لطفي وزياد يقلبان كرسييهما أمام الشيخ مورو وسفير أمريكا مالوف.. موشحات.. قصائد.. ومواويل.. وحب كبير لتونس.. واذرع مفتوحة لاحتضان أهلها كل على طريقته ولكن بنفس القدر من الافتتان والحنو والشغف.. مثال ونضال من اجل وحدة التونسيين وصفاء القلوب أملا في مستقبل أفضل.. ذاك ما عبق من لقاء القطبين في افتتاح الدورة 31 لمهرجان مدينة تونس يوم 13 جويلية بالمسرح البلدي بالعاصمة.. لطفي بوشناق أو زياد غرسة لا احد منهما غريب عن مهرجان المدينة ولكل منهما جمهور يعشق فنهما ويجد نفسه في ما يقدمانه من طرب أصيل والتزام بالنهوض بفن تونس وموسيقاها وعمل دؤوب على المحافظة على تراثها والانتشار به مغاربيا وعربيا وعالميا.. التقى الجبلان في سهرة تاريخية اقبل الجمهور من كل حدب وصوب ومن كل الشرائح العمرية.. توافد بكثافة حتى غص به المسرح.. ومن يرفض أن يكون الحقيقة ان الجمهور منّى النفس بسهرة تنسيه ما تعيشه تونس من تجاذبات سياسية وتراشق بالتهم وتهديد ووعيد ودعوات باستباحة أرواح من يفكر في النموذج المصري في الإطاحة بالحكم الاخواني ومن يرى لتونس مسارا آخر غير الذي سطروه.. أيام عصيبة تمر بها تونس ولكن التونسي يجابهها بحكمة وثقة وحب عميق وأخوة حقيقية علمتها تونس الفقيرة لأبنائها.. نختلف نتشاجر ولكن الحب والاقتناع بوحدة المصير وكرم تونس يعيدنا لبعضنا البعض نسعد بالخبز والماء.. نقيم الحفل وبه نشبع ونرضى ونحس بقناعة من كرع من ملذات الدنيا.. نغني ونرقص وهذا في حد ذاته نضال من اجل ان تبقى تونس كما يحبها التونسيون ويرتاحون فيها.. العربية لغتها والإسلام دينها والحداثة وجهتها. درس في الأخوة والإيثار ولكن يبدو ان الحديث عن السياسة أصبح قدر التونسيين.. لان الحفل لم يخل منها بل وجه خلالها الفنان لطفي بوشناق رسالة إلى رجال السياسة في تونس من خلال أغنية كتب كلماتها الشاعر مازن الشريف عنوانها "الكراسي" وقلب الكرسي الذي كان يجلس عليه أمام الشيخ عبد الفتاح مورو وسفير الولاياتالمتحدة في تونس وعدد من رموز الترويكا والمعارضة ممن جلسوا في الصفوف الأمامية "الحركة" كانت رمزية تبناها زياد غرسة وقلب هو أيضا كرسيه ووصلت فكرة:"كون حرّ في أرض حرّة، وافتكر يوم المصير.. ويظل شعبك والوطن، تاريخك وتزول الكراسي" إلى الجمهور فصفق كثيرا. أغان عاطفية مالوف وموسيقى تونسيةأصيلة، دمج بين خطي زياد غرسة ولطفي بوشناق وتبادل لمشاعر الود والإخلاص والصداقة ودعوات صريحة وأخرى مبطنة إلى الأخوة الحقيقة والى التصالح مع الذات ومع الآخر والى السلام والرقي بالمشاعر وبتونس، ومثال صارخ على جودة العمل الجماعي ونبذ الأنانية وحب الذات. وهذا ليس بغريب عمن تربيا في الرشيدية على المحافظة على الموسيقى التونسية بكل خصوصياتها وطارا بجناحيهما وطوّرا ما تعلّماه فيها وطعّماها بإبداعاتهما الخاصة وقد ساعدهما على ذلك ما حباهما به الله وما صقلاه بقوة العمل والمواظبة من مساحات صوتية شاسعة تمكنهما من أداء كل الأنماط الموسيقية براحة تامة لذا استمتع جمهور مهرجان المدينة بأداء لطفي لاغاني زياد وبتسلطن زياد غرسة في أداء أغاني لطفي وإبداء إعجاب احدهما بالآخر مما يؤكّد بان اللقاء بين الجبال ممكن المهم ان يتوحد الهدف.. والهدف ليلتها كان إعطاء درس في معنى الأخوة وايجابية العمل المشترك وعمق الإحساس بالانتماء لتونس الفقيرة اليوم إلى حبنا لبعضنا ولمزيد من الإيثار لنتجاوز أزمتنا. انطلق الحفل على الساعة العاشرة وخمسين دقيقة وتواصل إلى الواحدة فجرا ولم يشبع الجمهور من غناء الثنائي غرسة وبوشناق ولا من رقصهما على الركح رغم أنهما غنيا معا لأكثر من ساعتين تقريبا - لان الجمهور بالتصفيق الحار والزغاريد أرجعهما للركح ليواصلا وقد غنّيا "املا واسقيني "و"علاش يا غزالي" و"الاه الكون" و"خدعتني غدرني ضربني الزمان ووجعني ثماش ثنية يا أمي لبطنك أترجعني" و"وقفوا البنات في البراكن" و"ريتك ما نعرف وين" و"المقياس" وكوكتال من أغاني الهادي الجويني وعلي الرياحي و" الكراسي" و"مواطن حائر" وفراق غزالي" ورحلت علي وغابت بتوزيع جديد وأغنية زياد الشهيرة "حبك كم معيارو" و"يا سعد من باع دارو" ومن اغاني لطفي بوشناق الثورية "أنا مواطن وحائر". لقد أوفى حفل الافتتاح بوعوده وكان استثناء وفسح المجال إلى عروض شبابية وطربية تتواصل إلى غاية يوم 6 أوت.