أكد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية أن ليبيا من أهم "الملاذات الآمنة" التي استخدمتها التنظيمات الإرهابية للتوسع، بسبب انهيار القوات الأمنية وغياب سلطة مركزية قوية تستطيع حكم المساحات الشاسعة داخل الدولة. وقال تقرير الخارجية الأمريكية الذي يغطي العام 2015 إن ليبيا تحولت إلى بيئة مناسبة لعمل تنظيمات مثل "أنصار الشريعة" في بنغازي ودرنة، و"القاعدة في بلاد المغرب" و"المرابطين" و"داعش"، ووجدت تلك التشكيلات ملاذاً آمناً في مدن عدة، خصوصا درنة وبنغازي وسرت وصبراتة. وأضاف التقرير الموجه إلى أعضاء الكونغرس "كانت ليبيا خلال العام 2015 مركزا رئيسيا للعمليات الإرهابية ومحورا مهما لعبور المقاتلين الأجانب من وإلى سوريا والعراق، مشيرا إلى نجاح تنظيم "داعش" في شن عدة هجمات دموية داخل تونس انطلاقا من مراكزه للتدريب في ليبيا". وأظهر التقرير استمرار الولاياتالمتحدة في مراقبة الأوضاع داخل ليبيا عن كثب، خصوصا التهديد الإرهابي الذي يمثله تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات المتشددة. وقال التقرير حول التهديد الإرهابي في العالم إن الحدود الشاسعة غير المراقبة، وانتشار الأسلحة وضعف المؤسسات الأمنية وفر البيئة المناسبة للجماعات المتشددة بالعمل بحرية والتمتع بنوع من الحصانة. كما استفادت تلك الجماعات من الصراع بين الحكومة المؤقتة في طبرق وما يعرف ب"حكومة الإنقاذ" في طرابلس، الذي سمح بانتشار المجموعات المتشددة بينها تنظيم "داعش"، بينما تسعى الأممالمتحدة لإنهاء تشكيل حكومة الوفاق الوطني. ولم تنجح قوات الجيش الليبي حتى الآن في تحرير مدينة بنغازي، عقب مرور ما يقرب من العامين على العملية العسكرية التي أطلقها لتحرير المدينة. وفشلت الحكومة في القضاء على الملاذات الآمنة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية، وفشلت في منع تدفق المقاتلين الأجانب من وإلى ليبيا. ولفتت الخارجية إلى إشارات على عودة المقاتلين الأجانب والليبيين إلى ليبيا قادمين من سوريا والعراق، وبعضهم يختار البقاء في ليبيا بدلاً عن التوجه إلى "مقر الخلافة" في الرقة. وهناك مخاوف من تحول ليبيا إلى "ساحة معركة بين التشكيلات المتشددة مثل 'داعش'"، حيث رصد التقرير وقوع اشتباكات متفرقة بين تنظيم "داعش" وتنظيمات متشددة أخرى، بعضها نجح في طرد "داعش" من معاقله، في إشارة إلى طرد التنظيم من مدينة درنة على يد تحالف من تشكيلات متشددة. ورأت الخارجية أنه "رغم رفض الإرهاب من جميع الأطراف داخل ليبيا، إلا أن التشكيلات المسلحة الموالية لكل من حكومة طبرق وحكومة الإنقاذ بطرابلس ركزت على منافسيهم وعلى الخلافات الداخلية أكثر من محاربة المجموعات المتشددة". وقالت "إن عدداً من القبائل المحلية ومجموعات أقلية عملت كوسيط لمساعدة المجموعات الإرهابية، مدفوعة غالباً بأسباب اقتصادية وليس أيديولوجية". وكشف التقرير عن أن ليبيا مازالت تحتفظ بمخزون من خام اليورانيوم، داخل منشأة عسكرية سابقة قرب سبها، رغم الاتفاق الموقَّع مع الولاياتالمتحدة على تدمير المخزون الليبي من الأسلحة الكيميائية. وأوضح التقرير أن خطر تهريب أو نقل خام اليورانيوم قليل، نظراً لحجم الحاويات والعملية المعقدة التي تحتاجها المادة الخام حتى يمكن استخدامها في صنع الأسلحة. ومع زيادة الصراع الداخلي، وجدت الحكومة الليبية نفسها غير قادرة على مواجهة التوسع الواسع للجماعات الإرهابية داخل ليبيا. ولم تضع الحكومة المؤقتة في طبرق أو منافستها في طرابلس أي استراتيجية فعالة للتعامل مع التهديد الإرهابي المتنامي، ولم يتم تمرير أي قانون لمكافحة الإرهاب. وتحدث التقرير عن الحالة الأمنية وأوضاع قوات الأمن والشرطة والقضاء، وذكر أن ليبيا تفتقر إلى قوانين شاملة لمكافحة الإرهاب، رغم أن قانون العقوبات يجرم أي اعتداءات على الأمن العام أو الترويج أو دعم أنشطة إرهابية. وافتقد رجال الأمن ورجال تطبيق القانون القدرة الكافية على التعامل مع أو ردع أو التحقيق في الحوادث الإرهابية، وخلا العام 2015 من أية محاكمات متعلقة بالإرهاب. ومع انهيار القوات الأمنية والشرطية وغياب عناصر مدربة بشكل جيد، وغياب آليات التنسيق في معظم المدن الليبية، قامت تشكيلات مسلحة بمهام توفير الأمن وتطبيق القانون. وتعرِّض عناصر الأمن وتطبيق القانون والقضاة أنفسهم إلى الاستهداف عن طريق الاغتيالات أو الخطف، ما أدى إلى توقف المحاكم في مدن مثل بنغازي ودرنة. وفي ما يخص قوات الجيش، ذكر التقرير أنها كانت ضعيفة إلى حد ما، مع انقسامها وفق خطوط قبلية ومحلية وفئوية، وسهلت تلك الأجواء لتنظيم "داعش" إعلان قواته الشرطية الخاصة داخل سرت. ولاحظ التقرير غياب إدارة شاملة فعالة لحماية ومراقبة الحدود، وقال إن الحكومة لم تستطع تأمين الحدود البحرية والبرية، التي تبلغ آلاف الأميال، مما أدى إلى انتعاش عمليات التهريب غير الشرعية للبضائع والأسلحة والمهاجرين وسهل عبور المقاتلين الأجانب، فضلاً عن تدمير البنية التحتية للأمن الحدودي وتخريبه، وهو ما اعتبره التقرير تهديداً حقيقياً للإقليم بأكمله ليس ليبيا فقط. وافتقرت الدولة إلى التجهيزات اللازمة لمراقبة الحدود البحرية وإقامة دوريات فعالة لاعتراض التهريب عن طريق البحر أو الهجرة غير الشرعية، ووفق التقديرات الإيطالية، وصل نحو 100 ألف مهاجر إلى إيطاليا قادمين من ليبيا خلال 2015. وجاءت إجراءات الأمن داخل كافة المطارات الليبية ضعيفة، إذ تقتصر على فحص الأوراق والمستندات دون الاستناد إلى التكنولوجيا الحديثة. ولا تزال الجهود الدولية لتأمين الحدود، خاصة بعثة الاتحاد الأوروبي لتأمين الحدود، معلقة مع نقل العاملين والأجهزة إلى تونس وتخفيض أعداد الموظفين بشكل ملحوظ. ولاتزال المهمة الأوروبية في اتصال مع المسؤولين في ليبيا خاصة خفر السواحل وأجهزة التعامل مع الهجرة غير الشرعية. ورصد التقرير الأمريكي تراجع مستوى التعاون الدولي والإقليمي مع خروج معظم البعثات الدبلوماسية من ليبيا بسبب الحرب، فيما بينها بعثة الأممالمتحدة للدعم، لافتاً إلى أن الصراع السياسي وغياب التواجد الدولي داخل ليبيا قلل من التعاون والتنسيق في ما يخص محاربة الإرهاب. ولفت إلى تأثير الأوضاع في ليبيا على دول الجوار، خاصة تونس، وأكد أن انعدام الأمن في ليبيا وحالة عدم الاستقرار أدى إلى انتشار التشكيلات المتشددة في تونس خاصة "داعش"، ولهذا ركزت تونس على حماية حدودها مع ليبيا. وأكد التقرير أن استمرار الاقتتال بين الفصائل الليبية المتناحرة خلال العام 2015، مكن المجموعات الإرهابية من استغلال غياب مؤسسات حكومية قوية لتوسيع وزيادة نفوذها في ليبيا، إذ تمكن "داعش" من السيطرة على كامل مدينة سرت والمناطق المحيطة، وفرض نظام تطبيق صارماً للشريعة الإسلامية ونفذ سلسة من الإعدامات العلنية وعقوبات الجَلد. ولفت إلى واقعة ذبح وصلب أربعة من عائلة واحدة داخل سرت في اغسطس، على إثر محاولة انقلاب لأهل المدينة ضد التنظيم. وأعدم التنظيم آخرين بتهم التجسس أو مخالفة أوامر التنظيم. واستهدفت عمليات الإعدام في مدينة أجدابياً القادة العسكريين والرموز الدينية المعادية له. ورصد التقرير أهم الهجمات التي نفذتها تشكيلات متشددة ضد أهداف غربية ودبلوماسية والحكومة الليبية ورموز المجتمع المدني، خاصة في مدن اجدابيا، بنغازي درنة وسرت. أهم تلك الأحداث، الهجوم ضد فندق "كورنثيا" بطرابلس في 27 يناير، ذبح 21 مصري على يد "داعش" في 15 فيفري، الهجوم على سفارة كورياً الجنوبية بطرابلس في 13 أفريل، ذبح 30 أثيوبياً في 19 أفريل، قصف تظاهرة مناهضة للاتفاق السياسي الليبي في 23 اكتوبر، ومقتل عدد من الرموز الدينية المعادية لتنظيم "داعش". ونوه تقرير الخارجية إلى أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقياً "ظلا المسرح الرئيسي للنشاط الإرهابي خلال عام 2015" حيث نجح تنظيم "داعش" في التوسع داخل ليبيا رغم تراجعه في سورية والعراق ونجح في إشعال فتن طائفية وتنفيذ هجمات في جميع دول الإقليم. واستغل تنظيم "القاعدة" الفوضى المتزايدة والمناخ السياسي والأمني الهش في شن مزيد من الهجمات خاصة في سوريا واليمن وشمال أفريقيا.(بوابة الوسط)