أكدت كل التقارير"المحايدة" الصادرة عن معاهد الدراسات المصرية والدولية أن المسيرات التي تنظمها الأطراف السياسية الموالية للرئيس "المعزول" محمد مرسي والفصائل المعارضة له كرست انقساما فعليا داخل المجتمع المصري: ملايين في الشوارع من كل جانب.. ولا يستطيع أي مراقب عاقل التقليل من أهمية الطرف المقابل وشعبيته.. هذا الاستنتاج يؤكد وجود مخاطر جدية لتصدع المجتمع والطبقة السياسية والنخب ورجال الأإعمال والإعلام والثقافة.. بما يوشك أن يؤبد "الشرخ" بين قوى متنافرة.. من أبرز معضلات الشقيقة مصر ذات ال92 مليون نسمة غالبيتهم الساحقة من الشباب والفقراء والأميين أن بعض زعامات الجبهتين المتصارعتين ترفع شعارات دينية إسلامية ومسيحية وأخرى طائفية.. فضلا عن الشعارات "المذهبية" المتناقضة بين أنصار "السلفيين الوهابيين" (زعماء في حزب النور السلفي) المناصرين للانقلاب على الرئيس محمد مرسي وخصومهم "السلفيين المعتدلين" وقيادات حزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين.. حركة «تمرد»؟ وبالرغم من محاولات كل طرف تقزيم خصمه.. فإن التقارير المصرية والدولية "المحايدة" تؤكد أن المعارضة السابقة للرئيس مرسي بزعامة قادة حركة "تمرد" و"جبهة الانقاذ" نجحت فعلا يوم 30 جوان الماضي في إقناع الملايين بالنزول إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير وبرحيل مرسي.. الأمر الذي دفع عناصر من القيادة العليا للقوات المسلحة الى القيام بخطوة الانقلاب العسكري.. "تفاعلا مع رسائل الشارع وملايين الشباب".. ولم يكن خافيا أن من بين أسباب تدخل الجيش بروز قطيعة بين حزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين من جهة، وقطاع كبير من النخب الاعلامية والثقافية والسياسية والمالية.. لأن غالبية قيادات الاخوان المسلمين التي استلمت السلطة تفتقر الى الخبرة والكفاءة وليس لدى غالبيتها أي تجارب سابقة في تسيير الادارات والوزارات والمؤسسات.. معارضون للانقلاب في نفس الوقت فإن المسيرات الضخمة التي تنظمها "جبهة الدفاع عن الشرعية" منذ أسبوعين تزداد شعبية.. خاصة في ميادين رابعة العدوية والنهضة والجيزة في القاهرة.. وفي الاسكندرية والصعيد وسيناء.. ويزداد الوضع تعقيدا بعد انضمام بعض معارضي مرسي وحركة الإخوان إلى "جبهة المعارضين للانقلاب".. احتجاجا على "المنعرج الأمني" الذي قامت به القيادة العسكرية والرئيس "المؤقت" بعد الإطاحة بمرسي.. مثل اعتقال الصحفيين والسياسيين وغلق عدد من القنوات التلفزية والإذاعية ومكاتب مراسلي قناة "الجزيرة"،إلخ... فضلا عن حوادث إطلاق النار لا سيما في مسيرات سيناء ومظاهرة مقر الحرس الجمهوري.. حين حاول آلاف المتظاهرين"تحرير الرئيس مرسي" على غرار ما فعل متظاهرون في فنزويلا عقب الانقلاب على الرئيس المنتخب شافيز.. حيث نجحوا في اقتحام معتقله وتحريره وإرجاعه الى السلطة قتلى ساحة الحرس الجمهوري؟ وفي انتظار الكشف عن نتائج التحقيق المصري والدولي في تلك الحادثة التي سقط فيها 50 قتيلا ومئات الجرحى بالرصاص، ستبقى الأعصاب مشدودة.. تحسبا لتوظيف "دماء ضحايا تلك الحادثة".. هل كانوا فعلا ضحايا عمل إرهابي قامت به شخصيات محسوبة على "تيار الاسلام السياسي" أم "شهداء الدفاع عن الشرعية".. على غرار شهداء ثورة 25 يوليو؟ من خلال تتبع وسائل الاعلام المعارضة للاخوان المسلمين وحزبهم من جهة، وتلك التي تبدو قريبة منهم من جهة ثانية، يتضح أن ما يجري في مصر يوشك أن يدفع في اتجاهات متناقضة: البعض يسعى لدفعه نحو الصدام الدموي.. والبعض الآخر يريد توظيفه لتنظيم "الثورة الثانية" إنجاز «الثورة الثانية»؟ لكن أنصار دفع البلاد نحو "ثورة جديدة" أو ثورة "تصحيحية" لحركة 25 يوليو، يبدون بدورهم مقسمين بين 3 تيارات: أنصار حركة "تمرد" والموالون لنظام حسني مبارك وقيادات في تيار الاسلام السياسي وحلفائه التياران الاول والثاني ساهما في صنع "ثورة 30 جوان" ضد الاخوان المسلمين والرئيس مرسي.. لكن تشقهما خلافات كبيرة: حركة "تمرد" تدعو الى ثور شبابية جديدة وترفض "سرقة فلول مبارك لحركة 30 جوان بعد ان سرق الاخوان ثورة 25 يناير".. وهي ضد العودة بالبلاد الى حقبة ما قبل الاطاحة بالرئيس حسني مبارك وضد "المصالحة مع الفلول والازلام".. وضد إقصاء الاخوان من اللعبة السياسية القادمة.. في المقابل فإن حلفاءهم يوم 30 جوان يطالبون بإقصاء الاخوان المسلمين سياسيا والتحالف مع السلفييين التابعين لحزب النور لتمكينهم من قيادة التيار الاسلامي مستقبلا.. وتوظيف تقارب زعامات حزب النور مع بعض العواصم الخليجية مثل الرياض وأبو ظبي للحصول على دعم مالي للنظام المصري الجديد.. وحجة هؤلاء ان السعودية والامارات تعهدتا الى حد الآن بتقديم مساعدات بقية 5 مليارات دولار لمصر في صورة مضيها في مسارها الجديد.. خط أكثر راديكالية؟ لكن في الجانب الآخر فإن قيادات الاخوان المسلمين وحلفاءها والملايين الذين يدعمونهم في الشوارع أصبحوا يتحدثون عن ثورة جديدة "لتصحيح أخطاء حقبة العامين الماضيين وخاصة حقبة الرئيس مرسي" وعلى رأسها "الحسم في رموز نظام مبارك والبلطجية ومحاسبتهم عوض التسامح معهم".. وفي كل الحالات فإن غالبية زعامات حزب الأغلبية السابقة بدأوا يقومون بنقد علني لحقبة الرئيس محمد مرسي.. لكن الملف للنظر أن غالبيتهم بدأ يتطور في اتجاه "راديكالي والتوجه الراديكالي داخل التيار الاسلامي المصري يتراوح بين فئة تعلن الندم على عدم "إقصاء كل من عمل مع الرئيس مبارك" من كبار قادة الجيش والأمن ورجال الأعمال.. وفئة بدأت تعلن تخليها عن "الخيار الديمقراطي والانتخابات" وتدعو إلى العودة إلى منطق العنف و"الجهاد"، و"التغيير بالقوة".. فهل ينتصر دعاة التوافق من هنا وهناك، أم أنصار القطيعة والصدام؟