منذ الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في مطلع العام 2011، انضم آلاف التونسيين الى تنظيمات جهادية، في ظاهرة يردها محللون الى قمع بن علي للإسلاميين والفراغ الذي تلى سقوطه، بالإضافة الى الفقر وترامي الحدود مع ليبيا حيث تنتشر شبكات تجنيد وتدريب لتنظيم "داعش". وذكر تقرير صادر عن "فريق عمل الأممالمتحدة حول استخدام المرتزقة" في 2015 ان أكثر من 5500 تونسي، تتراوح أعمار معظمهم بين 18 و35 عاما، انضموا إلى التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا، مشيرا الى ان عدد المقاتلين التونسيين "هو بين الأعلى ضمن الاجانب الذين يسافرون للالتحاق بمناطق النزاع". وأرجع مركز "كارنيغي" الامريكي للأبحاث في دراسة نشرها اخيرا انتشار الفكر الجهادي في تونس الى "تضييق الخناق على الفاعلين الدينيّين" في عهد بن علي خصوصا بعد "الأداء الانتخابي القوي نسبياً للحركة الإسلامية" سنة 1989. وقال المركز "أدّى سقوط النظام إلى خلق فراغ سمح للمجموعات الراديكالية بنشر أفكارها وتجنيد أعضاء جدد في صفوف الشباب المحرومين". وقال مسؤول أمني كبير "الفراغ الذي نتج عن محاصرة بن علي للشأن الديني، ملأته مواقع الانترنت والفضائيات الدينية الاجنبية التكفيرية خصوصا منذ منتصف التسعينيات، ما ادى الى انتشار الفكر الوهابي المتطرف في دولة مالكية أشعرية". وتابع "نحن اليوم ندفع ضريبة سياسة بن علي الخاطئة في التعاطي مع الدين". وأمر الرئيس السابق المعزول بإلغاء التعليم الديني في جامع الزيتونة في تونس. واعتبر الامام السابق للجامع حسين العبيدي ان تحجيم الجامع "أضرّ بتونس". وقال "كان جامع الزيتونة منارة لنشر الفكر الديني المعتدل في شمال افريقيا"، و"وجد الفكر المتطرف طريقه الى تونس في غياب جامع الزيتونة" الذي انبثقت منه أول جامعة علمية في العالم الإسلامي. والظاهرة الجهادية ليست جديدة في تونس، إذ سبق لأعداد من التونسيين ان قاتلوا في التسعينات في البوسنة والشيشان، وفي بداية سنوات ال2000 في أفغانستان والعراق، لكن لم يسبق أن بلغ العدد ما هو عليه اليوم، وفق ما يقول فريق عمل الأممالمتحدة. ومنعت السلطات التونسية 15 ألف شاب من الالتحاق بتنظيمات جهادية في الخارج في الفترة الممتدة بين مارس 2013 وجويلية 2015، بحسب وزارة الداخلية. وقال أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبد اللطيف الحناشي ان من اسباب ارتفاع أعداد الجهاديين التونسيين في سوريا ما شهدته البلاد من "دعاية سياسية ودينية مركزة ضد النظام السوري"، زمن حكومة "الترويكا" التي قادتها حركة النهضة الإسلامية من نهاية 2011 وحتى مطلع 2014. وكانت تونس أول دولة عربية تعلن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وتعترف رسميا بالمعارضة السورية، وثاني دولة في العالم تستضيف على أرضها مؤتمر "أصدقاء سوريا"، ما شجع "شبكات متعددة الجنسيات" على اتخاذ هذه الاعتبارات "مبررا" لتجنيد مقاتلين تونسيين وإرسالهم إلى سوريا، بحسب قوله. وتابع ان "حملة الدعاية المركزة" كانت تعمل على "تعبئة وشحن الشباب على أساس مذهبي وتقديم سوريا على أنها أرض للجهاد ضد النصيريين وحلفائهم من الصفويين الذين يقتلون المسلمين السنة الأبرياء". وأوضح أن "سلفيين وسياسيين ومثقفين" إسلاميين ودعاة خليجيين ومصريين استقدمتهم جمعيات إسلامية تونسية وحظي بعضهم باستقبالات "رسمية" في المطارات، شاركوا في هذه التعبئة. وذكر تقرير مركز كارنيغي ان المتطرفين تمكنوا "من تجنيد المتشدّدين في ضواحي العاصمة والمناطق الداخلية". وأشار المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية في دراسة حول السلفية الجهادية نشرت في 2014 إلى "الارتباط الواضح بين خريطة انتشار التيار السلفي الجهادي وبين خريطة التهميش الاقتصادي والاجتماعي" في تونس. وقال أمينه نوفل الصديق من "مركز الحوار الإنساني" (منظمة دولية للوساطة في مجال النزاعات) إن تونسيين التحقوا بتنظيم "داعش" لأنهم يعتقدون انه يوفر لمقاتليه "مستوى عيش أفضل". وأورد تقرير فريق عمل الأممالمتحدة ان العاملين في شبكات تجنيد المقاتلين التونسيين يحصلون على مبالغ تتراوح بين نحو 2700 و9000 يورو على المجند الجديد، بحسب "مؤهلاته". وأدّى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد الثورة وفشل الحكومة في معالجة المطالب المعيشية إلى "إذكاء تطرّف" شباب مهمش، بحسب مركز كارنيغي. وشهدت تونس في 2015 ثلاثة هجمات دموية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية استهدفت متحفا في باردو (شمال) وفندقاً في سوسة (وسط) وحافلة للأمن الرئاسي في العاصمة، وأسفرت عن مقتل 59 سائحاً أجنبياً و13 عنصر أمن. وقتل منذ نهاية 2012 عشرات عناصر الأمن والجيش في هجمات نفذتها "كتيبة عقبة بن نافع"، وهي جماعة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي 2013، اغتال جهاديون المحامي شكري بلعيد والنائب في البرلمان محمد البراهمي وكلاهما معارض للإسلاميين. ووصل العديد من المقاتلين التونسيين إلى سوريا والعراق بعد أن مروا ب"معسكرات تدريب" في ليبيا التي ترتبط مع تونس بحدود برية طولها نحو 500 كلم، ثم "أقلعوا (في رحلات جوية) من العاصمة الليبية نحو اسطنبول في تركيا قبل أخذ طريق الجبة"، وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية. وبين هؤلاء منفذو الهجومين على متحف باردو وفندق سوسة. وأكد رضا صفر، وزير الدولة المكلف بالأمن في حكومة مهدي جمعة التي قادت تونس من بداية 2014 وحتى مطلع 2015، أن "انهيار الدولة" في ليبيا ساهم في تنامي الظاهرة الجهادية في تونس. وأضاف "توجد في ليبيا كل مقومات تنامي الحركات الجهادية: الرجال والأيديولوجيا والأسلحة والمال". (أ ف ب)