قطب "الدولة الحديثة" وقطب "الهوية" وقطب "يساري اجتماعي" رغم ارتفاع عدد الأحزاب والحركات السياسية إلى نحو 170 حزبا، فان تقدم المجلس الوطني التأسيسي في خطوات التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة وفي إعداد الصياغة النهائية للدستور، بدأ يعجل في تشكيل مشهد سياسي جديد سيكون حسب جل المؤشرات مختلفا تماما عن مشهدي ما قبل وما بعد 23 اكتوبر2011..وما قبل وما بعد جريمة اغتيال المناضل شكري بلعيد في 6 فيفري 2013.. فما هي أهم ملامح هذا المشهد ؟ يسجل أنه خلافا لكل التصريحات "المتشجنة" و"المتشائمة" توصل غالبية أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وقادة اتحاد الشغل وابرز الأحزاب القانونية من تحقيق توافقات سياسية كبيرة خلال المدة القليلة الماضية .. قطب يساري اجتماعي لعل من أهم العناصر الجديدة منذ جريمة اغتيال المناضل شكري بلعيد والجنازة الوطنية التي نظمت للترحم عليه والتنديد بالعنف السياسي ، تضاعف اشعاع "القطب الاجتماعي الاشتراكي" ..الذي يتزعمه قادة عدد من زعامات " الجبهة الشعبية " برئاسة السيد حمه الهمامي والنقابات العمالية ونشطاء الاتحاد العام التونسي للشغل .. ورغم الصبغة الفسيفسائية لهذا القطب السياسي ولمكونات نقابات العمال واتحاد الشغل خاصة، فقد نجحت بعض الحركات والاحزاب المنتمية الى "الجبهة الشعبية" والمتحالفة معها في استقطاب آلاف الشباب في الجامعات والمعاهد الثانوية والنقابات وفي بعض المناطق الداخلية .. وبرزت في هذا السياق بصفة خاصة مجموعات قريبة من "العائلة الوطنية الديمقراطية"..اي من بين مجموعات "الوطد" بزعامة محمد جمور وزياد الاخضر و"الوطج" بزعامة اعضاء في المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل وحزب "ع و د" بزعامة عبد الرزاق الهمامي الى جانب ممثلين عن بعض الحركات اليسارية والاشتراكية ومجموعات الضغط المتفرعة عنها.. تناقضات داخل "التحالف" ؟ الا ان من ابرز التحديات التي تواجه هذه القوى "الاشتراكية والاجتماعية واليسارية" أن بعضها لا يزال يؤمن بالتحرك المستقل وبمعارضة حزب نداء تونس بزعامة السيدين الباجي قائد السبسي والطيب البكوش، بينما اقتنع الاغلبية بضرورة العمل المشترك مع حزب نداء تونس ..ضمن جبهة "التحالف من اجل تونس".. وفي هذا السياق يفهم انخراط مزيد من النقابيين اليساريين ومن زعامات "اقصى اليسار" السابق مثل السيد محمد الكيلاني بالسادة الباجي قائد السبسي والطيب البكوش ومحسن مرزوق ورضا بالحاج ونورالدين بن نتيشة والازهر العكرمي ورفاقهم .. لكن حزب نداء تونس تشقه تناقضات داخلية عميقة بين جناحيه " الدستوري التجمعي الليبيرالي "بزعامة السيدين الباجي قائد السبسي وفوزي اللومي، و"اليساري الاشتراكي" بزعامة السادة الطيب البكوش ومحسن مرزوق ونورالدين بن نتيشة والازهر العكرمي ورضا بالحاج.. كما تشق "التحالف من اجل تونس" تناقضات بين مكونات "الحزب الام" (نداء تونس) والأحزاب والشخصيات الوطنية التي انضمت إليه وبعضها لديه طموحات سياسية عالية مثل السادة أحمد نجيب الشابي وأحمد ابراهيم وسمير الطيب وحمة الهمامي ومحمد البراهمي.. فضلا عن تناقضات " الطموحات الشخصية " داخل حزب نداء تونس نفسه بين شخصيات دستورية تجمعية واخرى قومية عربية أو يسارية او نقابية .. قطب "الاستقلال والدولة الحديثة " ؟ هذه التناقضات " الثانوية " داخل جبهة " التحالف من أجل تونس أقنعت مئات من الشخصيات السياسية التي تحمست اول الامر الى مبادرة السيد الباجي قائد السبسي بالابتعاد عنها.. وفي هذا السياق تعاقبت مبادرات الشخصيات الوطنية التي تعتبر نفسها ممثلة لتيار الجيل الوفي للوطنيين الذين انجزوا مهمتي الاستقلال وبناء الدولة الحديثة خلال الستين عاما الماضية..بدءا من الحقبة البورقيبية .. وضمن هذا المسار العام برزت "الجبهات الدستورية" الثلاثة : الاولى بقيادة الوزيرين السابقين السيدين كمال مرجان ومحمد جغام والثانية بزعامة الإعلامي السيد عمر صحابو والثالثة برئاسة السيد حامد القروي .. ورغم صعوبة توحيد نشطاء حوالي 47 حزبا خرجت من رحم الحزب الاشتراكي الدستوري وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، فان مشروع قانون " تحصين الثورة " الذي سيقصي الدستوريين سياسيا ،أقنع أغلبهم بالتقارب وتجميد تناقضاتهم ..وتشكيل جبهة سياسية " ضد "الترويكا" الحاكمة وخاصة ضد قيادات حركة النهضة وحلفائها الإسلاميين والعروبيين".. وفي انتظار حسم "التناقضات الثانوية" والخلافات الشخصية داخل الدستوريين والتجمعيين وحلفائهم، يبدو هذا القطب مؤهلا للعب دور كبير في الانتخابات القادمة.. مستفيدا من "ماكينة الحزب" السابقة ومن رصيده بين رجال الأعمال ..ومن "الإحساس بالخوف من سيناريو خسران مواقعهم نهائيا في صورة فوز الاغلبية الحالية بزعامة النهضة في الانتخابات القادمة".. قطب " الهوية " ؟ القطب الثالث في المشهد السياسي الجديد يجمع الأحزاب والقوى المتمسكة ب"الهوية العربية الاسلامية" وبالمرجعيات التراثية .. ويضم هذا القطب خاصة حزب حركة النهضة وعشرات من الاحزاب والمنظمات ذات الميولات الإسلامية.. ويتميز هذا القطب السياسي بكونه يخوض معركته السياسية والانتخابية وهو يتحكم في جانب كبير من دواليب الدولة ومؤسساتها.. بما يسهل تحركات نشطائه لوجيستيا وطنيا وجهويا ومحليا.. وبعد الانقلاب العسكري في مصر يبدو عدد من قادة هذا التيار احرص من قبل على " التوافق السياسي " ..وعلى المضي في الخيار الذي وقع اعتماده منذ انتخابات 23 اكتوبر 2011 اي التحالف بين قوى "اسلامية واخرى علمانية وشخصيات مستقلة "..على غرار تجربة "الترويكا" التي اعلن عدد من قادة النهضة وحزبي المؤتمر والتكتل انهايمكن ان تتطور الى "تحالف خماسي" او "سداسي" ..اي ان تشمل اكثرما يمكن من الاحزاب ..وخاصة منها تلك التي تعطي أولوية للهوية العربية والاسلامية .. لكن تحديات كثيرة تواجه تشكيل " الجبهة القومية الاسلامية " من بينها التناقضات التي فجرتها حربا سوريا وليبيا ثم احداث مصربعد انقلاب 3 جويلية ..كما تواجه هذه الجبهة "أعباء الحكم "..وتبعات استلام السلطة التي تتعرض للانتقادات "بسبب اخفاقاتها الكثيرة".. توافقات.. وتصدع ؟ في الاثناء قد تتنوع التحديات التي تواجه الطبقة السياسية والقيادات النقابية والحزبية مجتمعة ..وعلى راسها تحديات الفقر والبطالة والاضطرابات في الجهات والاعتصامات العشوائية وضغوطات ممثلي "الدولة العميقة".. الغاضبين بسبب عدم اعلان مسار واضح للمحاسبة والانصاف والمصالحة.. كما قد تتسبب الاضطرابات الامنية والاجتماعية والمشاكل الاقتصادية والمالية للدولة وللمؤسسات الخاصة في اختلال الموازين الحالية ..ودفع الاوضاع نحو المجهول ..