تعيش بلادنا منذ وقت طال أكثر من اللزوم على وقع الاستعداءات على الدولة وعلى القانون تحت شتى المسميات والذرائع التي تذهب من «المطالب المشروعة» في الشغل أو التنمية في الجهات المحرومة وحتى غير المحرومة الى المطالبات المهنية والنقابية، بمشروعها وغير المشروع منها، مرورا بالحق في «الدعوة الى كلمة الحق» وواجب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» دون أن ننسى طبعا استعداءات المنحرفين على مقرات السيادة، وخصوصا مراكز الأمن والأعوان لاطلاق سراح «زملائهم»، ولا استعداءات المهربين على أعوان الديوانة ومقراتهم، وعلى أعوان الأمن العمومي ومقراتهم للمطالبة بحقهم في تحصيل لقمة العيش. وإن ما أقدمت عليه يوم أمس النساء الثلاث الناشطات في منظمة «فيمن» ذات التمويل الصهيوني المؤكد حسب مصادر عديدة متطابقة والمشبوهة الأهداف، إنما يندرج ولا شيء غير ذلك في «جوقة» استضعاف الدولة والاعتداء على القانون. وعلى المجتمع بمختلف أطيافه، وخصوصا تلك المحسوبة على التيارات الحداثية والتقدمية والعلمانية إدانته دون تردد أو لبس لجملة من الأسباب في مقدمتها أن «المعركة» الحالية والمصيرية اليوم في بلادنا بعد عامين ونصف من ثورتها، هي معركة سيادة القانون وعلويته على الجميع، أفرادا ومجموعات، دون أي تمييز أو تراخ. وعلى الجميع الوعي بأننا نوجد اليوم وأكثر من أي وقت مضى في لحظة مفصلية دقيقة جدا تهدد بنسف كيان الدولة، وإننا نكاد نصل الى حافة الهاوية. إن ما تخطط له «القاعدة» وبعض أو كل أجنحة السلفية الجهادية بالنسبة لبلادنا ومنطقة المغرب العربي، يلتقي بصفة غريبة مع ما تخطط له حتما قوى الثورة المضادة، أي قوى الردة الحالمة بعودة الدكتاتورية والقمع، وما يريد البعض أن يجرنا إليه عبر منظمة «فيمن»، وعبر إثارة قضايا هامشية ولا أولوية بل لا مجال لها إطلاقا في مثل هذه المرحلة من تاريخنا كقضية المثلية الجنسية بل وحتى الاعدام وإن القوى التي تعتبر نفسها تقدمية او يسارية أو حداثية أو ثورية، أو كل هذه التسميات مجتمعة، يجب ألا تحبس نفسها في المواقف المعلبة الجاهزة و»الاصطفافات» الآلية التي تضعها في واد، بينما الغالبية الساحقة من شعبها في واد آخر، والتي تصب أيضا في خانة أجندات القوى التي أومأنا اليها آنفا. فتمزيق الشعب إلى شقين متناحرين، وإضعاف سلطة الدولة والهرسلة المتواصلة لها، لا يمكن أن تفضي إلا إلى سيناريوهين لا ثلاث لهما. فإما الفوضى والحرب الأهلية واستقرار «القاعدة» بين ظهرانينا، وهو ما قد يصب خارجيا في مصلحة القوى الصهيونية، وداخليا في مصلحة القوى الدينية المتشددة، وإما عودة الدكتاتورية وإعادة انتاج نظام سيكون حتما أكثر تسلطا وفسادا من ذلك الذي عرفناه سابقا تحت غطاء إعادة الأمن وإنقاذ البلاد من الفوضى والتفكك. وإنه لمن الغباء السياسي والعمى الاستراتيجي بل من الغباء والعمى وكفى الانخراط تحت أية ذريعة كانت في كل ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق أحد هذين السيناريوهين المدمرين.