تونس - الصباح: شهدت الفترة الأخيرة تفاقم المنحى التصاعدي لأسعار المواد الأولية ومدخلات الانتاج الصناعي والفلاحي على حد السواء، بما يطرح تساؤلات حول وطأة هذه المستجدات على السوق التونسية، من حيث القدرة التنافسية للمؤسسات من جهة، والقدرة الشرائية للمواطن من جهة أخرى، وقد بدأ هذا الوضع في التنامي على الساحة العالمية منذ أواسط سنة 2003، وبدأ تدريجيا يخرج من دائرة الصبغة الظرفية ليصبح ظاهرة هيكلية في الاقتصاد العالمي وذلك حسب تأكيد العديد من الخبراء والمنظمات الدولية المعنية. هذا الوضع لم يشمل فقط المحروقات التي غطت الزيادات في أسعارها على أنواع أخرى من المواد، بل كان يهم أيضا منتوجات عديدة مثل المواد المنجمية والغذائية بكل أصنافها إلى جانب البذور وقطاع الغيار اللازمة للمنشآت الصناعية فماذا عن تطور أسعار هذه المواد وانعكاساتها على السوق الداخلية؟ وما هي الخطط المنتظر اعتمادها لمجابهة هذه التطورات خلال الفترة القادمة؟ المنحى التصاعدي للأسعار وأسبابه ان الأسباب الكامنة وراء المنحى التصاعدي لعديد المواد في العالم عديدة ومتنوعة، ولعل أهمها يعود الى الانتعاشة الاقتصادية في أهم الأقطاب الصناعية على الساحة العالمية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي، وكذلك الى النمو السريع لدول آسيا كالصين والهند، وقد أفضى هذا الواقع الى تزايد الطلب على هذه المواد، بشكل أدى بصفة آلية الى الارتفاع في الأسعار، وقد رافقه تقلص في حجم المخزونات العالمية في مختلف المواد، ولعل الزيادة الصاروخية لأسعار المحروقات جعل العديد من البلدان المنتجة توجه جزء كبيرا من انتاجها لاستخراج المحروقات البيولوجية مثل البيوديازال والبيوبيتانول عوضا عن بيع هذه المنتوجات في حالتها الخام في السوق العالمية. هذا السلوك شمل عديد المواد على غرار الاعلاف الحيوانية مثل السوجا والقطانية والشعير والسكر الذي اصبح يمثل اليوم تقريبا لدى بعض البلدان ركيزة أساسية لاستخراج هذا الصنف من المحروقات مثل البرازيل والهند على وجه الخصوص. ومنذ أواسط سنة 2003 ونهاية 2006 شهد مثلا سعر السكر على الصعيد العالمي زيادة قدرت ب170%، مما جعل الدولة على المستوى الوطني تتحمل خسائر في حدود 33 مليون دينار بخصوص هذه المادة فقط، وذلك بسبب الفارق من السعر على الساحة العالمية وأسعار البيع على مستوى السوق الداخلية. كما واجه قطاع الدواجن ضغطا بفعل هذه العوامل منذ أوت 2006 وذلك بسبب الأسعار المشطة لمادة السوجا والقطانيا في السوق العالمية، مع العلم أن كلفة الاعلاف تمثل ثلثي الكلفة الجملية لانتاج الدواجن. أيضا في هذا المجال يمكن الاشارة الى أسعار حديد البناء التي شهدت هي الأخرى خلال السنة الأخيرة بالخصوص عدة تعديلات في أسعار البيع للعموم، وهي تعود في الواقع الى الارتفاع الصاروخي الذي شهدته أسعار العروق الفولاذية (المادة الأولية لاستخراج حديد البناء) حيث مرت في ظرف 6 أشهر في ارتفاعها بما يناهز 30% أي أنها بلغت 590 دولار للطن، ورغم التراجع الطفيف في شهر ماي الفارط فإن عديد الخبراء يرجحون فرضية عودة الأسعار الى الارتفاع خلال الفترة القادمة. وعلى الرغم من تأطير الأسعار في تونس لهذه المادة، وبحكم عديد الحالات تحولت أسعار العروق الفولاذية الى أعلى من الأسعار المعمول بها في السوق المحلية، فقدل بلغت في الفترة الأخيرة حدود 590 دولار للطن مقابل 420 دولار للطن خلال السنة الفارطة. وفي خضم هذا الوضع كان هناك اضطرارا لمراجعة الأسعار المحلية حتي لا يتوقف توريد العروق الفولاذية، وبالتالي مواصلة تزويد السوق بحديد البناد الذي يعتبر مادة حساسة، وذلك على الرغم من أن الصندوق العام للتعويض لم يسلم من تداعيات هذا الوضع. وفي جانب آخر من التهاب الأسعار بالسوق العالمية تعرض قطاع الاسمنت هو الآخر الى تضخم كبير في كلفة الانتاج بسبب ارتفاع أسعار الطاقة التي تمثل 30% من كلفة الاسمنت، الى جانب ارتفاع أسعار الغبار في السوق العالمية والتي تطورت الى ما بين 80% و100%. تطور نفقات دعم المواد الأولية ومن ناحية أخرى ينتظر أن تقفز نفقات دعم المواد الغذائية الأساسية خلال السنة الجارية الى ما يفوق 500م.د مقابل 321م.د خلال سنة 2006، ويعود ذلك بالخصوص الى الارتفاع المشط لأسعار الحبوب والزيت النباتي في السوق العالمية والذي كان على النحو التالي: - ارتفاع سعر الحبوب بنحو 50% في الفترة من سبتمبر 2006 الى ماي 2007 (آخر سعر شراء بالنسبة الى القمح اللين كان في حدود 250 دولار). - ارتفاع معدل سعر التوريد بالنسبة الى الزيت النباتي (الصوجا) من 520 دولار من 2006 الى 700دولار خلال الأشهر الخمس الأولى من السنة الجارية، علما وأن آخر عملية توريد تمت بسعر 770 دولار. - ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 25% (من 60 الى 80 دولار بالنسبة الى قنطار الحبوب). وتبعا لكل هذه المعطيات، وتواصل المنحى التصاعدي للأسعارالعالمية ينتظر ان تصل نفقات الدعم الى المستويات التالية في 2007: - الحبوب: 413 مليون دينار مقابل 240 مليون دينار في 2006. - الزيت النباتي: 100+ مليون دينار مقابل 69 مليون دينار في 2006. وقد أدت هذه العوامل الى تضخم الفوارق في الكلفة الحقيقية للمنتوجات المدعمة وأسعار بيعها للعموم، ومن ذلك ارتفاع كلفة الزيوت النباتية الى ما فوق 1200 مليم في حين يبلغ سعر البيع للعموم 600 مليم بالنسبة الى الصنف السائل (صبّة) و720 مليم الزيت المعلب. وترجح مؤشرات السوق العالمية فرضية تواصل هذا المنحى التعاصدي للأسعار خلال الفترة القادمة، وذلك في ضوء استقرار المخزونات العالمية وفرضيات الانتاج في أهم البلدان المنتجة. حرص على ضمان انتظام التزويد والمحافظة على المخزونات وأفادت مصادر عليا مطلعة أنه رغم حدة هذا الواقع وانعكاساته الكبيرة على الاسعار وكلفة المنتوجات، فقد حرصت الحكومة على ضمان انتظام التزويد لهذه المواد، والمحافظة على مخزونات استراتيجية، وفقا للتمشي المعتاد في هذا المجال، فمثلا بالنسبة للحبوب والزيوت فان المخزونات المتوفرة والشراءات المتعاقد في شأنها تكفي الحاجيات الوطنية الى غاية شهر سبتمبر، كما أنه وعلى امتداد السنوات الأخيرة وازاء هذا الواقع، حرصت الحكومة على التخفيف من انعكاسات ارتفاع الاسعار على الساحة العالمية من خلال نفقات الدعم، وايضا من خلال امتيازات جبائية وجمركية على مستوى توريد بعض المنتوجات العلفية والغذائية، مع العلم أن هذه الامتيازات قد تخلت عنها خزينة الدولة كشكل من اشكال الدعم غير المباشر.