تونس – الصباح الأسبوعي الإرهاب.. «شبح الموت» الذي أخذ في طريقه عددا من خيرة جنودنا واثنين من سياسيينا ورأيناه يتخذ من بلدنا مرتعا لتهريب السلاح وتجنيد "المقاتلين".. هو القوس الذي فُتح لدينا فجأة، في خضمّ سلسلة من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية آخرها أزمة الحكومة التي لم تصل بعد بفعل التجاذبات السياسية إلى برّ الأمان.. ينضاف الى ذلك ملف "الإرهاب" بكل ثقله فيزيد من الضغط العالي على الدولة بمختلف مؤسساتها وعلى المواطن الذي لم يعد يعرف على أيّ الجبهات يجب أن «يحارب».. «الصباح الأسبوعي» حاولت أن تلقي الضوء على ملف الإرهاب من زوايا مختلفة، في البداية أردنا التعرف على أشكال "غسيل الدماغ" والاستهداف التي يتعرض لها عدد من أبنائنا لينخرطوا في دوامة الإرهاب.. إضافة إلى البعد الإقليمي لهذه الظاهرة دون أن ننسى إلقاء الضوء على "مشروع قانون مكافحة الجريمة الإرهابية".. كما رصدنا الانعكاسات الاقتصادية للإرهاب والحلول الممكنة بهدف التصدّي لهذه الظاهرة.. غسيل دماغ».. واستقطاب : قصف العقول للترويض.. ومسح «الأمخاخ» لصناعة الإرهابي في الوقت الذي تزداد فيه الحملات على الارهاب في مختلف المناطق تعمد التنظيمات الارهابية الى قصف عقول شبابنا عبر آلة شيطانية تستعمل فيها كل أنواع "الأسلحة" من أجل "غسل مخ" كل ضحية جديدة وتقوم عادة عملية "الغسيل" على مسح الدماغ من الافكار والمعتقدات الموروثة والمكتسبة التي كان يؤمن بها الشخص المتلقن وإقناعه بافكار ومعتقدات دينية جديدة. انها عمليات غسيل مخ من نوع آخر تجرى يوميا ومنذ سنوات طويلة لشباب متحمّس يعاني خصوصا من أهوال البطالة والفقر. وقد أَطلَق بعضهم على هذه العمليَّة في السيطرة على العقل البشري وتوجيهه أسماء أخرى أعمَّ وأشمل من اصطلاح غسيل الدماغ مثل إعادة تقويم الأفكار أو التحوير الفكري أو المذهبة أو الإقناع الخفي وهذا الأسلوب تنتهجه عديد التنظيمات أبرزها تنظيم القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري تطويع المخ وقد تمّ تعريف اصطلاح غسيل المخ: "بأنه عمليَّة تطويع المخ وإعادة تشكيل التفكير وهو عمليَّة تغيير الاتجاهات النفسيَّة بحيث يتمّ هذا التغيير بطريقة التفجير وهو محاولة توجيه الفِكر الإنساني أو العمل الإنساني ضد رغبة الفرد أو ضدّ إرادته أو ضدّ ما يتَّفِق مع أفكاره ومُعتقداته وقِيمه إنه عمليَّة إعادة تعليم وهو عمليَّة تحويل الإيمان أو العقيدة إلى الكُفْر بها ثم إلى الإيمان بنقيضها" وعادة ما تستخدم في عمليات "غسيل المخ" عشرات الفضائيات التي لا تتوقف لحظة عن "قصف" عقول الشباب من خلال خطاب ديني متشدد يهيّئ استقطاب المغرر بهم ويسهل عملية اصطيادهم. واعتبر الشيخ فريد الباجي ان "الركن الأول في صناعة الإرهاب وهو التنظيم، ويتمثل في مراكز بحوث استخباراتية أجنبية بدعم ورعاية من بعض دول خليجية معينة متخصصة ومتفرغة للبحث عن شخصيات دينية انتهازية تميل إلى العنف بطبعها ومزاجها، وتتميز بالغباء والبلادة في الذهن، وتتبنى الفكر العقائدي الوهابي دعيّ السلفية، المعروف بالجمود وعدم قبول الآخر" وقال الباجي في حديثه ل"الصباح الأسبوعي" انه "يشترط في هذا الصنف القيادي أن يكون إسطوانة معلومات دينية مكثفة متطرفة، لها مفهوم ديني سطحي إسقاطي وإقصائي، والأفضل أن يكون مغرورا بنفسه، ويميل إلى حبّ الزعامة والظهور، لتسهل السيطرة عليه وتوجيهه بسهولة وهو الصفّ الأوّل الذي يقوم بتجنيد الصف الثاني من الارهابيين" صناعة الإرهابي وأضاف الباجي "إن الصف الأول هو الذي يتلقى التمويل المادي الضخم، والأسلحة بواسطة جمعيات مشبوهة التمويل وأحيانا تكون برعاية مباشرة من بعض الحكومات والاستخبارات التي تستفيد من فوضى الارهاب الخلاقة لتحقيق أهدافها الاستعمارية وهيمنتها السياسية والاقتصادية، لاستباحة التدخل والهيمنة على الدول، وتطويع قراراتها السيادية حسب متطلباتها ومصالحها عن طريق الفوضى الخلاقة، والأفضل في هذا الصنف الأول أن يكون ممن له تجربة ميدانية عسكرية سابقة في أفغانستان أو الشيشان، أو البلقان، وتحتاج عملية صنع هذا الإرهابي الأول كثيرا من الجهد والوقت والذكاء كما تحتاج إلى كثير من الأموال لطباعة الكتب وتسجيل المواعظ والخطب الموجهة على الاسطوانات وغير ذلك من أساليب الدعاية والدعوة لنشرها وجمع الأنصار حول هذا الداعية القيادي بتجييش العواطف، فضلا على تفويضه ليقوم بعمليات البحث على العصافير النادرة وقراءة الأفكار وتطويعها لتكون قربانا وضحية الإرهاب نفسه عن طريق التفجيرات الانتحارية الذبح بدم بارد واستطرد فريد الباجي قائلا "لصقل هذا الصيد الثمين فإنهم يركزون على الصف الثاني من الارهابيين، وهو الشق المنفذ للعمليات الإجرامية ويشترط فيه التصحر المعرفي الديني، والشذوذ النفسي والنقمة الطائشة العاطفية اللاعقلانية على الأوضاع العالمية والاقليمية والوطنية الضاغطة، ويستحب أن يكون من التائبين الجدد وخريجي السجون، وأن يكون خاليا كليا من العلوم الدينية والشرعية ليسهل عليهم دمغجته بمفاهيم دينية أحادية الجانب، حتى لا يقبل بعد ذلك غيرها ويتم ذلك بتنزيل آيات قرآنية نزلت في مشركي قريش والكفار، فيفسرونها له تفسيرا فاسدا ليسقطونها على المسلمين خاصة حتى يصبح المسلم عنده أشدّ كفرا من اليهود والمجوس، مما يسهل عليه قتل المسلمين وتفجيرهم وذبحهم بدم بارد، لأنه يغمره بعد ذلك شعور عظيم يقرّبه إلى الله تعالى بقتل عدوّ الله والاسلام، وهنا يلعب المفهوم الطائفي العقائدي دورا كبيرا، حيث يكثفون لهم في توجيههم الديني، أنك أنت السلفي المحمّدي السنيّ المسلم على الطريقة الصحيحة الوحيدة، وأن بقية المذاهب الاسلامية العقائدية كالأشعرية والشيعة والزيدية والأباضية هم مشركون قبوريون حرفوا الإسلام كما حرفه اليهود" الطاغوت الأكبر وشدّد الباجي على ان "الضحية لا يجد بعد ذلك غضاضة في قتلهم أو تفجيرهم لأنهم كفار بزعمهم، زد على ذلك، يقولون لهم: إن كان من يصلي قد يكون كافرا عدوا لله فما بالك بالعلماني واليساري والحداثي والديمقراطي، فلا تبقى في ذهنه شريحة من شرائح المجتمع في الدول الاسلامية والعربية إلا وهو مستهدف لديه، ثم يقولون لهم: إن هؤلاء جميعا هم أتباع دولهم وحكامهم وجنودهم الذين لا يحكمون شرع الله تعالى ويرضون بالكفر، وعدم تحكيم الشريعة الاسلامية هو أعظم الكفر، وقد قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ. وعليه فالحكومات وشرطتهم وجيشهم في الدول العربية والاسلامية هم الطاغوت الأكبر، الذي ينبغي إزالتهم قبل الجميع على حسب تعبيره محمد صالح الربعاوي مختص في علم النفس الاجتماعي: اصطياد الضحايا وإدماجهم في منظومة تخضع إلى التعليمات كشف سليم قلال المختص في علم النفس الاجتماعي ل"الصباح الاسبوعي" ان عملية غسيل مخ الضحية المستهدفة ليست سهلة واعتباطية وانما تعتمد على نظريات معروفة تنطلق من الاقناع لترويض الأشخاص الذين يتم اصطيادهم بحنكة ودهاء. ولتسهيل عملية اخضاع الشاب وانخراطه في التنظيم يتم ادماجه في منظومة سلطوية مماثلة للمؤسسة العسكرية مما يعني ان هذه المنظومة المهيكلة تخضع الى أوامر وتعليمات .واضاف قلال "باعتبار ان الإرهاب قائم على قراءة معينة للدين على قائد المجموعة او التنظيم ان يكسب مصداقية تحصل أولا من الشكل الخارجي منها طول اللحية وطريقة اللباس والنعوت والصفات التي تطلق عليه وتزيده قيمة بما يضمن الاعجاب بأسلوبه والانبهار بشخصيته .ولا ننسى ان هذه المنظومة تقوم على التاثير العاطفي على الضحية بعيدا عن المنطق والعقل ثم المرور الى مرحلة الترهيب والترغيب أي ترهيبه وتخويفه بالقول "اذا لم تنخرط فان الله سيعاقبك" والترغيب بالتاكيد "اذا عملت سيكون لك الثواب والاجر" الانتماء الأوسع وشدد سليم قلال على ان المجموعة او التنظيم الارهابي يمكن الضحية من الانتماء الأوسع من العائلة أو الحي الى حد اكتسابه ثقة في المنظومة والشعور بما يصطلح بتسميته بالربح النفسي .وانطلاقا من هذه المرحلة يتم إدماج الضحية في شبكة تكون عادة تجارية ليحقق الربح المادي الذي ينعكس على وضعه المعيشي وفي ثنايا ذلك يتم إقناعه بالافكار تدريجيا الى ان يستوعب الشاب المنظومة الفكرية ويصبح له اجابة على كل التساؤلات على اساس المنظومة التي تم استبطانها وحول العصافير النادرة التي يسهل صيدها بالنسبة لهذه المجموعات او التنظيمات قال قلال "انهم يبحثون عادة عن ضحاياهم من الذين يعانون ضعفا ماديا من الفئات الفقيرة أو يصطادون الشباب الضعيف من الجانب النفسي الفكري حتى من فئات أخرى من ميسوري الحال لانك قد تجد شابا يعاني من مشكلة الثقة في النفس ويبحث عن الانتماء الى مجموعة ترضيه .والمستوى الدراسي ليس عاملا يجنبه بالضرورة الهشاشة الفكرية أي لا يملكون حسا نقديا لذلك نجد احيانا أطباء او مهندسين او كوادر مورطين في الارهاب مراجعة المنظومة التربوية وعن الحلول الجذرية لحماية شبابنا من خطر الارهاب شدد قلال على انه يتحتم على السلطة الحالية والحكومات القادمة وضع برنامج متكامل تواجه من خلاله هذه الظاهرة وذلك بمراجعة المنظومة التربوية حتى يصبح للشاب رؤية نقدية تحميه من خطر الوقوع في التطرف .ولابد من توفير الامكانيات التي تمكن الشاب من الانخراط في مجالات تفتح أمامه أبواب الامل بعيدا عن اليأس والاحباط مع ضرورة السعي الى الاحاطة بالمناطق المهمشة وتوفير مواطن الشغل في المناطق الفقيرة بما يساهم في سد المنافذ أمام صائدي ضحايا التطرف والارهاب