الجدل الإعلامي الذي رافق الإعلان رسميّا عن الانتهاء من صياغة المسودّة الثالثة لمشروع الدستور ووضعها على ذمة لجنة الخبراء المشكّلة للتدقيق فيها قانونيا ولغويّا أبان في بعض جوانبه عن توجه استخفافي لا مسؤول بجهود جبّارة وقيمة بذلها نواب المجلس الوطني داخل اللجان التأسيسية على امتداد أكثر من عام.. جهود عاضدها خبراء في القانون الدستوري من خارج المجلس الوطني التأسيسي مشهود لهم بالكفاءة والتميّز في إطار اختصاصهم.. أمس الأوّل مثلا وجد السيد الحبيب خضر نائب المجلس الوطني التأسيسي والمقرّر العام للدستور نفسه مجبرا على الانسحاب من حصة اذاعية خصصت للحديث عن مسودة مشروع الدستور احتجاجا على وصف أحد «الفكاهجية» للمسودة بأنها «دستور الهانة» ! تصوروا.. مشروع دستور ما بعد الثورة التي أطاحت بواحد من أفسد وأشرس الأنظمة العربية القمعية والذي عكفَ على صياغته نواب منتخبون ديمقراطيا في سابقة هي الأولى في التاريخ السياسي في تونس يصبح و»بجرة لسان» عابث دستورا للهانة !!! طبعا،،، ليس المقصود هنا تنزيه نص المشروع المقترح من شوائب أو نقائص قد يكون تضمنها وغفلت عنها أو تعمدتها لجنة التنسيق والصياغة... ولكن المقصود هو التنبيه إلى خطورة هذا التعاطي الإعلامي اللاّ مسؤول والمستخف لا فقط بجهود نواب المجلس الوطني التأسيسي وإنّما أيضا بل وخاصة برمزية وقداسة وثيقة الدستور ذاتها... المريب هنا أن هذا التوجه الاستخفافي بالنسخة الثالثة من مسودة مشروع الدستور قد وقع التمهيد له إن عن قصد أو عن غير قصد! من طرف بعض نواب المجلس أنفسهم الذين انخرطوا قبل يوم أو بعض يوم من الإعلان عن وضع المشروع على ذمة لجنة الخبراء في معركة «الفلوس» و»الرواتب المزدوجة» مع ما صاحبها من اتهامات متبادلة بالكذب والتحيل والطمع !!! حقيقة هناك «أشياء» لا تزال تحدث من حين لآخر تبدو وبكل المقاييس مريبة وغير عفوية بعضها تشويهي وبعضها الآخر تشكيكي.. فمن تحامل وقح على رموز الدولة مثلا مرورا بالاتهامات الخطيرة التي تلقى جزافا عبر وسائل الإعلام في حق مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية والعسكرية ووصولا الى الحط من قيمة ورمزية نواب المجلس الوطني التأسيسي والسخرية منهم و»التحريض» عليهم.. وها أن «الدور» الآن قد أتى على ما يبدو على دستور الجمهورية التونسية ذاته ولا نقول النسخة الثالثة من مشروع الدستور لأن بعض الذين يخوضون إعلاميا وبغير علم هذه الأيام في مضمون مشروع الدستور المقترح إنما هدفهم على الأرجح التشكيك في الدستور في المطلق من حيث هو والعبارة للأستاذ قيس سعيد «نص قانوني.. بل هو النص الأعلى في أكثر الأنظمة القانونية والذي تقوم عليه الشرعية في كل الدول الديمقراطية».