أطلقت منظمة "غرين بيس" المدافعة عن البيئة صيحة فزع حول الوضع الذي وصفته بالخطير الذي تعيشه جزيرة قرقنة جراء التسريبات النفطية. وأشارت المنظمة، التي نشرت عريضة للتوقيع ضد هذه التسريبات، أن التسربات النفطية في الجزيرة أصبحت متكررة وخطيرة، ما يضر بالتنوع البيولوجي البحري ويؤدي إلى نفوق العديد من الكائنات البحرية، الأمر الذي يهدد مصدر رزق الصيادين هناك، مؤكدة أنه في 21 نوفمبر الماضي، شهدت قرقنة تسربا نفطيا أدى إلى نفوق العديد من الأسماك وألحق الضرر بمعدات الصيد. وعاشت الجزيرة على وقع تسربين نفطيين خطيرين سنتي 2010 و2016، ليكون هذا التسرب هو الثالث، في السنوات السبع الماضية. هذا التسرب الذي لاحظه بحارة بالجزيرة خاصة مع نفوق عديد الأسماك في عرض البحر، جعل عديد النشطاء يطلقون صيحة فزع، حول الوضع الخطير الذي بات يهدد مصدر رزق البحارة في الجزيرة إضافة الى أن هذه التسريبات يمكن أن تتسبب في اختلال التوازن الايكولوجي في كل الجهة خاصة وأن الأسماك النافقة وجدت في عرض السواحل الممتدة بين الشابة وقرقنة وصفاقس. النفط.. قاتل الأسماك في هذا السياق، أكد المدير الجهوي لوكالة حماية المحيط بصفاقس توفيق القرقوري في تصريح ل"الصباح نيوز" وجود تسرب للنفط من احدى الشركات النفطية المنتصبة في عرض سواحل قرقنة، مشيرا إلى أن هذا التسرب تسبب في ضرب مصائد السمك التقليدية "الشرافي". وأكد القرقوري أنه تم اعلام الإدارة الجهوية بهذا التسرب يوم 17 نوفمبر الماضي، فيما أكد البحارة أن التسرب بدأ منذ 14 نوفمبر. وأقر محدثنا بأنه تم فتح تحقيق واعلام السلط الجهوية بصفاقس والسلط المركزية بالعاصمة بنتائج التحقيق. في هذا السياق، علمت "الصباح نيوز" أن التحقيقات أكدت أن تسرب النفط لم يكن من شركة TPS بل من شركة أخرى وهي شركة البحث عن النفط واستغلاله بالبلاد التونسية "سيرابت". باكتيريا.. ونفط.. وطحالب التسربات النفطية قد لا تكون السبب الوحيد وراء ظاهرة نفوق الأسماك، وتلوث البحر، فقد يقف الانحباس الحراري وراء ذلك، وهذا ما قد يثبته بحث أشرف عليه المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار قام به في الفترة الممتدة بين يوم 19 نوفمبر و19 ديسمبر الجاري. في هذا السياق يقول الباحث في ايكولوجية البحار والمشرف على البحث مع مجموعة من إطارات المعهد، كريم بن مصطفى ل"الصباح نيوز" أن فريقا من المعهد تحول الى جزيرة قرقنة منذ يوم 19 نوفمبر الماضي، بعد وصول معلومات حول نفوق الاسفنج البحري، لإجراء تحقيقات حول هذه الظاهرة. وأكد بن مصطفى أن فريقه اتصل بالبحارة بالجهة وأكدوا له أن الأمر لا يتعلق فقط بالاسفنج بل حتى بالسمك، الذي وجد نافقا بالمنطقة، وأنهم يشكون بأن التلوث جراء التسربات النفطية يقف وراء ذلك. وأضاف بن مصطفى أن الفريق قام بأخذ عينات من التربة والمياه بالقرب من المحطة النفطية TPS ومن منطقة أخرى بعيدة نوعا ما من المنطقة، وأن التحاليل أثبتت وجود تلوث نفطي بالتربة بالعينة الأولى، وعدم وجود تلوث بالمنطقة الثانية. وأكد بن مصطفى أن ظاهرة نفوق الاسفنج كذلك وجدت بجرجيس وبوغرارة وبجربة وان الظاهرة موجودة بطرابلس بليبيا وحتى قرب لامبيدوزا الإيطالية التي لا تبعد سوى 70 كلم عن سواحل مدينة المهدية. وأكد بن مصطفى أن السبب الرئيسي الذي يعود الى نفوق الاسفنج يتمثل في ظهور باكتيريا مضرة تكاثرت جراء ارتفاع درجة حرارة المياه وأن هذا النوع من الباكتيريا تسبب في تآكل الاسفنج، مشيرا أن البحارة المختصين في صيد الاسفنج لاحظوا ذلك، إذ أكد بعضهم أن المياه دافئة بالمقارنة مع العمق الذين يغطسون فيه. وأقر بن مصطفى أن ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة شاملة لكل دول العالم، وأن ذلك يتسبب في تآكل الاسفنج. وحول نفوق الأسماك، قال بن مصطفى أن المعهد عاد إلى قرقنة من جديد يوم 19 ديسمبر وقام بتوسيع دائرة أخذ العينات من مختلف الجهات للوقوف على الأسباب وراء ذلك. وأشار بن مصطفى أن إمكانية نفوق الأسماك قد تقف وراءها تكاثر الطحالب العلقية (يصبح تكاثرها ضارا) جراء تناقص الأملاح المغذية لمياه البحر وهي أملاح ضرورية لتوازن النظام الايكولوجي، مشيرا أن هذه الطحالب تتكاثر بسبب تواصل ارتفاع درجات الحرارة لمدة طويلة ووجود الكثير من الضوء. وأكد محدثنا أن العالم شهد في السنتين الأخيرتين أكثر فصول الصيف حرارة منذ أكثر من 100 عام. ورغم أن الامكانية واردة، إلا أن عبد المجيد الزار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أرجع السبب الأساسي للتلوث للتسربات النفطية وراء نفوق الأسماك في البحر. وأضاف الزار، في تصريح ل"الصباح نيوز"، أن هذا التسرب يمكن أن يكون من محطات استغلال النفط الموجودة في عرض سواحل قرقنة، وكذلك من البواخر الكبيرة كذلك. وحذر من تصحر البحر، مشيرا أن البحر أصبح بمثابة مزبلة ومصب فضلات غير مراقب. وأردف الزار أنه رغم وجود ترسانة من القوانين لحماية البحر والثروة السمكية إلا أنها لا تطبق. وأكد محدثنا في هذا السياق، أنه لا توجد جاهزية اليوم في تونس لمواجهة مثل هذا السيناريو، وهو تلوث البحر ونفوق الثروة السمكية.