إلى سنوات غير بعيدة كانت تونس الكبرى تتميز بكثرة شواطئها ومحيطها البيئي النقي الذي يجد فيه المواطنون متنفسا وملجأ خلال فصل الصيف، علاوة على محيطها الغابي وما تتميز به أيضا من حدائق ومساحات خضراء ومنتزهات عديدة تنتشر على مشارفها. جملة هذه الفضاءات الطبيعية كانت تمثل الرئتين التي تتنفس بهما العاصمة، بل وتتميز بهما حتى في عيون الوافدين عليها من أفواج السياح لما يجدون فيها من نقاء هواء ونسيم عليل وراحة واستجمام كانوا فقدوه في بلدانهم. لكن البارز أن هذا المحيط الجميل بدأ يتآكل وهذه البيئة المتميزة تراجعت بشكل ملموس، فجملة الشواطئ التي تميّزت بها العاصمة قد لوّثت وذلك بدءا من شاطئ رواد فحلق الوادي وسيدي بوسعيد وصولا إلى شواطئي حمام الأنف والزهراء،وغيرها من بقية الشواطئ الجملية التي كانت على مرمى حجر من وسط العاصمة. كما أن مظاهر تكدّس الفضلات وتكاثر النفايات قد تكدّست في كل الجهات وزحفت على الحدائق العمومية والسّاحات الجميلة، وأيضا على ما يعرف بشوارع البيئة لتحوّل بعضها إلى خراب وذلك على مرأى ومسمع من البلديات التي لم تعد قادرة على رفع هذا التحدّي الذي أحاط بالجميع من كل ناحية. هذا الواقع المريب الذي تردّت فيه العاصمة بكافة جهاتها وضواحيها ليس أمرا خفيا ولا هو من باب المزايدات عندما يجري الحديث عما تردّى فيه، بل أن ذلك بات واقعا يشعر به الجميع، لكن لا أحد قد حرّك ساكنا وأطلق صيحة فزع بخصوص محيطنا الذي فقدناه ودمّرته الأيادي العابثة من أصحاب المؤسّسات الصناعية ومشاريع البناء وأيضا المواطنين الذين لم يعد يهمّهم أين ومتى يقع التخلص من الفضلات. هذه الصورة القاتمة التي ظهرت في العاصمة بدأت نتائجها تظهر من خلال تفشى بعض الأمراض التي كنا قد ودّعناها منذ سنين على اعتبار أنها من النوع الذي يدل على التخلف، لكن هاهي تعود في أيامنا هذه ومن أبرزها حالات الإصابة بالملاريا التي سجّلت أخيرا في صفوف بعض المواطنين ممّا يدل على تردّي الوضع البيئي وتدهور الواقع الصحّي العام.