اعتبر القيادي في حركة نداء تونس والناطق الرسمي السابق للحكومة خالد شوكات أن النقاش الحاصل اليوم حول مسالة عودة الإرهابيين من بؤر القتال من عدمه دفعنا إلى الاستماع إلى أشياء لم يتجرأ الحاكم المستبد والمتسلط على القيام بها. وأضاف شوكات في حوار خص به الصباح أن مثل هذه القضايا يفترض أن تعالج ضمن الآليات الدستورية والقانونية. اللقاء تعرض أيضا إلى التجاذبات الحاصلة في حركة نداء تونس حيث اعتبر شوكات أن ما يحدث في نداء تونس هو حالة مستجدة وحالة غريبة وشاذة من معارك كسر العظم ومن معارك يقودها منطق الإقصاء معتبرا أن هذه حرب الرابح فيها خاسر. أما فيما يتعلق بحكومة الوحدة الوطنية فقد اعتبر شوكات أن هذه الحكومة يصح تسميتها بحكومة الرئيس الباجي قائد السبسي فقد اختار لها الباجي شخصيات من الصف الخامس والسادس في أحزابها باعتباره يريدها أن تكون حكومته على حد قوله. وفيما يلي نص الحوار: أجرت الحوار: منال حرزي *أثارت مسالة عودة الإرهابيين من بؤر التوتر جدلا كبيرا كيف تنظر إلى المسالة؟ -الدولة تمتلك دستورا وقانونا ويفترض أن مثل هذه القضايا تعالج ضمن الآليات الدستورية والقانونية. نحن دولة دستورية ودولة قانون كما أننا أيضا دولة مرتبطة بالاتفاقيات الدولية التي لها علاقة بحقوق الإنسان وعلاقة بالقانون الدولي الخاص. اعتقد أن جمهور الفقهاء من القانونيين أدلوا بآرائهم في هذا الموضوع فيما يتعلق بآلية، أي مدى لدينا القدرة على سحب الجنسية من هؤلاء أو عدم سحبها؟، في تاريخنا كدولة وطنية معاصرة سواء في ظل الزعيم بورقيبة أوفي ظل الرئيس بن علي لم يسبق للدولة التونسية أن سحبت جنسية من مواطن يحملها لأي اعتبار من الاعتبارات. مورس الإرهاب في عهد بورقيبة وبن علي و لكن كلاهما لم يطرح هذه الآلية: آلية أن يجرد تونسي من جنسيته، أتفهم أنهم من القتلة والمجرمين لكن في نظري إن هذا النقاش دفعنا إلى الاستماع إلى أشياء لم يتجرأ الحاكم المستبد والمتسلط على القيام بها. ما أخشاه كرجل لديه خلفية نضالية في مجال حقوق الإنسان أن تستعمل هذه المسالة اليوم ضد الإرهابيين وغدا يوسعها الحاكم الذي سيأتي من بعد لدوافع أخرى سياسية. في رأيي هذا الجدل بين أن الثقافة الديمقراطية والثقافة الحقوقية ليست صلبة في بلدنا وأن العودة إلى التخوين والتخوين المتبادل إلى ضرب التوافق والى ضرب الأسس التي قامت عليها التجربة التونسية مازال واردا وهذا اخطر ما رايته واخطر ما تابعته في هذا الموضوع. *هل يعني هذا أن موقفك من هذه المسالة هو تطبيق الدستور بغض النظر عن هوية هؤلاء ومدى خطورتهم؟ - ما في ذلك شك أنهم يشكلون خطرا ولم يسبق لأوطاننا أن عاشت مثل خطورتهم. معالجة المسالة هي بالضرورة معالجة مركبة لدينا قانون الإرهاب يتضمن عقوبات مشددة كما لدينا آليات قضائية وقانونية ثم آليات أمنية كما لدينا أيضا آليات أكثر عمقا: آليات تربوية وفكرية واجتماعية. يجب أن يتحرك جهاز المناعة الوطني على مستوى الفكر والدين والتربية حتى نوفر حصانة اكبر للأجيال القادمة من هذا الداء المستشري. *أثار تصريح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي فيما يتعلق بعودة الإرهابيين جدلا كبيرا حيث اعتبر أن اللحم إذا نتن عليه باماليه، تصريح اعتبرت من خلاله بعض الأطراف أن حركة النهضة لازالت تمارس لعبتها المفضلة التي تتعلق بازدواجية الخطاب، ما رأيك؟ - هذا الكلام يعود إلى مدرسة ما قبل انتخابات 2014 وما قبل دستور 2014. حركة النهضة شريك حقيقي وفعلي في هذا المسار الديمقراطي وفي مسار المصالحة الوطنية وما تحقق اليوم من تميز وتفرد في التجربة التونسية مرده أمران : التوافق الذي نلنا من اجله تقدير العالم بأسره ومرده أيضا تميز الحركة الإسلامية التونسية في غالبيتها عن بقية الإسلاميين في مختلف أنحاء العالم. يجب أن لا نتعامل مع بعضنا بمنطق المكايدة واصطياد الأخطاء. ماذا نريد من حركة النهضة: هل نريدها أن تواصل معنا السير في مسار بناء الدولة الديمقراطية أم نريد أن نتصيد بعض الزلات الإعلامية ونمارس تسخير واجتزاء الخطابات من سياقاتها العامة؟. هناك إجماع من قيادات حركة النهضة على التبرؤ من الإرهاب ثم أن موقف المنصف المرزوقي من عودة الإرهابيين وهو رجل علماني أكثر راديكالية في هذا الموضوع من مواقف قيادات حركة النهضة. *فيما يتعلق بالنداء إلى أين تسير الأمور؟ -إلى حد الآن المنطق السائر في نداء تونس هو منطق المغالبة. هناك تقدير عام لدى جميع الأطراف بان نداء تونس يمثل قيمة كأصل سياسي وهو قيمة في حد ذاته. ومازال يمثل في أنظار جزء من الشعب قوة سياسة ذات مستقبل وهنا مكمن الصراع. لو كانت حركة نداء تونس لا تعني شيئا لما تصارع حولها احد ولكن بما أنها تعني فإن المتصارعون جميعا يقدرون أن هذه الحركة هي حركة مهمة وحركة لها وجود في الواقع. لهذا كل طرف منهم يحدث نفسه ربما انه إذا سيطر على الموقف وامتلك السلطة الحزبية فانه يمتلك جزءا من المستقبل وجزءا من السلطة العامة. في رأيي منطق المغالبة هذا منطق خاطئ. الحركة تضررت كثيرا على مستوى القيادة، وبالتالي ما يحدث في نداء تونس هو حالة مستجدة، حالة غريبة وشاذة من معارك كسر العظم ومن معارك يقودها منطق الإقصاء ومنطق المغالبة وهذا أمر ليس في صالح احد، هذه حرب الرابح فيها خاسر. *متى تنتهي هذه الحرب هل هناك بوادر لتجاوز جميع الصراعات؟ -هناك محاولات لرأب الصدع وللصلح وهناك مبادرات لتقريب وجهات النظر. ولكن يبدو انه إلى حد الآن نحن في وضع لا تبدو فيه صورة المستقبل واضحة تماما ربما الذين يراهنون على المغالبة والذين يراهنون على أنهم سينتهون من أصدقائهم بإقصائهم وبإخراجهم هو المنطق الغالب للأسف الشديد في هذه الساعة. *ترى بعض الأطراف أن من بين المشاكل الأساسية لحزب نداء تونس هو نجل الرئيس حافظ قائد السبسي : هل توافق هذا الطرح؟ -لم يعد خافيا أن حافظ قائد السبسي يطمح لوراثة والده لنقل الأمور بصراحة. وهو يعتقد ربما لهذا العامل انه أحق الناس بوراثة والده على رأس حزب أسسه والده وهو يقول أن شعبية هذا الحزب بالأساس مستمدة في ثلاثة أرباعها على الأقل من شعبية الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي. أقول أن منطق الوراثة هو منطق مرفوض ديمقراطيا وشعبيا وأنا شخصيا قلت لحافظ قائد السبسي انه من حقك ممارسة العمل السياسي وان يكون لديك طموح سياسي. لكن يجب أن نحترم جميعا آليات العمل السياسي الديمقراطي. الحزب يجب أن يكون مؤسسة مبنية على أساس آليات ديمقراطية لا على أساس آليات التصفيق والولاء الكاذب وما إلى ذلك. إذا خضت مباراة ديمقراطية انتخابية نزيهة وانتخبك الناس فيجب أن يسلم لك الجميع لكن بأي منطق آخر مختلف عن هذا المنطق فان العملية تصبح عملية توريث ستكون مضرة بك أنت أولا وبالحزب وبسمعة والدك وبالمسار الديمقراطي. لان أزمة نداء تونس انعكست على مؤسسات الحكم فأزمتها وانعكست على المناخ العام الذي كان يفترض أن يكون أكثر ايجابية. *صرحت بان بعض الدوائر حول رئيس الجمهورية حاولت طي صفحة نداء تونس وتأسيس حزب آخر: هل من تفسير؟- في لحظة من لحظات أزمة نداء تونس فضلا عن الأزمة التي رافقت عملية التغيير الحكومي بعض المستشارين المكلفين بالأساس بالعلاقة مع الأحزاب والنواب اقترح على رئيس الجمهورية أن يشكل جبهة سياسية أو حزبا جديدا يتجاوز به حركة نداء تونس. لكن هؤلاء المستشارين الذين ينتمون إلى تلك الفئة الصغيرة فكرا والفقيرة أخلاقا لا يمكن أن تشير على الرئيس إلا بمثل هذه النصائح الخربة التي لا تفيده ولا تفيد المناخ العام. واعتقد أن هذه المحاولة انتهت إلى أن تكون محاولة بائسة وقد أضرت في رأيي بصورة الرئيس أكثر مما نفعته وهو أدرك ذلك عندما تراجع وأكد انه لا مجال لتجاوز حركة نداء تونس.رغم ان البعض لا يزال يحلم بشيء من هذا القبيل. ثمة أناس يعتقدون بان التاريخ يتكرر بسرعة وإن كان في فترة معارضة الترويكا نفع التصويت المفيد ونفع الخطاب الضدي فان هذا الخطاب لم يعد مجاله اليوم فقد تجاوزناه بعد الدستور وبعد إجراء الانتخابات. *هل تعتقد أن قرار محسن مرزوق بالاستقالة من نداء تونس وتأسيس حزب آخر كان قرارا صائبا؟ -محسن مرزوق كان يعتقد انه يجب أن يكون الخليفة الطبيعي للباجي قائد السبسي وهو طيلة وجوده في قيادة نداء تونس كان يتصرف على هذا النحو وكان يستبطن هذه الزعامة الممكنة. واعتقد انه اصطدم داخل حركة نداء تونس بموانع متعددة جعلته يقدر ربما بأنه يضيع وقته لان المشروع المسيطر على محسن هو مشروع الزعامة وهذا من حقه. *ما رأيك في المساعي القائمة لتشكيل جبهة سياسية تجمع كل من الاتحاد الوطني وحركة مشروع تونس وبعض قيادات من نداء تونس؟ -هذا جزء من الحراك العام، المطلوب دائما أن يكون هناك أشخاص يتقدمون بمبادرات سياسية فهذا ينعش الجو العام ويقلص من تشتت الساحة السياسية والمشهد الحزبي. لكنني شخصيا لا أرى نفسي في هذه الجبهة انا لا أريد أن أساهم في أي عمل من شانه أن يقسم التونسيين مجددا إلى جبهة تزعم أنها تمثل الحداثة والديمقراطية في مواجهة من يهددها. *اعتبرت في تصريح إعلامي أن أطرافا من داخل النداء والنهضة تسخن لحرب أهلية حتى انك اعتبرت أن هناك مخططا لضرب المصالحة الوطنية والانقلاب على المسار الديمقراطي: كيف ذلك؟ -هذا التصريح كان منذ فترة حين استمعت حينها إلى بعض الأصوات من داخل نداء تونس تخطط لإعادة الأمور إلى ما قبل 2014 وسمعت أيضا بعض الأصوات من حركة النهضة تشير إلى ندمها من الاتفاق مع الأزلام ومع النظام السابق. وشعرت بان هذه الأصوات قد يساعد بعضها البعض في هدم ما بناه التوافق بين حركتي النهضة ونداء تونس. *في تدوينة لك على صفحتك الاجتماعية حذرت من الانزلاق من النظام البرلماني إلى الرئاسي: هل أننا نسير فعلا نحو نظام رئاسي؟ -هناك أناس تعتقد أن بطء السلطة التنفيذية وضعفها النسبي في إيجاد حلول للقضايا الكبرى المطروحة على رأسها قضية البطالة وهذا الخلاف الطارئ بين مؤسسات الحكم بين الفينة والأخرى بما يعطل عملها المشترك وانسجامها يعود أساسا إلى ذهابنا نحو نظام برلماني والأفضل أن نعود إلى نظام رئاسي. أرى أن الحل ليس في العودة إلى النظام الرئاسي فالصورة التي شكلتها قبل الانتخابات عن الرئيس الباجي قائد السبسي عندما سيصبح رئيسا هي صورة أب الأمة الحارس العام للمسارات العامة وليس المتدخل التنفيذي بالمعنى الذي كان سائدا فيما مضى. واعتبرت أن عمر الرجل وتجربته والصلاحيات التي يمنحها له الدستور تتفق تماما مع ما هو مطلوب. هذا للأسف الشديد وقع التراجع عنه انطلاقا من هذا التقدير الذي لدى الرئيس بان الأمور لا تحل إلا بوجود رئيس واحد. مرحلة الباجي قائد السبسي هي مرحلة انتقالية الذي يعنيني أكثر هو ما بعد الباجي قاد السبسي وليس هذه الفترة.في تقديري النظام السياسي الجديد فعلا الذي أتى به دستور 2014 يبدأ فعليا بعد انتخابات 2019. يجب أن يكون رئيس الحكومة الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية ويجب أن نعزز من صلاحيات النظام البرلماني لا أن نأخذ منها ونعطي للنظام الرئاسي. فمبدأ المساءلة والمحاسبة والرقابة الشعبية كله تضرر نتيجة ميولنا نحو النظام الرئاسي. *كيف تقيم أداء حكومة الوحدة الوطنية؟ -المعادلة التي قامت عليها حكومة الوحدة الوطنية هي معادلة غير مسبوقة في التاريخ. ومعادلة أقول عنها بمنطق العلوم السياسية هي معادلة هجينة. لا يمكن تقييمها بسهولة انا لا أريد أن اسبق الأحداث لعل هذه الحالة الاستثنائية تثبت خلافا لما هو متوقع منها وتستطيع أن تصمد وتنجح في إحراز أهدافها. *أشرت في تصريح إعلامي إلى أن هذه الحكومة خالية من الوجوه البارزة ما معنى ذلك؟ -عندما نقول حكومة تضم تسعة أحزاب فانه يفترض أن الأحزاب التسعة الممثلة تمثل نفسها في هذا الوضع الاستثنائي الذي برر لتشكيل حكومة وحدة وطنية مكان الحكومة السابقة التي كانت مرتبطة بائتلاف حكومي أفرزته نتيجة الانتخابات الماضية. نقول أن حكومة وحدة وطنية هي حكومة فزع وطني يعني حكومة يجب أن يشارك فيها رؤساء الأحزاب والوجوه السياسية من الدرجة الأولى وهذا لم نجده. بتعريف الرئيس الباجي قائد السبسي هي ليست حكومة وحدة وطنية. إذا أطلقنا اسما على هذه الحكومة فهي حكومة الرئيس الباجي قائد السبسي وأنا اعتقد أن الباجي قائد السبسي اختار لها شخصيات من الصف الخامس والسادس في أحزابها باعتباره يريدها أن تكون حكومته. فالشخصية البارزة في هذه الحكومة هي الباجي قائد السبسي فحتى رئيس الحكومة كان رقمه مائتين في ترتيبه القيادي في حركة نداء تونس أن لم يكن أكثر من ذلك. *ترى بعض الأطراف السياسية أننا نحتاج اليوم إلى جبهة سياسية تقف ندا للند أمام حركة النهضة في ظل خلافات وانشقاقات حركة نداء تونس التي تكاد لا تنتهي: هل ترى أن هذه الجبهة ضرورية اليوم؟ -لا، لا أراها ضرورية لان حركة النهضة لا تشكل خطرا على احد. سنة 2011 والحركة في أوج قوتها حصدت النهضة 40 بالمائة من الأصوات، أنا أدرك أن حركة النهضة سقفها الأدنى هي النسبة السالفة الذكر ولا تستطيع أن تحرز أكثر. وأنا في تقديري إن حركة النهضة في الانتخابات القادمة لن يختلف وضعها عن انتخابات 2014 (الصباح )