بعض الفرنسيين يرغبون في دفنه في البانتيون اعترافا بمكانته تونس - الصباح: غادرالدنيا يوم الخميس 17 أفريل ودفن يوم الاثنين 21 أفريل الجاري الشاعر والمسرحي المارتينيكي إيمي سيزارعن عمر يناهز 94 عاما بعد حياة حافلة بالنضال السياسي والاجتماعي والثقافي وصراع مرير مع الموت... ويعتبر ايمي سيزاراحد اقطاب الفرنكفونية في العالم إذ نظم قصائده وكتب بحوثه ودراساته ومسرحياته بلغة فرنسية شاعرية وجميلة وصحيحة لا يقدرعليهاالآن حتى الفرنسيون انفسهم ذلك انه تربى في عائلة اغلب افرادها من رجال التعليم لذا تيسرله اتقان اللغة الفرنسية : لغة مستعمر المارتينيك منذ ما يزيد عن 300 سنة وقد تفقه فيها خلال دراسته في فرنسا التي توجها بتأسيس حركة "الزنوجة" بالتعاون مع الرئيس السينغالي السابق ليوبولد سيدار سنغور. الزنوجة: مجموعة القيم الثقافية للعالم الاسود والزنوجة كما عرفها الشاعرالسينغالي ليوبولد سيدارسنغورهي: «مجموع القيم الثقافية للعالم الاسود كما تعبرعن نفسها في الحياة والمؤسسات واعمال السود». وهي ايضا مصطلح ابتدعه ايمي سيزارفي بداية الاربعينات تاريخ انطلاق شرارة الثورة على الظلم والاقطاع واستغلال الانسان لأخيه الانسان وذلك لمواجهة اديولوجيا استعمارية متعالية عنصرية تمارس القهر والتمييزعلى الهويات المستضعفة وهي الحقبة التي تحول خلالها بحث الافارقة الذين هاجروا الى البلدان الغربية عن الحرية الى بحث عن التراث الافريقي وخاصة طرح الاسئلة حول الهوية الافريقية أهي هوية عرقية ام جغرافية؟ ولئن كان انتاجه غزيرا في النقد والمسرح والقراءات والدراسات التأملية فقد ذاع صيته في نظم الشعر باللغة الفرنسية إذ اصدر 8 دواوين شعرية هي الوطن سنة 1930 الاسلحة الخارقة سنة 1948 شمس مقطوعة العنق سنة 1948، جسد هالك سنة 1960، الأغلال في بداية سنة 1961 وبيان في نهاية سنة 1961 وساقية سنة 1976 أنا الطارق سنة 1982. وقد كتب أربع مسرحيات هي: 1) مأساة الملك كريستوف سنة 1963 2 ) الكلاب تصمت سنة 1947 3) موسم في الكنغو سنة 1966 4) العاصفة سنة 1958 وقد كتب ايضا "الثورة الفرنسية ومشكلة الاستيطان" سنة 1962 وله كذلك بحوث في النقد والادب والتاريخ والعبودية والنظام الاستعماري والثقافة والاستعمار. شعب مهان وبلا طموح ومنذ نعومة اظفاره انتبه ايمي سيزار الى ان شعبه لا يعاني من البؤس وحده بل انه ايضا مهان معدم لا ثروة له ولا طموح يتملكه هاجس الخوف من ان لا يجد ما يأكله في الغد ومن ان لا يجد عملا او يمرض فلا يجد ما يداوي به نفسه أو يسجن ظلما ولاحظ ان كرامة شعبه تدوسها الاقدام بعد ان اجتمعت العبودية القديمة مع الاستغلال الحديث المتمثل في الاستعمار على سحقها فعبرعن هذه الوضعية بقوله: «كما لو ان هناك من الناس الضباع ومنهم الفهود أما انا فسأكون ذلك الانسان - الهمجي الانسان - الهندي من كالكوتا الانسان - الزنجي من هارلم الذي لا حق له في التصويت الانسان - المجاعة -الانسان السباب.. التنكيل» ومن اشهر القصائد التي قالها ايمي سيزار تلك التي وجه فيها تحية الى ثوار العالم الثالث والمناضلين من أجل الحرية وخاصة لرفيق دربه ليوبولد سيدار سنغور وعنوانها: من اجل تحية العالم الثالث اه لنومي الذي يعكر صفوه ضجيج البحرفي هذه الجزيرة.. هاهي كل نقاط الخطر التاريخ الذي يمنع الشارة التي انتظرتها إني أرى تدافع الأمم خضر وحمر وملونين إني أحييكم.. يا أشجار الموز ويا مضاييق الريح القديم مالي، غينيا، غانا واني لأراكم، رجالا غير مهرة تحت هذه الشمس الجديدة أصغوا إلي، من جزيرتي البعيدة من جزيرتي المنيرة اصغوا إلي... اقترح دفنه في البانتيون: أعلى درجات التكريم حظي ايمي سيزارفي حياته كما في مماته بحظوة غيرمسبوقة من لدن الفرنسيين واعتبرته بعض وسائل الاعلام الفرنسية شخصية وطنية إذ كان عضوا ملتزما في الحزب الشيوعي الفرنسي ولانه من جزرالمارتينيك التي تعود بالنظرهي ومجموعة أخرى من الجزرالمتناثرة في الباسيفيك الى الجمهورية الفرنسية ضمن ما يعرف بالاراضي الفرنسية ما وراء البحار (اي ببساطة مستعمرة فرنسية) كما اعتبرت وفاته خسارة عظمى للفرنكفونية باعتبارالخدمات الجليلة التي قدمها للغة الفرنسية التي نظم بها شعره وهو من اشهر شعراء عصره واكثرهم اتقانا وقد نادى بعض الفرنسيين حال سماع خبروفاته بتكريمه وبرمجة دواوينه الشعرية لتدرس في المعاهد والجامعات الفرنسية اولا لقيمتها وعلودرجة اتقان وصحة لغتها الفرنسية ثانيا اعترافا بالجميل لهذا الذي يعتبره البعض فرنسيا رغم سواد بشرته وانتمائه الى شعب آخروثقافة اخرى عمل جاهدا على ابرازها للوجود والاعلان عنها من خلال الاعلان عن نفسه كشاعرومثقف زنجي ويعتز ايما اعتزاز بزنجيته وقد وصل الامر بالبعض منهم حد اقتراح جلب رفاته من المارتنيك لتكريمه بدفنه في مبنى البانتينيون (مقبرة تتسع الى 300 قبر) والذي يرقد فيه 72 من كباررجالات فرنسا من امثال جان جاك روسووفيكتورهيقووايميل زولا وجان جوريس وغيرهم ممن ساهموا في ثورة فرنسا الثقافية. وقد تجلت هذه الحظوة ايضا في تنقل العدد الكبير من الشخصيات السياسية الفاعلة وعلى رأسهم الرئيس نيكولا ساركوزي والمرشحة السابقة لرئاسة فرنسا سيغولان روايال لحضورموكب توديعه ودفنه... حضور لافت للانتباه مثير للاسئلة فهل هي الدعاية وتلميع صورة المستعمر (بكسرالميم ) أم لتأكيد سيادة فرنسا كبلد مستعمرعلى للمرتينيك وتوظيف مناسبة موت أحد رموزالنضال فيها لمزيد احكام القبضة على مصالحها هناك؟ أم ان شاعرالمارتينيك الكبيرورائد"الزنوجة" والمناضل الفذ من اجل القضايا العادلة في العالم كان في الحقيقة ابن النظام الفرنسي وكان مجرد أداة بيد المستعمر؟ على كل ومهما كان من امرنضاله السياسي فما يهمنا هنا هو نضاله من اجل اعلاء مكانة الشعرالحديث في الغرب في حقبة زمنية سيطرت عليها الرواية ومدى تاثره بالتيارالسريالي في الفن وحنينه الدائم الى الاراضي الافريقية هذا الحنين الذي جعل قصائده عبارة عن رحلة غناية تبدأ من افريقيا وتنتهي بها ميزتها ان الانا فيها تحتل مكانا متميزا فيستخدم المناجاة على شكل حكائي غنائي لتقول - اي هذه القصائد - ان القارة الافريقية او الموطن الاصلي للسود ليست فقط تلك الصورالتي تبثها وسائل الاعلام والتقاريرالسوداوية التي تنشرها المنظمات العالمية وانما هي مكان تميز ثقافي وخصوصيات حضارية تؤكد نفسها عبرمختلف انماط واساليب العيش بما في ذلك فعل الابداع... هذه القصائد ميزتها انها ارتبطت بمواضيع محددة كالزنوجة والاضطهاد العرقي ومخلفات تاريخ العبودية لتدافع في الحقيقة عن القضايا الخاصة للافريقي الاسود.