موضوع التفرقة العنصرية مازال من المواضيع الحارقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. التفرقة العرقية والعنصرية هي ذلك الجرح المفتوح منذ قرون بأمريكا رغم وصول باراك أوباما لسدة الحكم وحصوله على تفويض شعبي لمدّة رئاسيّة ثانية وهو الرجل الأسمر الذي ينحدر من أصول افريقية. وانتخاب رجل من السود الأمريكييّن رئيسا للولايات المتحدة وإن كان حدثا عظيما ولحظة تاريخية فارقة ببلد العم سام لم يقض على مشاكل الميز العنصري بالكامل فعلى ما يبدو مازال أمام الأمريكيين عمل كبير لنبذ التفرقة العصرية بين البيض والسود.. نسبة قليلة فقط من مشاكل التفرقة العنصرية تم حلها وفق المعلقين والمتابعين لقضية المساواة في الحقوق المدنية. وقد ساهم فيلم "كبير الخدم" الذي خرج للقاعات الأمريكية في الأسابيع القليلة الماضية وشرعت القاعات الفرنسية في عرضه منذ11 سبتمبر الجاري في إعادة فتح النقاش حول القضية خاصة وأن الفيلم وحسب تقارير الصحافة الدولية حوله فاجأ الجماهير والنقاد بجودة الطرح وجودة الآداء. وقد علمنا أن الفيلم وبمجرد خروجه لقاعات السينما تجاوزت مداخيله نفقات الإنتاج بكثير رغم أنه من فئة الأفلام المستقلة التي لا تتمتع بميزانيات هائلة على عكس الأفلام الضخمة بهوليود وتصدر شباك التذاكر وبغلت مداخيله مئات الملايين من الدولارات إلى حد الآن. وساهمت ردة فعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد مشاهدة الفيلم في الترويج له ذلك أن الناس تهافتت على الفيلم الذي أبكى الرئيس. وكان باراك أوباما قد صرح لوسائل الإعلام أنه تأثر كثيرا بالأحداث (إلى درجة البكاء فقد صورته عدسات الكاميرا وهو يذرف الدموع) فالفيلم ذكّره حسب ما نقل من تصريحات له بعدة أجيال من السود لم تتمكّن من الحصول على فرصة بسبب لونها. تدور أحداث الفيلم الذي نتوق بطبيعة الحال إلى أن نراه قريبا على شاشات القاعات التونسية حول"سيسيل غاينس" وهو خادم اسود خدم في البيت الأبيض في ظل حكم ثمانية رؤساء انطلاقا من أيزنهاور ووصولا إلى رونالد ريغن. الأحداث التي تعود بالمشاهد إلى معاناة السود في أمريكا مقتبسة من قصة حقيقية. قصة الراحل "إيجان آلان "كبير الخدم بالبيت الأبيض الذي كان من بين المدعويين إلى البيت الأبيض يوم تتويج باراك أوباما وإعلانه سيّدا له لأول مرة في تاريخ السود الأمريكيين بعد أن اشتغل لسنوات طويلة بالقصر. لقد اغتنمت الصحافة الأمريكية فرصة بروز باراك أوباما على الساحة السياسية وسلطت الضوء على الرجل الذي ولد في حقول القطن أين كانت عائلته مسخرة لخدمة صاحب الحقل ليجد نفسه في البيت الابيض وفي علاقة مباشرة مع رؤساء البلاد. اقتبس المخرج "لي دانيالس" قصّة الرجل الذي ذهب والده ضحية الميز العنصري والذي سقط أمام عينيه والذي فقد فيما بعد ولده في حرب الفيتنام وحوّلها إلى السينما بإمكانيات قليلة لكن الفيلم نجح في استقطاب الجماهير واعتبر الحدث السينمائي بأمريكا بامتياز في الصائفة الأخيرة وقد نجح في تحقيق أكثر من هدف. السينما المستقلة تصنع الحدث على المستوى السينمائي تفوقت السينما المستقلة من خلال "كبير الخدم" على الأفلام التجارية الكبرى حيث شغل الفيلم الجماهير وأثار الإعجاب أما على المستوى السياسي فقد خلق الفيلم جدلا كبيرا وأعاد فتح النقاش حول الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة وقلّب صفحات التاريخ الأمريكية المليئة بالجروح وبآلام وآهات وأنّات العائلات الأمريكية من السود التي تم تسخيرها لخدمة البيض. وقد حيّى النقاد الممثل"فوريست وايتكر" الذي برع في تقمص شخصية كبير الخدم وفي تبليغ فكرة المخرج "لي دانيالز" الذي نقل للسينما قصة عائلة افرو-أمريكية انطلاقا من وجهة نظر هذه العائلة. والفيلم الذي وظف الأرشيف والوثائق الرسمية يتعرض للتاريخ النضالي للسود الامريكيين وكل الذين تبنوا القضية من أجل المساواة في الحقوق. وهو بطريقة أخرى يكرم المناضلين من أجل المساواة وعلى رأسهم المناضل الرمز مارتن لوذر كينغ. وتجدر الإشارة إلى أن المخرج "لي دانيالز"الذي صفق له النقاد من أبرز المخرجين الأمريكيين الحاملين لهمّ السود الأمريكيين مع العلم وأن السينمائيين الأمريكيين (ممثلين ومخرجين) لم يحصلوا بدورهم على الإعتراف الحقيقي إلا منذ مدة وجيزة حيث أصبحت الساحة تضم أسماء كبيرة على غرار سيدني بواتيي وهالي بيري وويل سميث وفورست هايتكر ومروغان فريمان ودانزل واشنطن. وقد علمنا انه كان من المفروض أن يؤدي دانزل واشنطن شخصية كبير الخدم إلا أنه رفض الدور الذي آل في نهاية الأمر إلى فوريست وايتكر.