امتعاض من سيطرة "اليسار" على مشروع الإصلاح التربوي واتهام لجنة الإصلاح بالالتفاف على الهوية العربية الإسلامية "لماذا نريد إحداث مجلس أعلى للتربية؟ وما هي المهام التي نرغب في إسنادها إلى هذا المجلس؟ وتركيبة المجلس كيف نراها؟".. عن هذه الأسئلة وغيرها أجاب كل من الخبير الدولي في تقييم النظم التربوية الدكتور محمد بن فاطمة، ورئيس لجنة الإعلام للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية الأستاذ الأول فوق الرتبة فتحي الساعي، والناطقة الرسمية لشبكة التربية والتكوين والبحث العلمي وداد بن عيسى. وكشفوا خلال ندوة وطنية انتظمت أمس بالعاصمة ببادرة من مركز دراسة الإسلام والديمقراطية وشبكة التربية والتكوين والبحث العلمي والائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية والجمعية التونسية لعلوم التربية وجمعية تطوير التربية المدرسية، عن تفاصيل مشروع القانون الجديد الذي أعدوه ويتعلق بإحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. الندوة حضرها عدد هام من المربين والمهتمين بالشأن العام، وكشفت المداخلات الحماسية التي فاضت إيديولوجيا للعديد منهم، قربهم الواضح من التيار الإسلامي، حتى أنهم صفقوا بحرارة على من ألقى باللائمة على وزارة التربية لأن الإصلاح التربوي هيمن عليه اليسار، وعلى من اتهم لجنة الإصلاح بالالتفاف على الهوية العربية الإسلامية، وعلى من قال إنه يشتم رائحة الصهيونية بين الأسطر. الدكتور مصدق الجليدي الخبير الدولي في التربية والمنسق العام للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية قال مشروع قانون إحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تم تعديله عديد المرات وهو تقريبا شبه جاهز، وسيقع عرضه عما قريب على مجلس نواب الشعب وأشار إلى وجود شبه إجماع على إحداث هذا المجلس.. وهذا الهيكل ليس بالجديد ففي بداية الستينات تم إعداد قانون يتعلق بمجلس أعلى للتربية القومية وأعيدت صياغته سنة 1971 ونقح سنة 1977 وتم إتمامه في منتصف الثمانيات، وبالتالي فإن المجلس له تاريخ وهو ليس باللقيط ومن القرارات التي اتخذها في الستينات والسبعينات مضاعف التوقيت المخصص للتربية الإسلامية وإسناد مهمة تدريس التربية الوطنية لأساتذة التربية الإسلامية، وإثر السابع من نوفمبر تمت صياغة القانون بشكل مغاير وأصبح يسمى المجلس الأعلى للتربية والتعليم وفي سنة 2000 أصبح يسمى المجلس الأعلى للتربية، وبعد الثورة دخل المجتمع المدني على الخط وطالب عديد المرات بدسترة هذا المجلس وببعثه وعمل الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية على الدفع من اجل تركيزه. المجلس.. ضرورة واعتبر الدكتور محمد بن فاطمة تركيز المجلس الأعلى للتربية ضرورة ملحة ، إذ لا توجد على حد تأكيده إلى حد اليوم سياسة تربوية واضحة المعالم، وفي صورة عدم إحداث هذا المجلس سيتواصل الوضع على حاله، وسيتدهور النظام التربوي أكثر وسيتردى مستوى التلاميذ من سنة إلى أخرى وبين أن هناك اليوم تلاميذ لا يستطيعون كتابة أسمائهم كتابة صحيحة، وهناك منهم من يحسن القراءة لكنه لا يفهم ما يقرأه. وأضاف الخبير: "إن ما يجعل إحداث مجلس أعلى للتربية أمر أكيد للغاية، هو تواصل التجاذبات السياسية والحزبية والصراعات الإيديولوجيات، والتنازع بين من يدعون إلى اليمين، ومن يدعون إلى اليسار، ومن يدعون إلى الوسط، وهذا يشكل خطرا كبيرا على التربية. "ويرى الدكتور بن فاطمة أن إحداث المجلس الأعلى للتربية، يرمي أيضا إلى وضع حد لإعداد المشاريع التربوية والبرامج في غرف مغلقة من قبل متفقدين يتقمصون أدوار الخبراء في التربية. وأطلق صيحة فزع لعدم توفر العدد الكافي من الخبراء الحقيقيين في التربية، ولتغييب الخبراء الفعليين. وعبر عن انشغاله لعدم توفر الضمانات الكافية لنجاح الإصلاح التربوي وكرر أن الفشل غير مسموح به لأنه في صورة حصوله فستكون عواقبه وخيمة على الجيل القادم ولمدة الثلاثين سنة القادمة على الأقل. وقال إن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يجب أن يكون مؤسسة تقريرية تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية وبالشخصية القانونية، وذكر أنه يجب إبعاده عن جميع الوزارات وأن يترأسه رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس نواب الشعب. ويهتم المجلس بالتربية والتعليم في القطاعين العام والخاص في جميع المراحل ما قبل مدرسي وابتدائي وإعدادي وثانوي وعالي إلى جانب البحث العلمي والتكوين الأساسي والمستمر. باب النقاش مفتوح الهادي بن خليفة ممثل وزارة التربية طمأن الحاضرين أن الإصلاح التربوي لم يختطفه أي طرف كما قيل وذكر أن باب نقاش مشروع الإصلاح التربوي مازال مفتوحا، وأكد أنه من حيث المبدأ هناك اتفاق على تركيز المجلس الأعلى للتربية فهو ضمانة لاستمرارية الإصلاح التربوي، وللنأي بالتربية عن التجاذبات، لكن الاختلاف يمكن في التفاصيل. وحذر مستشار وزير التربية من أن يكون التفكير في تشكيل هذا الهيكل بناء عن لحظة سياسية معينة ووفقا لموازين القوى الموجودة اليوم، وطالب من أعدوا المشروع بالتحلي ببعد النظر لأن الشأن التربوي على حد تعبيره هو شأن كل التونسيين. أما معز الورتاني ممثل وزارة التكوين المهني والتشغيل فلاحظ أن مشروع القانون الجديد رغم انه يتعلق بمجلس أعلى للتربية والتكوين، فلا يوجد فيه ممثلون عن التكوين المهني والتشغيل وطالب بإحالته على الوزارة لكي تبدي فيه رأيها قبل تقديمه إلى مجلس نواب الشعب. وفي نفس السياق لاحظ حافظ اليوسفي الأخصائي الاجتماعي الأول تغييب وزارة الشؤون الاجتماعية في مشروع المجلس الأعلى للتربية، وعبر عن استعداد الأخصائيين الاجتماعيين في إثرائه. وبين الخبير عادل الهنتاتي أن مهام المجلس الأعلى للتربية يجب أن تضبط بكل دقة كما يتعين تحديد وظائف اللجان القارة داخله بمنتهى الوضوح لتجنب أي لبس عند التطبيق. امتعاض.. وغضب خلال النقاش لم يخف السواد الأعظم من المشاركين امتعاضهم الكبير من سيطرة "اليسار" على عملية الإصلاح التربوي، وغضبهم على مخرجات الحوار الوطني حول الإصلاح، وحذر العديد منهم من الالتفاف على الهوية العربية الإسلامية في هذا الإصلاح ومن تهميش اللغة العربية وذهب أحدهم إلى أنه تم الانقلاب فيه على الفصل الأول من الدستور، وقال آخر إن المعهد العربي لحقوق الإنسان المشارك في مشروع الإصلاح مؤسسة مشبوهة، الأمر الذي استفز أحد المشاركين وقال إنه من منظمة الأعراف واحتج بشدة على نوعية النقاش وقال :"أفيقوا من فضلكم إنكم بعيدون كل البعد عن مشاغل المعطلين عن العمل وعن انتظارات الشباب وإنني شعرت وأنا أستمع إليكم كما لو أنني في كوكب آخر.. فهل هذا اجتماع حول المجلس الأعلى للتربية ام هو اجتماع حزبي أثناء فترة انتخابية.. ربما هناك انتخابات وأنا لا أعلم؟".. وذهبت مشاركة أخرى إلى أبعد من ذلك وقالت إنها لو كانت " حاكمة في هذا البلد" فأول شيء ستقوم به هو القضاء على جميع الأحزاب السياسية لأنها بصراعاتها وتجاذباتها أضرت بالبلاد وطالبت بتشريك التلاميذ ومراعاة القدرات الشرائية لأوليائهم. جدل حول التركيبة وتنديد بتجاهل التعددية النقابية عبر العديد من المشاركين في الندوة الوطنية حول المجلس الأعلى للتربية عن تحفظهم على تركيبة هذا المجلس كما وردت في مشروع القانون المعروض عليهم، وقال بعضهم إنها لم تراع التعددية النقابية، وقال آخرون يجب مراجعة ما تعلق بالخبراء، وطالب أحد الحاضرين بتشريك الأولياء. وكشفت الأستاذة وداد بن عيسى ممثلة شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي تركيبة المجلس الأعلى للتربية وقالت إن المجلس طبقا لما ورد في مشروع القانون الذي سيقع تقديمه إلى مجلس نواب الشعب يتكون من أربعة وستين عضوا هم رئيس المجلس والمدير التنفيذي للمجلس و12 عضوا معينون بالصفة ممثلون عن الوزارات ذات العلاقة بالتربية و4 أعضاء من اللجنة البرلمانية للتربية و10 أعضاء من خبراء في علوم التربية. كما يتركب من أعضاء ينتخبهم مجلس نواب الشعب من بين مترشحين يتم اقتراحهم من منظماتهم يتوزعون كما يلي : 8 أعضاء من جمعيات تربوية و4 من المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية حسب القطاعات و2 ممثلين عن الاتحادات الطلابية الأكثر تمثيلية و2 من المنظمات الشبابية و2 عن اتحاد الفلاحين و2 عن منظمة الأعراف و2 عن متفقدي المدارس الابتدائية و2 عن متفقدي المدارس الإعدادية والثانوية و2 عن أساتذة التعليم العالي و2 عن أساتذة رؤساء الجامعات و2 عن المندوبيات الجهوية للتربية. النائب بلجنة التربية محمد محجوب: الإصلاح التربوي فيه بالضرورة بعد إيديولوجي النائب عن حركة النهضة محمد محجوب اختاره زملاؤه بلجنة التربية عن طريق التصويت ليمثل لجنتهم في الندوة الوطنية حول مشروع المجلس الأعلى للتربية. كشف في كلمته أن لجنة التربية بالبرلمان لم تناقش بعد مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية، وأوضح أن التصريح الصحفي الذي أدلى به رئيسها محمد لمين كحلول مؤخرا لجريدة "الصباح" والذي تبنى فيه تركيز مجلس أعلى للتربية يعبر عن موقفه الشخصي لا عن موقف لجنة التربية. كما أشار إلى أن الإصلاح التربوي فيه بعد إيديولوجي وسياسي يجب أخذه بعين الاعتبار، ودعا من أعدوا المشروع إلى إدراك أن التجاذبات مازالت موجودة، ورغم أن الفصل الأول من الدستور حسم مسألة الهوية فقد حصل جدل حول الرياض القرآنية وتحفيظ القرآن، وذكر أن الإصلاح التربوي ليس شأن الإدارة فقط أو النقابة بل يهم المجتمع ككل، وعبر عن احترازه من أن يقع تمتيع المجلس الأعلى للتربية بالاستقلالية التامة. مهام المجلس الأعلى للتربية تتمثل مهام المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حسب قول الأستاذ فتحي الساعي رئيس لجنة الإعلام للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية وكما وردت في مشروع القانون المتعلق بالمجلس، في ضبط السياسة التربوية العامة، ووضع المخططات والاستراتيجيات ذات العلاقة بالتربية، وإعداد ميثاق وطني للتربية والتكوين، وتقييم المنظومة التربوية عبر المعهد الوطني لتقييم المنظومة التربوية. كما يضطلع المجلس بمهام اقتراح النصوص القانونية والمخططات البرامج ذات الصلة بالمنظومة التربوية أو إبداء الرأي فيها، والإذن بإجراء الدراسات والبحوث المساعدة على اتخاذ القرارات في شؤون المنظومة التربوية والتعاون مع مختلف المنظمات والمؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية والأجنبية ذات العلاقة بمهام المجلس. ويتولى المجلس الأعلى للتربية على حد قول الساعي إعداد تقرير سنوي يقدم إلى رئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة ولرئاسة مجلس نواب الشعب، إضافة إلى القيام بالمهمات المتعلقة بالتربية والتكوين والبحث العلمي التي يكلفه بها مجلس نواب الشعب ويقع اتخاذ القرارات فيه بالتصويت سواء في اللجان او الجلسة العامة أو الهيئة العلمية وتخضع قراراته إلى مصادقة مكتب المجلس. جريدة الصباح بتاريخ 08/05/2016