على امتداد الستة عقود الماضية (57 سنة بالتحديد) التي تلت إعلان الاستقلال التام لبلادنا عن الاستعمار الفرنسي البغيض.. لم نكن كتونسيين نطمح ونحن نبني جيلا بعد جيل دولتنا الوطنية المستقلة إلا إلى تحقيق ذلك الحلم الكبير الذي راود الأجداد والآباء والمتمثل أساسا في دولة تونسية مدنية ديمقراطية بمؤسسات دستورية ضامنة للحريات ولعلوية القانون. هذا الحلم التونسي الذي لا يزال يستغرقنا ويثير مشاعرنا الوطنية أضحى وتحديدا بعد ثورة 14 جانفي 2011 التاريخية ممكنا أكثر من أي وقت مضى لا فقط لأن هذه الثورة العظيمة قد جعلتنا نتخطى عقبة نظام قمعي فاسد ظل على امتداد أكثر من عشريتين يجذب إلى الخلف ويحول دون المضي قدما على طريق التمكين للحلم التونسي الكبير وإنما أيضا لأن "حصاد" سنة ونيف من عمر التجربة الديمقراطية التونسية الوليدة التي أعقبت انتخابات أكتوبر 2011 التاريخية يبدو مبشرا في ذاته على الرغم من كل العوائق والمثبطات.. وما من شك أن أية إساءة لهذه التجربة الديمقراطية الوليدة.. وأية محاولة لارباك مسارها ولو عن غير قصد سيكون بمثابة جريمة لا فقط في حق الثورة وشهدائها بل وكذلك في حق أجيال من التونسيين الذي عاشوا وماتوا على أمل تحقيق حلم الدولة الوطنية الحرة.. دولة العدالة والحريات والقانون والمؤسسات.. من هنا تحديدا يمكن اعتبار مسؤولية القائمين اليوم على أمر الدولة والثورة سواء من كان منهم في الحكم أو في المعارضة مسؤولية مضاعفة.. بل قد لا نكون مبالغين اذا ما قلنا أن أي تقصير او سوء تقدير يصدر عنهم في هذه المرحلة تحديدا من مسار الاصلاح والتأسيس للدولة الديمقراطية البديلة سيكون بمثابة جريمة تفوق في بشاعتها ما ارتكبه نظام بن علي على امتداد اكثر من عشريتين من جرائم في حق تونس والتونسيين وفي حق حلمهم التاريخي !!! لا نريد والمناسبة وطنية بامتياز أن نتحامل على أي طرف بعينه.. ما نريده هو أن يعي الجميع اليوم أن الواجب الوطني والتاريخي والثوري يدعوهم الى أن يجعلوا مصلحة الوطن العليا فوق أية مصلحة أخرى حزبية كانت أو فئوية خاصة وأن أخطاء كبيرة وخطيرة ارتكبت على مدى العامين الماضيين في حق الثورة والوطن.. أخطاء انتكهت في بعضها حرمة مقرات السيادة ومؤسسات الانتاج وهددت بالتالي المواطن التونسي لا فقط في أمنه الغذائي والنفسي بل وكادت تطيح بمشروعه الاصلاحي الذي بشرت به ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي التاريخية... دعوة في الذكرى السابعة والخمسين للاستقلال نوجهها الى كل القوى الوطنية السياسية والاجتماعية والى كل تونسي وتونسية أن تآلفوا وكونوا على قلب رجل واحد في التصدي لكل محاولات النكوص والالتفاف على الثورة.. تعقّلوا وذروا الحسابات الحزبية والفئوية الضيقة واتقوا الله في الوطن والثورة وفي.. الحلم التونسي.