ما يبدو مثيرا للأسف حقيقة في «ملف» هذه الأزمة السياسية القائمة بما أضحت تمثله من تحديات أمنية واقتصادية خطيرة ومدمّرة أنها تكاد تتحوّل بالتجربة الديمقراطية الوليدة في بلادنا التي انبثقت عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 التاريخية من مرتبة «نموذج» إلى صنف «حالة» ! أجل،،، فالحديث اليوم في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية لم يعد عن «نموذج تونسي» واعد في التغيير والانتقال الديمقراطي وإنما يكاد يصبح عن «حالة تونسية» مثيرة للانشغال إقليميا ودوليا اعتبارا لما يستبطنه مصطلح «حالة» في القاموس السياسي من احتمالات بالإنخرام والفوضى المجتمعية أمنيا وسياسيا طبعا،،، إذا ما كتب لا قدر الله لهذه التجربة التونسية الرائدة عربيا في الإصلاح والانتقال الديمقراطي بأن تفشل فعلا وأن تتحوّل من «نموذج» إلى «حالة» بالمعنى السياسي والأمني فإن المسؤولية في ذلك ستتحملها قطعا كل القوى الوطنية السياسية والاجتماعية دون استثناء لذلك على الجميع أن يدرك هنا أنه في تاريخ المجتمعات وتحديدا في المراحل المفصلية من حياة الدول والشعوب لا وجود في الواقع لثنائية «حكم ومعارضة» بالمعنى السياسي التقليدي وإنما هناك رهان تاريخي في البناء والتأسيس يجب أن تجتمع كل الأطراف والقوى الوطنية مرحليا على كسبه.. نقول هذا لأنه ربما يكون من بين أسباب هذه الأزمة السياسية الخطيرة التي تكاد تعصف اليوم بمشروع الدولة الديمقراطية الوليدة في تونس أن بعض الأطراف السياسية والاجتماعية في الحكم والمعارضة قد استعجلت على ما يبدو الانخراط في الصراع على السلطة وراحت تتموقع ايديولوجيا وفئويا حتى قبل أن تكون هناك دولة جديدة ودستور بديل .. فكان أن بدت جميعها في صورة ذلك المنبت الذي «لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى !». لا نريد أن نتحامل على أي جهة أو طرف سياسي ولكننا نريد فقط أن ينتبه الجميع إلى جوهر حقيقة وطبيعة المرحلة التي نعيش وطنيا وأن يصدر في مواقفه وقراراته عن روح وطنية بالأساس تنتصر في العمق للمشروع التأسيسي بعيدا عن أية اعتبارات حزبية أو فئوية ضيقة.. صحيح،،، وحتى لا نكون عدميين أو متشائمين هناك اليوم بوادر وعي وطني بضرورة تقديم الأهم على المهم كما هناك رغبة حقيقية على ما يبدو في تجاوز التحديات القائمة من أجل المضي قدما بعملية الانتقال الديمقراطي وانعاش «النموذج التونسي».. فهذه اللقاءات والمشاورات التي تجمع أطرافا طالما تنافرت سياسيا وهذه المبادرات من أجل إطلاق حوار سياسي وطني جاد ومسؤول يساعد على الخروج من الأزمة أو على الأقل بحول دون تفاقم تبعاتها الخطيرة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية يجب أن تتواصل وأن تتعمق حتى حصول التوافق الذي من شأنه أن يعيد وفي أقرب وقت للتجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي بريقها ويعود بها إلى مرتبة «النموذج» وفاء للثورة ولدماء شهدائها الأبرار.