لم يكن من السهل الوصول إلى غار الملح اعتمادا على النقل العمومي من مركز ولاية بنزرت فغياب سيارات أجرة تستغل هذا الخط تجبر المسافر على زيارة رأس الجبل أولا ومن ثم متابعة السفرة إلى "بورتا نوفا" كما تسمى المدينة "تيمنا" باسم أميرال بحري ايطالي أرسى فيها أسطوله منذ قرون خلت.. وقد أكد لنا بعض المسافرين من غار الملح إلى العاصمة أنهم مجبرون على إتباع نفس السبيل لقضاء شؤونهم.. حالة الطريق بين غار الملح ورأس الجبل ليست سيئة مقارنة بمثيلاتها في الجهة ولكنها تتطلب بعض التعهد خاصة على مستوى منطقة دوار سعدان كما يجب تركيز أعمدة الإنارة العمومية خاصة عند المنعطفات وصيانة الحواجز لتفادي حوادث أليمة قد تنتج عن كثافة الحركة المرورية عند التقاء سيارات المصطافين وشاحنات نقل البطاطا المشهورة بمذاقها الرائع من مزارع باجو وعوسجة التابعتين للمعتمدية.. عندما تقترب اكثر من المدينة يدهشك اللون الأزرق السائد لوجود بحيرة وبحر في مشهد قل نظيره في العالم إضافة إلى صبغة خضراء جميلة رسمتها الأشجار في المرتفعات التي تحمي مدينة تبدو مقصرة مع أمواتها فجزء من المقبرة الواقعة في أول شارع الحبيب بورقيبة غمرتها الأعشاب الطفيلية.. ستنسى الهنات حين تطالعك "القشلة" او مركز تجميع الجنود في العهد العثماني وهذا المعلم تشترك فيه غار الملح مع مدن كبغداد وكركوك العراقيتين وجدة السعودية.. الساحات والانهج في محيط "قشلة " نظيفة جدا مما يبرز العناية بها وهي التي تحتوي على ميناء صغير وجميل كان في غابر الأزمان منطلقا للجهاد البحري كما شهد سفر عديد الأعلام منه كابن أبي ضياف الذي اختاره منطلقا لرحلته الشهيرة إلى باريس.. جمال المكان جعل سيدي علي المكي يختاره مكانا لبرجه يراقب منه حركة القوارب الصغيرة المحملة بالمنتوجات البحرية من جهة ويطل من الجهة الأخرى على الشاطئ الجميل المسمى باسمه وهو قبلة المصطافين رغم أن الطريق المؤدية إليه- خاصة بعد المفترق المؤدي إلى ميناء الصيد البحري الحديث تحتاج إلى إعادة تعبيد على عكس الطرقات وسط المدينة والمناطق القريبة التي تغيب عنها الحفر بل وتزينها حدائق جميلة تحرسها مدافع حربية منذ القدم... جمال المدينة انعكس على أهلها إيجابا فبرعوا في ميادين الشعر والأدب ولن يكون آخرهم مكي الهمامي الذي احتفت به "الصباح " منذ فترة حين أحرز على جائزة أفضل قصيدة من مؤسسة البابطين السعودية ولم تكتف غار الملح بذلك بل قدمت من أبنائها شهداء أثناء معركة التحرير كبشير بالرايس الذي يضج شارعه بأصوات حرفيين حافظوا على صنعة الأجداد في صناعة وصيانة القوارب وغير بعيد شارع الشهيد محمد بلانكو الذي يحيل الزائر على "سباط" المدينة وقلبها النابض بمآثر الأندلسيين من جامع وسوق لكن هذا" السباط " وفي غياب حلول مرورية أخرى يعجز عن تحمل العربات التي تخترقه يوميا قاصدة الشاطئ مما يخنق المدينة الصغيرة الهادئة.