ورغم الانتقادات التي تواجهها هذه المبادرة استنادا الى أن البعض اعتبرها مجرد "مسرحية" فقد تعالت اصوات لتؤكد أن هذه المبادرة وحتى لا تكون مجرد مبادرة عقيمة، فإن نجاحها رهين التغاضي عن هذه التجاذبات، والاهتمام بجانبين أساسيين وهما الجانب الامني والجانب الاقتصادي... وضبط خطوط عريضة للخروج من عنق الزجاج حتى لا يكون الحوار مجرد حبر على ورق..وفي تصريح ل"الصباح" أوضح الدكتور والديبلوماسي نصر بن سلطانة رئيس الجمعية التونسية للدراسات الإستراتيجية وسياسات الأمن الشامل والباحث المختص في سياسات الدفاع والأمن الشامل أن الحوار السياسي يتنزل في إطار ما يسمى بالبحث عن "الوفاق السياسي" وعلى أجندا سياسية معينة ترمي إلى تنظيم الواقع السياسي في البلاد لاسيما في مختلف المحطات السياسية الهامة في البلاد وتكمن أهمية هذا الوفاق في علاقته مع منظومة الأمن الشامل، مشيرا إلى أن مسالة الأمن الشامل هي معنية بمختلف القطاعات السياسية والاجتماعية والثقافية وذلك في إطار الوضع العام الذي تعيشه البلاد في ظل وجود عدد من الأولويات على غرار الأمن العام والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأوضح الدكتور بن سلطانة أن نجاح الحوار الوطني الذي دعت إليه رئاسة الجمهورية رهين نجاح نظرة الحكومة للأمن الشامل، محذرا من مغبة التعامل مع الوضع العام في تونس على انه موضوع قطاعي، وبذلك لن يكتب النجاح لهذه المبادرة.وقال إن مبادرة الحوار يجب أن توضع في إطار مشروع وطني متكامل يعني في إطار ما يعبرعنه بالأمن الشامل للبلاد خاصة أن الهدف الأساسي هو أن توضع أجندا سياسية تمكن من استراتيجات أمنية توصل إلى امن اقتصادي واجتماعي. وفسر بن سلطانة أن التعامل مع الدعوة إلى الحوار يتطلب أن يكون في إطار مشروع وطني للنهوض بالأمن الشامل لأنه لا يمكن التعامل في جوانب واحد من جوانب الحياة الوطنية والتغاضي عن بقية العناصر المكونة للأمن الشامل وأهمها الأمن الاقتصادي والاجتماعي وهي العناصر التي يفرضها الواقع الحالي. كما يتطلب التعامل مع مبادرة الحوار التي أقرتها رئاسة الجمهورية وفقا للدكتور بن سلطانة تحليل الواقع الذي تعيشه البلاد في مختلف المجالات فضلا عن استشراف ما يمكن أن يحدث عل المدى القصير سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي وتحديد الأهداف المراد تحقيقها على المدى القريب والمتوسط. وذكر بن سلطانة انه في حال وضوح الرؤية بعد تحليل الواقع وتحديد الأهداف المراد تحقيقها داخليا وخارجيا فانه يمكن وضع أولويات للتعامل مع هذا الوضع في إطار ما يعرف بنظرية "الميزان الأمني" بمعنى أن الفترة الحالية تستوعب الاهتمام أكثر بمجالات معينة دون أخرى بمعنى الاهتمام بمسالة الأمن السياسي والأمن العام حاليا اللذين سيمكنان لاحقا من تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي. كسب ثقة المواطن من جهة أخرى ذكر الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي معز العبيدي ل"الصباح" أن الإشكالية الجوهرية اليوم تتمثل في ان نجاح الحكومة يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى قدرتها على كسب ثقة المواطن. والحال أن المشكل يتمثل في ان الحكومة لم تنجح بعد في كسب ثقة المواطن. حسب تعبيره. ويبقى الحوار أو الدعوة اليه هامة بالنظر إلى انه مثلا إن وقع إجماع صلب الاطراف المتحاورة على هشاشة الوضع الاقتصادي يمكن من خلاله اتخاذ بعض الإجراءات المجحفة في حق المواطن الذي يمكن حينها أن يتقبلها بالنظر الى ان القرار ليس أحادي الجانب...