تتابع منذ حوالي الشهر وتتواتر الحوارات الوطنية مع أن الاحتقان لم يغب يوما عن المشهد الراهن في البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة, فان درجة الاحتقان و التوتر تعود اليوم لتطغى على المشهد السياسي بدرجة تكاد تكون غير مسبوقة ولم تعرف لها البلاد مثيلا حتى في الأيام والأسابيع الأولى للثورة التي حملت معها للناس البشرى بنهاية عهد الظلم والفساد و الاستبداد . نقول هذا الكلام و في البال أكثر من صورة و أكثر من إشارة حول ما يمكن أن تحمله الأيام القادمة مع استمرار الغموض بشأن الاحداث الإرهابية المستمرة للأسبوع الثالث على التوالي في جبل الشعانبي و التي زادت الوضع تأزما و فاقمت المخاوف و الشكوك لدى المواطن التونسي بشأن رهانات المستقبل و ما بات يروج اليوم من احتمالات تكرار سيناريو العشرية السوداء للجزائر في بلادنا على وقع التحركات والدعوات الاستفزازية لجماعات السلفية الجهادية التي باتت تعلن تحدّيها للمؤسسة الأمنية بل ولمؤسسات الدولة وتستهين بالقوانين و تتباهى بسلطاتها الالاهية المطلقة وتستعرض قدراتها العسكرية و تعلن الحرب والعداء لرجال الامن والإعلاميين و السياسيين الطغاة. يأتي كل ذلك في ظل التشتت و الانقسام و الصراع الحاصل على الساحة السياسية التي يبدو أن الشيئ الوحيد الذي بات يجمع روادها أنهم اتفقوا معارضة وسلطة على عدم الاتفاق أسوة بالمثل العربي السائد بأن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا وأن السياسيين في بلادنا بدورهم يصرّون على عدم الخروج عن هذا السياق مهما كانت خطورة المشهد الذي يدفع بالبلاد الى المجهول... ان الخيبات المتتالية التي ما انفكت تصدم التونسيين وتفتح أعينهم على الإفلاس السياسي والاقتصادي والأمني الخطابي وحتى الأخلاقي الحاصل في البلاد جعلت الكثير من أبناء هذا البلد ممّن بنوا الاحلام على وقع الثورة السلمية التي أبهرت العالم بعد أن حطموا جدار الخوف الكامن في النفوس باتوا اليوم يحلمون بالرحيل و الهجرة بحثا عن الأمان لابنائهم وعائلاتهم .طبعا سيعتبر الكثيرمن السياسيين ممن يرفضون تأمل الواقع التونسي اليوم و مواجهة الحقائق أن في الامر مبالغة وإصرار على تشويه صورة تونس ولكن الواقع اليوم أن صورة تونس ستزداد تشوها وقتامة في حال أصر سادة البلاد على أن يظل خطابهم بعيدا عن نبض الشارع و عن مخاوف المواطن التونسي من انتكاس عملية الانتقال الديموقراطي في ظل غياب الحكمة وتفاقم أزمة الثقة الحاصلة في النفوس. وبعد أن كان التونسي يؤمّن النفس بأن تكون تونس سويسرا افريقيا بات يخشى اليوم أن تنجرف تونس الى افريقستان أو الصومال. أكثر ما يمكن أن يشكّل خطورة على المشهد أن يقع تجاهل كل التقارير ورسائل التحذير بشأن تكرارالسناريو الجزائري لنستفيق وقد أسقط في أيدينا... حكماء البلاد و عقلاؤها ورجالاتها من سياسيين ورجال الدين ونخب ومفكرين مدعوون اليوم وأكثر من أي وقت مضى الى النزول من عليائهم والتنازل عن قليل من كبريائهم وعنادهم والوقوف وقفة صادقة مع النفس لمراجعة أنفسهم ومحاسبة أحزابهم سواء كانوا في السلطة أو المعارضة أو خارجها لانه سيأتي عليهم يوم يحاسبون فيه على ما قدموه و يقدمونه لإنقاذ البلاد من السقوط الى الهاوية ...