ألقى الوضع السياسي بضلاله على الاقتصاد الوطني وذلك بالنظر للارتباط الوثيق بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي. وقد كان لاغتيال نائب المجلس التأسيسي والمنسق العام للتيار الشعبي محمد البراهمي واغتيال 8 عسكريين في جبل الشعانبي نهاية شهر جويلية الفارط اثر بليغ على الاقتصاد بالنظر إلى التهديدات الأمنية المتواصلة واحتدام التجاذبات بين الحكومة والمعارضة وعدم وضوح الرؤيا السياسية. كل هذا دفع بمحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري لإطلاق ناقوس الخطر حيث أكد أنه اذا ما تواصلت ضبابية المشهد السياسي فإن الاقتصاد سيشهد تدهورا غير مسبوق إلى درجة عدم قدرة الدولة على تسديد رواتب موظفيها نهاية سنة 2013. وفي ذات السياق نبّه صندوق النقد الدولي الجمعة الفارط من زيادة المخاطرالمحدقة بالاقتصاد التونسي بسبب الأزمة السياسية والتهديدات الأمنية مقابل تدهورالوضع الاقتصادي. وحذرالصندوق من تواصل الأزمة السياسية اثر زيارة أدّتها بعثة تابعة له الى تونس لمدّة 15 يوما (من 11 الى 25 سبتمبر 2013)، مشيرا الى المخاطرالتي تتهدّد الاقتصاد في تونس والتي ازدادت حدّتها لا سيّما مع تواصل الأزمة السياسية الحالية والتطورات الأمنية الاخيرة التي أخذت منحى خطيرا وهو ما أدّى بالضرورة إلى ازياد المخاطر الاقتصادية التي قد تؤدّي الى تدهور الوضع الاقتصادي خاصة أن الشركاء الاقتصاديين بدأوا في مراجعة علاقتهم الاقتصادية مع تونس. برنامج صندوق الدعم وكان صندوق النقد الدولي أقرّ في جوان 2013 برنامج دعم لفائدة تونس بقيمة 1.7 مليار دولار ما يعادل 2.7 مليار دينار لمعاضدة الانتقال الديمقراطي في تونس والذي يمتدّ لسنتين عبر تحويل قرض أول مباشر بقيمة 150.2 مليون دولارما يعادل 240.3 مليون دينار؛ إلا ان الصندوق لن يُقدم على صرف القسط الثاني من القرض إلى حين الاطلاع عن كثب عمّا ستؤول اليه الأزمة بين الفرقاء السياسيّين سيما في ظل تعطل الحوارالوطني منذ جويلية الفارط حيث حذرالبنك من تبعات الأزمة السياسية على الاقتصاد الوطني. مؤشرات خطيرة واعتبرالصندوق أن عجز ميزان الدفوعات الخارجية ما فتئ يتعمق و هو ما أكده بلاغ البنك المركزي الصادر يوم الخميس الفارط حيث اوضح أن ارتفاع العجز التجاري خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الحالية بلغ 4.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ودعا الصندوق إزاء هذا الظرف الى وضع برامج عاجلة للتحكم في العجز الخارجي وعجز الميزانية والتقليص من هشاشة النظام البنكي وتحقيق نموّ ارفع قادرعلى امتصاص البطالة خاصة مع تواصل تباطؤ نسق الصلاحات. إن الأوضاع الصّعبة التي تشهدها تونس على خلفية العجز المتواصل في ميزانية الدولة والذي قد يصل إلى 7.7 بالمائة وعدم تحقيق نسبة النموّ المتوقعة حيث سجلت خلال الثمانية أشهرالأولى من السنة نسبة نموّ ب 3.6 بالمائة فقط فيما كانت النسبة المحددة4.5 بالمائة، مع وجود توقعات لإمكانية استقرارهذه النسبة على 3 بالمائة في نهاية السنة الحالية وتراجع نسبة الاستثمارات الأجنبية ب0.7 بالمائة خلال الثمانية اشهر الأولى من السنة، قد يدفع بالصندوق الى مراجعة تقديراته تجاه الوضع الاقتصادي التونسي سيما أن تونس تقدّمت بطلب الى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ب 2.5 مليار دينار لمجابهة الأزمة الاقتصادية خاصة مع تواصل الأزمة السياسية. الحل في تجاوزالأزمة السياسية ومن جهته أكد رضا قويعه، رئيس جمعية الاقتصاديين التونسيين، أن التحذيرات التي أطلقها صندوق النقد الدولي ليست الأولى من نوعها وأنها تأتي في إطار التنبيه إلى المخاطر التي قد تتردّى فيها البلاد في حال تواصل الوضع السياسي على ما هوعليه خلال الأشهر القادمة. وأضاف محدّثنا أن الصندوق يسعى عبرالبيان الذي أصدره إلى الحصول على المزيد من الضمانات حتى يتمكن من استرجاع القروض الممنوحة إلى تونس وذلك عبرالتشديد على وضوح الرؤيا السياسية وتحقيق التوافق الوطني عبرانهاء المرحلة الانتقالية في اقراب الآجال. وأضاف الخبيرالاقتصادي أن هذا لن يتمّ إلا عبر جلوس الفرقاء السياسيين إلى طاولة المفاوضات وإيجاد حلول جذرية لإنهاء الأزمة السياسية ومن ثمّة وضع برنامج عاجل للإصلاح الاقتصادي يتماشى وشروط صندوق النقد الدولي التي تتمثل أساسا في وضع برامج عاجلة للتحكم في العجزالخارجي وعجزالميزانية والتقليص من هشاشة النظام البنكي الذي يُضخّ لدعمه يوميا حوالي 3 مليار دينار وتحقيق نسبة نمو هامة مع وجوب امتصاص نسبة اكبرمن البطالة؛ هذا إلى جانب الحدّ من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وذلك عبرالترفيع في الميزانية المخصّصة للتنمية التي لم يصرف منها إلى غاية جويلية الماضي سوى 23 بالمائة وهي نسبة ضعيفة؛ مع التخفيض من قيمة الدعم الذي يمثل حوالي 6 مليارات من ميزانية الدولة خاصة التخفيض من الدعم الموظف على المحروقات التي تساوي 30 بالمائة من جملة الدعم ووضع سياسة تقشف واضحة الملامح ضروري من أجل كسب ثقة صندوق النقد الدولي كي يواصل دعمه للاقتصاد التونسي خلال هذه الفترة الحساسة. الحل السياسي سيكون المخرج الرئيسي لزحزحة الوضع الاقتصادي، سيّما مع اقتراب موعد انطلاق المفاوضات غدا الاربعاء بين الفرقاء السياسيين، من أجل الخروج من الوضع المتردّي من أوكد الضروريات؛ فوصول السياسيين إلى توافق عبر تحديد ملامح خارطة الطريق السياسية يعتبراساسيا لتجاوز هذه المرحلة الصعبة على جميع الأصعدة، فالاستقرار السياسي والأمني ووضع برنامج انقاذ اقتصادي يتماشى وشروط صندوق النقد الدولي من شأنه أن يؤدي الى الاستقرار الاقتصادي وهو ما سيكسب الشركاء الاقتصاديين من بنوك ورؤوس أموال الثقة في الاقتصاد الوطني من أجل دعمه الى حين تجاوز المرحلة الانتقالية.