يخيل لمتابعي اعتصام الرحيل أن أجواء الاحتفال المخيمة على ساحة باردو لا تتعدى محاولات البعض عرقلة الحكومة أو بحث البعض الآخر عن فضاءات للترفيه بعد أن أغلقت أبواب المهرجانات أمام رواد السهر إثر الأحداث الحزينة التي عرفتها تونس من اغتيال للشهيد محمد البراهمي واستشهاد لجنود من الجيش الوطني بجبل الشعانبي.. التونسي الباحث عن الفرحة منذ ثلاث سنوات، لم يعرف فيها سوى الفوضى وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ضريبة لثورة قوامها الكرامة والحرية، وجد في الفنون ملجأه ليعبر عن تطلعاته الوطنية في بلد عرف عبر تاريخه بانفتاحه على الآخر وتمازج حضارته ومع أبناء الحركة الثقافية الثورية كان لاعتصام الرحيل مذاق آخر.. أضفى عليه بعدا فنيا وجماليا بعيدا عن عنف الشوارع والترهيب الفكري.. أصوات الفنانين وإيقاعات الموسيقى وجدت طريقها لقلوب التونسيين، الذين أصبحوا على موعد يومي مع اعتصام الرحيل بساحة باردو. "الصباح" واكبت إحدى ليالي "الرحيل" بباردو وسط حضور جماهيري كبير تميز بتنوع فئاته العمرية، حاملين أعلام الوطن بعيدا عن أي انتماء سياسي ماعدا بعض التجمعات المنتمية لأحزاب المعارضة، التي تحاول إيجاد مكان لها وسط هذه الجماهير التائقة للفرحة والأمل والتحرر من قيود اعتقدت أنها زالت بزوال النظام البنفسجي.. ليلة الأربعاء الماضية كانت مميزة، حيث انقشعت عن سماء باردو بعض من سحابات الحزن وعاد الأمل لقلوب التونسيين مع حماسة شباب يغني "الرّاب" السياسي.. هو فن يحظى بقاعدة شبابية عريضة تمكن من شد انتباه المساندين لاعتصام "الرحيل" الذين تفاعلوا كذلك مع مداخلات وشعارات أبناء المسرح التونسي وعلى ايقاعات الموسيقى الثورية لفرق كانت دوما صوت الشارع فلا يمكن أن تغيب مجموعة الحمائم البيض عن هذه الأحداث السياسية الثقافية كما لونت المشهد الفني لاعتصام الرحيل مجموعات شابة على غرار مجموعة مسار للموسيقى البديلة وأمتع أعضاءها الحاضرين بمواهبهم في الغناء والعزف. وفي هذا السياق اختار أحد موسيقي "مسار" أيمن مقني عزف النشيد الوطني على آلة الكمان التي لا تفارقه في عزف مفعم بأحاسيس فنان يؤمن بأنه في الكون ثورة.. الفنانة جودة ناجح وجدت في أغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة ومختلف ايقاعات الموسيقى البديلة ملاذها بعيدا عن الإرهاب الفكري الذي يواجهه الفنان في تونس منذ حكم الترويكا.. جودة ناجح رددت مقاطع من هذه الأغاني وهي تجوب ساحة باردو صحبة رفاق الفن ووسط جمع كبير من المواطنين في سعادة قالت عنها "هذه تونس التي نحبها.. تونس الفرحة والأمل والكرامة والحرية.." المنتج الفنان نجيب عياد، اختار الانزواء بعيدا عن المشهد يراقب رفرفة أعلام تونس عاليا وتناغم المواطنين في سمفونية تطالب بإسقاط النظام ولا شرعية بعد الدم.. مشهد لعّله في ذهن نجيب عياد لا يمكن اقتناصه بكاميرا السينما والدراما لمدى سحره فاكتفى بتأمله للحظات متمتعا بروعته الفنان التشكيلي حسن القمري اختار حث الفنانين وكل التونسيين على الثورة والوقوف في وجه الرجعية والظلامية كل من موقعه محملين النخبة مسؤولية تأطير هذه الثورة حتى تكون ثورة وعي وفن وثقافة وتصحح مسار حادت عنه لفترة صور فن الغرافيتي لونت ساحة باردو وعبّرت عن أحلام وتطلعات النخبة المثقفة في البلاد ..هذه النخبة التي تخاذلت في بداية ثورة الجياع والمهشمين والمعطلين عن العمل والشباب اليائس ولكنها أيقنت بعد فترة أن هذه الثورة لن تحقق أحلامها دون لمسة فنان.. ومع ذلك لا يمكننا اعتبر أن كل فنان حضر اعتصام الرحيل كان مرحبا بمواقفه أو مساندته خاصة من تلونت أهدافهم بتلون النظام ومن أبرز المطربين، الذين حظي على صفحات التواصل الاجتماعي الفايسبوك وفي منتديات الدردشة بالنقد النجم العربي صابر الرباعي، الذي لم يكن لحضوره ليلة الأربعاء الماضية وقعا ايجابيا من الجميع فهناك من اتهمه – من المعارضين للحكومة - بركوب موجة الثورة بعد أن تجاوزته الموجة الأولى، حيث كان من المستائين من تأثير الثورات العربية على السهرات الفنية، التي توقفت بعضها فيما هاجمه مساندي الشرعية وأعلنوا مقاطعتهم لحفلاته باعتباره ساند شقا سياسيا على حساب آخر وبالتالي خسر جزءا من جمهوره بإقحام نفسه في عالم السياسة.. صابر الرباعي أعلن في باردو مساندته لاعتصام الرحيل وإيقافه لحفلاته الفنية تضامنا مع شهداء الجيش الوطني وهي خطوة اتخذها عدد من الفنانين التونسيين مخيرين الشارع وساحة باردو فضاء للتعبير عن أصواتهم ومواقفهم ومن بين الفنانين المواكبين وبصفة شبه يومية لاعتصام الرحيل نذكر ليلة الشابي وابراهيم لطيف وسوسن معالج والشاذلي العرفاوي ولطفي العبدلي وجميلة الشيحي والشاعر الصغير أولاد أحمد، الذي تنتشر كلمات أشعاره في أكثر من مكان بساحة الاعتصام ومن بين أشهر أبياته الحاضرة "لنا الأرامل والشهداء والجرح.. لكم الكراسي والرياء والقبح.."