تونس - الصباح: في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط ارتفاعا متواصلا محطمة في الأيام الأخيرة كل الأرقام القياسية لتصل الى حدود 112 دولارا للبرميل، مما انعكس على سعر المحروقات في بلادنا التي شهدت زيادة تدريجية معتبرة في أثمان البنزين, أصبحت السيارات الخاصة تمثل عبئا ماديا كبيرا على أصحابها بالنظر إلى كلفة استهلاكها للوقود التي تضاعفت تقريبا في ظرف ثلاث سنوات وكذلك بالنظر إلى ارتفاع أسعار قطع الغيار .ونضيف إلى ذلك تكلفة التأمين التي ترتفع بدورها سنويا ومعلوم الجولان ومعلوم الفحص الفني.وهي معاليم سنوية قارة يمكن أن تنضاف إليها معاليم عادية أخرى كمعلوم الصيانة واستبدال الزيوت والمصافي والعجلات وبعض قطع الغيار التي تتآكل بصفة دورية,هذا إذا لم نعتبر المصاريف الطارئة المنجرة عن حوادث الطريق وما تخلفه من خسائر. وإذا ما قدرنا جملة هذه المصاريف نجد أن السيارة تتكلف على صاحبها تقريبا ما يناهز 3 آلاف دينار سنويا أي بمعدل 250 دينارا شهريا في الظروف العادية وفي حركة جولان عادية لصاحبها. فالمعدل الشهري لاستهلاك سيارة من فئة الأربعة خيول في تونس العاصمة، يقوم صاحبها يوميا بحوالي30 كلم, لا يقل عن 120 دينارا.واذا ما أضفنا اليها التأمين الذي لن يقل عن ال33 دينارا شهريا (معدل 400 دينار سنويا) ومعلوم الجولان الذي لن يقل بدوره عن ال5 دنانير شهريا (60 دينارا سنويا لسيارة 4 خيول) والفحص الفني الدوري (20 دينارا سنويا) والصيانة الخاصة بالزيوت والمصافي والشمعات والتي لا تقل عن ال200دينار سنويا.ويضاف إلى كل هذا تغيير بعض قطع الغيار بمعدل 400 دينار سنويا في الظروف العادية، وإذا ما نظرنا إلى جملة هذه المصاريف فان تكلفة السيارة تكون بين ال2800 وال3200 دينار سنويا. يمكن أن ينضاف لها مبلغ يتراوح بين ال 160دينارا وال220 دينارا إذا كانت السيارة مقتناة بقرض... هذه الأرقام يمكن أن ترتفع وبشكل كبير باختلاف نوع وحجم و قوة السيارة، وكذلك بمستوى وحجم جولان صاحبها وأيضا بسن وحالة العربة. وبالتالي أصبحت السيارة الخاصة تمثل عبئا كبيرا على صاحبها وإرهاقا لجيبه ... رفض للنقل العمومي ورغم أن البعض لا يفكر كثيرا في هذه التكاليف، ولا يكلف نفسه عناء القيام بالعمليات الحسابية والنظر في مخلفات ارتفاع مصاريف السيارة، فإن البعض الآخر والذي أرهقته الكلفة الحالية للسيارة بات يفكر وبصفة جدية في حلول تحد من المصاريف الباهظة التي تذهب بها سيارته على حساب متطلبات عائلية وشخصية أخرى.وإذا كان البعض وجد في النقل العمومي حلا مريحا، فان البعض الآخر لم يستسغ اللجوء إلى الحافلة والقطار والمترو خاصة في ظل بقاء النقل العمومي على حاله من البطء والتأخير والاكتظاظ، وما تشهده وسائل النقل العمومي من مشاكل ومظاهر لا أخلاقية... فمن يحس بارتفاع سعر البنزين ويعاين التكلفة المتزايدة للسيارة يلجأ إلى التخلي عن سيارته كليا أو جزئيا ويهرب في البداية الى النقل العمومي.. لكنه سرعان ما يعود إلى وسيلة نقله الشخصية بعد أن يعاني الأمرين من النقل العمومي. وهكذا يفضل ضرر جيبه على ضرر أعصابه ووقته . العودة للدراجة وبين هذا وتلك هناك بالتأكيد حلول أخرى تساعد على التحكم في الطاقة وترشيد الاستهلاك من ناحية، وتحد من إنفاق الشخص على سيارته من جهة أخرى بل وتقدم خدمات للمواطن على مستوى جيبه وصحته وأعصابه وتحل كذلك مشكل يؤرق الجميع منذ سنوات وهو الاكتظاظ والاختناق المروري وكذلك التلوث البيئي وانبعاث الغازات من عوادم السيارات... من هذه الحلول التي لجأت إليها عديد الدول الأخرى نذكر العودة إلى الدراجة سواء منها النارية وبالأخص العادية.فالدراجة العادية لا كلفة لها تقريبا باستثناء دنانير بسيطة ممكنة للإصلاح .أما الدراجة النارية فمعدل تكلفتها السنوية لا يمكن أن يتجاوز ال350 دينارا إذا ما اعتبرنا ثمن التأمين المحدد ب 80 دينارا وتكلفة بسيطة للبنزين لا تتجاوز ال20 دينار شهريا مع مصاريف لا تذكر للصيانة لا يمكن أن تتجاوز ال30 دينارا سنويا. فهذا الحل له عدة فوائد اقتصادية وصحية وبيئية، ووجب تشجيع التونسي على التخلي ولو جزئيا عن السيارة وتعويضها بالدراجة. ولم لا يتم تبني هذه الفكرة من قبل الهياكل المهتمة كوكالة التحكم في الطاقة. فالفكرة لا تقل في شيء عن مشروع الطاقة الشمسية أو مشروع الفحص الإجباري لمحرك السيارة ...ولم لا يتم التشجيع على اقتناء الدراجة مثلما فعلت عديد الدول الأخرى. فالتجربة الصينية تظل رائدة ولا يجوز الحديث عنها باعتبار أن الدراجة في المدن الصينية دخلت ضمن الموروث الثقافي وضمن وسائل عيش المواطن الصيني. فترى أغلب شوارع المدن الصينية الكبرى خالية من السيارات تقريبا لتعوضها جحافل الدراجات التي خصصت لها مسالك واسعة وإشارات مرورية خاصة ومآو بإمكانها إيواء الآلاف من الدراجات.وأصبح استعمال الدراجة تقليد لدى المواطن الصيني. وفي بعض الدول الأوروبية كذلك ,دخلت ظاهرة استعمال الدراجة في عادات وتقاليد المواطن الأوروبي الذي تضرر بدوره من غلاء أسعار البنزين ولم يعد قادرا على تحمل التكلفة المشطة للسيارة. واللافت للانتباه أن الأوروبي عمد إلى التوفيق بين حاجته للسيارة والحد من استعمالها، وذلك بأن يقطع مسافة سالكة بسيارته ليتركها جانبا في أحد المآوي عند مدخل المدينة ويركب دراجته ليواصل بها الطريق. وبذلك يتحكم في استهلاك الوقود ويحد من إنفاقه ,كما يكسب الوقت للوصول إلى عمله بتجنب الوقوف المطول في إشارات المرور والاختناق المروري.كما يتمكن في نفس الوقت من ممارسة الرياضة والمحافظة على صحته...كما أن استعمال الدراجة في أوروبا بدت ظاهرة وتقليد عائلي حيث ترى كامل أفراد العائلة كل على دراجته سواء أيام العمل أو أيام العطل. أين مسالك الدراجات؟ سؤال نطرحه ونحن نرى المخططات ومشاريع البنية التحتية من طرقات وجسور ومحولات تتجاهل تخصيص مسالك خاصة بالدراجات والدراجين.فباستثناء البعض من الطرقات القديمة لمدينة صفاقس التي اشتهرت بوجود الآلاف من الدراجات النارية، فان باقي مدن الجمهورية وخاصة شوارع العاصمة وضواحيها خلت من كل أثر لمسالك الدراجات. فمصالح التجهيز والمهندسين والخبراء والمقاولين تجاهلوا كليا تخصيص مسالك خاصة بالدراجين على طرقاتنا. وهو خلل يمكن أولا أن يعرقل فكرة العودة لاستعمال الدراجة وكذلك يمكن أن يتسبب في بعض حوادث المرور لو فكر البعض في استعمال الدراجة في طريق عادي وسط السيارات والحافلات والشاحنات... فمدينة مثل المهدية مثلا التي توجد بها أكبر نسبة من دراجات الفيسبا"Vespa" المستوردة خاصة من ايطاليا من قبل عمالنا المهاجرين، لا يتوفر بها أي مسلك للدراجات وتمثل حوادث المرور التي تكون فيها هذه الدراجات طرفا نسبة عائلة . ومن شأن العودة الى الدراجة العادية أو النارية أن يجنب التونسي مصروفا هاما كان ينفقه على السيارة، ويكسبه ماديا ونفسانيا وصحيا. ويكسب كذلك الدولة ملايين الدولارات التي تنفق على المحروقات والتي يساهم فيها صندوق الدعم بنسبة كبيرة وهامة. فلماذا لا نسارع بإيجاد الصيغ المشجعة على جعل الدراجة البديل الضروري للسيارة ولو بصفة نسبية؟ سفيان رجب