عندما صرحّ نور الدين البحيري لدى تولّيه منصب وزير العدل في حكومة حمادي الجبالي بأنّه "سيقع الإبقاء على قانون الإرهاب مع إجراء بعض التعديلات"، شنّ بعض الحقوقيين والسياسيين حملة انتقادات ردا على تصريح البحيري، فتونس، حسب رأيهم آنذاك، ليست مهددّة بالإرهاب وقانون الإجراءات الجزائية فيه من الأحكام ما يكفي لمحاكمة كل من يعتدي على أمن تونس لكنّ الأحداث الإرهابية الأخيرة التي عاشتها تونس والمتمثلة أساسا في أحداث الروحية والشعانبي وبئر علي بن خليفة وبوشبكة "لم تكن أحداثا منعزلة"، كما سبق وصرح وزير الداخلية سابقا علي لعريض، نظرا لتكررها أكثر من مرّة ونظرا لأن تواليها أثبت خبرة لدى هذه الخلايا الإرهابية حديثة النشأة في تونس وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن إعلان القائد الأعلى للقوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال كارتر هام، خلال زيارته تونس بأنّ "تونس تشهد تهديداً حقيقياً من تنظيم القاعدة، الراغب في إحداث خلايا إرهابية تمثله داخلها، وأنه على اقتناع تام بأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يسعى إلى التواجد داخل التراب التونسي". ودعا في هذا الصدد الحكومة التونسية إلى التعامل مع هذا التهديد بكل جدية ووضع المسألة الأمنية في سلم أولوياتها فكيف ينظر الحقوقيون اليوم إلى قانون الإرهاب خاصة أنّ الأحداث الإرهابية تكررت لأكثر من مرّة؟ يرى عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أنّه لا بدّ من تطبيق قانون الإرهاب اليوم شريطة إجراء بعض التعديلات لما فيه من عقوبات صارمة وهضم واضح لحقوق الدفاع وشدد بن موسى على وجوب محاكمة كلّ من يتورط في الإرهاب وعدم إصدار حكم بالعفو في شأنه مندّدا في هذا الصدد بالعفو على المتورطين في أحداث سليمان والذين ثبت تورطهم، قائلا: "أكبر خطإ تمّ ارتكابه هو قرار العفو على المتورطين في أحداث سليمان خاصة أنه ثبت تورطهم مجددا في أحداث إرهابية" الفصول التي تستوجب تعديلا وعن نقاط التعديل في قانون الإرهاب، أشار رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى الفصل الذي لا يمنح المتهم حقّ معرفة الشهود ضدّه، "لذلك لا بدّ من التسريع الآن في تنقيح هذا القانون الجائر بهدف ضمان محاكمة عادلة"، على حدّ قوله من جهته، دعا حافظ غضون المستشار القانوني لمنظمة "حرية وإنصاف" إلى الإبقاء على قانون الإرهاب الصادر 2003 شريطة تنقيح أو التخلي عن بعض الفصول الجائرة، قائلا: "لا يمكن التخلي عن قانون الإرهاب كما لا يمكن تركه كما هو وبعد الثورة مباشرة لم يكن من الممكن إلغاؤه لأنّه يتعلّق كذلك بتبييض الأموال وإلا سنجد أنفسنا أمام مأزق قانون" وأشار المحامي غضون إلى جملة من التحفظات على قانون الإرهاب مشيرا إلى إمكانية سجن محامي الدفاع، بمقتضى هذا القانون، "فهذا القانون لا يضمن السرّ المهني، إذ يكفي أن يخبرك المتهم بسرّ لتصبح مجبرا على الإفشاء بكل ما قاله لك وإلا سيكون مصير لسان الدفاع السجن، وهذا لا يمتّ بأية صلة للمحاكمة العادلة"، حسب تعبيره كما أعرب محدّثنا عن رفضه لبعض الفصول من هذا القانون التي تعاقب على النوايا والأفكار أيضا وليس الأفعال فقط، "إذ يكفي أن تتحدّث عن فكرة الجهاد لتجد نفسك في السجن، ويكفي أن تستمع إلى شخص يتحدّث مجرد الحديث عن الجهاد أو الإرهاب ولا تقدّم شكوى في حقه حتى تجد نفسك في السجن أيضا، وهذا أمر غير مقبول" ونظرا للوضع الذي تمرّ به البلاد، شدد عضو منظمة "حرية وإنصاف" على وجوب التسريع في تنقيح هذا القانون "فلو تواصل تطبيقه كما هو سيكون قانونا جائرا وهذا لا يتماشى مع تونس ما بعد الثورة التي تضمن المحاكمة العادلة" عون الأمن هو أول ضحايا الإرهاب الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن الداخلي له أيضا موقفه من هذا القانون، فرجل الأمن هو المهدّد الأول بأن يكون ضحية للإرهاب، وفي اتصال هاتفي جمعنا بالصحبي الجويني المستشار القانوني للنقابة الأمنية، أفادنا أنّ الأمنيين يطالبون بتفعيل هذا القانون، "فنحن في أمسّ الحاجة إليه، وهذا القانون ليس حكرا على تونس فقط وإنما هو معمول به في سائر الدول لحماية الأمن العام للبلاد ولا يمكن أن تكون تونس استثناء خاصة أنها مهددة اليوم فعليا بالإرهاب"، على حدّ قوله. وتساءل الجويني: "ماذا ننتظر لتقع محاكمة المتورطين في الإرهاب بمقتضى عذا القانون وإن لم نطبقه اليوم متى سنطبقه وما الفائدة من بقائه حبرا على ورق" لكنه استدرك قائلا: "نحن مع ضمان محاكمة عادلة وإن وجدت ضرورة لإجراء تعديلات فنحن مع ذلك ولكن لا بدّ من التسريع في إجراء التنقيح على مستوى هذا القانون فالأمنيون يطالبون بذلك فهم المستهدف الأول من الإرهابيين" يذكر أن وزارة العدل، في عهد البحيري، أحدثت لجنة فنية استشارية لإعادة النظر في قانون الإرهاب هذا والصادر سنة 2003 وتخليصه من الصياغة والأحكام التي تجعله جائرا، كما أنّ تونس مصادقة على 14 اتفاقية دولية من مجموع 16 اتفاقية متعلقة بالإرهاب